تعددت الأسباب والموت واحد، عبارة باتت تجسد واقع الإيرانيين بعد 40 عاماً من حكم ولاية الفقيه، التي جاءت عام 1979، بشعارات تصدير الثورة ورفعة إيران والمشروع الفارسي، لكن كل ذلك عجز عن تأمين قبور للإيرانيين كي يموتوا فيها.
بين الفقر والجوع والمرض، توزعت وفيات الإيرانيين خلال الفترة العام الجاري بشكل خاص، تزامناً مع تعمق الأزمة الاقتصادية وانتشار وباء كورونا، وفقاً لما يؤكده الباحث في الشؤون الإيرانية “رحيم ملا زادة”، كاشفاً في تصريحاته أن الحكومة الإيرانية وصلت إلى حالة عجز في مواجهة المشكلات العالقة، لتجد أن الحل الوحيد هو توسيع المقابر لاستعياب ضحايا سياسات تصدير الثورة والعداء مع دول العالم، على حد قوله.
يشار إلى أن رئيس مجلس مدينة طهران، “محسن هاشمي”، قد أعلن خلال الأيام القليلة الماضية، أنه تم توسعة مقبرة المدينة لثلاث مرات متتالية، خلال الفترة المنصرمة.
مقابر طابقية.. فالأرض لم تعد تتسع للجثث
توجه الحكومة الإيرانية إلى سياسة المقابر الطابقية، كآلية لتوسعة المقابر الإيرانية، يرى فيها “زادة” تعبيراً حقيقاً عن الأزمة، التي تعيشها البلاد من كافة النواحي، لافتاً إلى أن معظم الوفيات المسجلة في البلاد تعود لأسباب تتعلق بالصحة وانعدام الرعاية الطبية أو الانتحار بسبب الأوضاع الاقتصادية أو سوء التغذية.
يذكر أن معدلات الوفاة في إيران خلال الأشهر الثمانية الماضية، قد شهدت ارتفاعاً كبيراً جراء انتشار فيروس كورونا، حيث وصل إجمالي عدد الوفيات بالفيروس إلى 41 ألف وفاة، في ظل تشكيك منظمات دولية بصحة البيانات الصادرة عن الحكومة الإيرانية.
في السياق ذاته، يعتبر زاده أن رسالة الحكومة الإيرانية للشعب من خلال توسيع المقابر باتت واضحة، موضحاً: “النظام يقول للإيرانيين أن لا علاج للمشكلات سوى الموت، موتوا ولا تخشوا شيء فقبوركم جاهزة”.
تعليقاً على إجراءات توسعة القبر في إيران، يلفت المحلل الاقتصادي “كريم عزيزي” إلى أن الموت هو حق وقدر لا يمكن تجاوزه، ولكن أسباب الموت في إيران هي المشكلة، خاصةً وأنها مرتبطة بسياسات وإجراءات النظام، التي خلقت ظروفاً بائسة، مضيفاً: “لا يمكن أن يموت الإنسان بسبب الإهمال أو الجوع أو الفقر وفي النهاية نقول إنه قضاء وقدر، في الحالة الإيرانية الشعب لا يموت، وإنما يقتل بطرق مباشرة وغير مباشرة من قبل النظام وأركانه”.
كما يشير “عزيزي” إلى أن عجز الحكومة عن حلحلة المشكلات واقتصار حلولها على زيادة عدد القبور، رغم امتلاك إيران للثروات والنفط والصناعات، يؤكد أن المشكلة ليست بالظروف وإنما في من يحكم البلاد ويعزلها عن العالم لمجرد إطلاق الشعارات البالية.
ويعيش الاقتصاد الإيراني منذ عقود على وقع العقوبات الدولية، بسبب سياسته في الشرق الأوسط وتطويره برامج سلاح نووي وتبنيه لنظرية تصدير الثورة عبر السلاح والميليشيات، حيث وصلت خسائر الاقتصاد الإيراني خلال العام 2019 إلى 40 مليار دولار، بسبب العقوبات الأمريكية.
