تواجه بريطانيا المنضوية في التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب ملفاً شائكاً بالنسبة إليها، وهو ملف البريطانيين المقاتلين في صفوف داعش الذين تنظر إلى التعامل معهم على أنهم أحد أولويات استراتيجيتها السياسية والعسكرية في العراق وسوريا، لا سيما بعد انكماش نفوذ التنظيم في تلك البلاد، وتنامي الخشية من ازدياد عودة مقاتلي التنظيم الأجانب إلى بلادهم ومنهم البريطانيون.
نشرت صحيفة “التيليغراف” البريطانية في 23 أيلول/ سبتمبر، فيديو لشخص بريطاني قُبض عليه قبل شهر في ريف دير الزور الشرقي من قبل قوات سوريا الديمقراطية، ويدعي أنه كان يعمل صيدلانياً في مناطق سيطرة داعش، وأن أصله من مدينة بيرمنغهام في بريطانيا.
وبحسب الصحيفة، فإن المعتقل “جاء إلى سوريا منذ أربع سنوات، ويظن أنه محتجز الآن في سجن يتبع للقوات الأمريكية في الشمال السوري، وأجهزة استخبارات غربية تقوم باستجوابه، على الرغم من ادعائه -عندما سئل عما إذا كان مع داعش- بأنه ليس على علاقة بهم بل كان يعمل في المستشفيات مع بقية الناس في مناطق سيطرة التنظيم”.
ما نشرته التيلغراف أثار التساؤل حول دور المقاتلين البريطانيين في صفوف داعش الذين قدّر عددهم بحسب الصحيفة ذاتها بـ 300 مقاتل عام 2017، من بينهم من ذهبوا مع عائلاتهم إلى سوريا، وتتراوح أعدادهم الكلية بين 850-1000 شخص بريطاني، انضموا إلى داعش منذ عام 2015.
كما تمكنت قوات سوريا الديمقراطية بالتعاون مع أجهزة استخبارات غربية في شهر كانون الثاني/ يناير 2018، من القبض على قياديين بريطانيين في داعش يدعيان “ألكسندر كوتيه” و”الشافعي الشيخ”، قاما بتشكيل كتيبة تسمى “”The Beatles –الخنافس– كانت مسؤولة عن تعذيب أكثر من 27 رهينة احتجزوا في سوريا والعراق وإعدامهم، واشتهر عن هذه الكتيبة قيامها بالتمثيل بالجثث وإجراء عمليات الإعدام بقطع الرؤوس والصلب.
وكان يقود هذه الكتيبة التي شكلت 2014 “محمد إموازي” الشهير بـ”الجهادي جون” الذي يظن بحسب هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” أنه ظهر في 7 مقاطع فيديو مصورة وفق ما يأتي:
- في (أغسطس/ آب 2014) ظهر في مقطع فيديو يقوم فيه بقطع رأس الصحافي الأمريكي جيمس فولي.
- في (2 سبتمبر/ أيلول 2014) بث التنظيم فيديو يقوم فيه “الجهادي جون” بقطع رأس الصحافي الأمريكي ستيف سوتلوف.
- (13 سبتمبر/ أيلول 2014) مقطع فيديو يظهر وهو يقطع رأس عامل الإغاثة البريطاني ديفيد هينز.
- (أكتوبر/ تشرين الأول 2014) يظهر وهو يقطع رأس عامل الإغاثة البريطاني آلان هينينغ.
- (نوفمبر/ تشرين الثاني 2014) مقطع فيديو ظهر فيه الجهادي جون يقتل جندياً سورياً في عمليات قطع رؤوس بشكل جماعي، وهو المقطع الذي ظهرت فيه أيضاً -في ما يبدو- جثة عامل الإغاثة الأمريكي عبد الرحمن كاسيغ المعروف أيضاً باسم بيتر كاسيغ.
- (20 يناير/ كانون الثاني 2015) يظهر في فيديو وهو يقف بجانب اثنين من الرهائن اليابانيين ويطالب بفدية لإطلاق سراحهما.
- (31 يناير/ كانون الثاني 2015) مقطع الفيديو الذي يظهر فيه -في ما يبدو- الجهادي جون يقطع رأس الرهينة الياباني كينجي غوتو.
وجرى قتله في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، بغارة أمريكية مركزة، وقد قام تنظيم داعش في مجلة “دابق” التي تصدر عنه