تعددت الأسباب والضحية واحدة
تزامناً مع تصاعد الحديث عن انتفاضة إيرانية شعبية وشيكة ضد النظام بسبب الأوضاع العامة، يكشف مصدر خاص بمرصد مينا، أن سياسات النظام أدت إلى ارتفاع معدلات الانتحار بشكل كبير خلال 40 عاماً من الحكم، لافتاً إلى أن البلاد سجلت عام 2019، ما لا يقل عن 100 ألف حالة انتحار.
كما يشير المصدر إلى أن 75 بالمئة من حالات الانتحار أو محاولة الانتحار تعود لشباب في المرحلة العمرية من 15 إلى 40 عاماً، لافتاً إلى أن الإحصائيات الحالية تؤكد ارتفاع معدلات الانتحار خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري، بنسبة 20 في المئة عن ما كانت عليه عام 2019.
إلى جانب ذلك، أوضح المصدر أن 55 بالمئة من المنتحرين، هم متزوجون ولديهم أطفال، مشدداً على أن معظم حالات الانتحار تلك سجلت لأسباب اقتصادية ومعيشية، ومذكراً بحالة الانتحار الجماعي التي شهدتها أذربيجان الشرقية، منتصف العام 2019، بسبب البطالة والفقر.
يذكر أن مركز الإحصاء الإيراني أكد في تقرير له أن نسبة الإيرانيين، الذين يعيشون تحت خط الفقر المدقع وصلت إلى 55 بالمئة، خلال العام الحالي.
في سياق الحديث عن حالات الانتحار، يقول الباحث في الشأن الإيراني، “علي رضا محمدي”: “لو نظرنا إلى الخط البياني للانتحار في إيران، فهو ارتفع بشكل كبير منذ عام 1979 وحتى 2019، فقبل قدوم علي خميني إلى الحكم، كان معدل الانتحار 1.3 لكل 100 ألف نسمة، في حين وصل عام 2018 إلى 125.24 لكل 100 ألف نسمة”، مشيراً إلى أن السنوات الأربع الماضية، شهدت ارتفاع معدلات الانتحار بنسبة 60 في المئة.
ويلفت “محمدي” إلى أن كل حالات الانتحار تلك ارتبطت بالأوضاع الاقتصادية المعيشية والاجتماعية، بالإضافة إلى الحالة النفسية، التي خلقتها القبضة الأمنية المشددة، خاصةً وأن من بين المنتحرين من كانوا معتقلين أو معتقلات سابقات وتعرضوا للعنف أو الإيذاء النفسي أو الاغتصابات.
بعيداً عن الفقر قريباً من السجون.. الإعدامات لها حصتها
بين حوامل الموت المختلفة، يشدد المصدر الخاص بمرصد مينا، على أن الإعدامات، التي يقرها القضاء الإيراني، كان لها حصتها من أرواح الإيرانيين، مشيراً إلى أنه لا يوجد حصيلة دقيقة للإعدامات المنفذة سنوياً في البلاد، لافتاً إلى أن الولاية الأولى من حكم الرئيس “حسن روحاني”، شهدت تنفيذ نحو 2000 عملية إعدام.
كما بين المصدر أن تصاعد عمليات القتل عن طريق الإعدام، يأتي ضمن سياسة ممنهجة لدى النظام الإيراني، يسعى من خلالها إلى فرض هيبته وزرع الرعب في قلوب الإيرانيين إبقائهم ضمن سلطته والحدود التي يرسمها لهم.
يشار إلى أن منظمة العفو الدولية قد أعلنت في وقتٍ سابق، أن إيران شهدت تنفيذ 50 بالمئة من معدلات الإعدامات على مستوى العالم، و60 بالمئة من معدلات الإعدام المنفذة في الشرق الأوسط، عام 2018.
المصدر يلفت كذلك إلى أنه في ظل تعدد عوامل الموت تلك وآلية تفكير النظام القائمة على بناء حكمه على جماجم الإيرانيين، فإن من الطبيعي أن تكن القبور هي الحل الوحيد للتخلص من الأزمات.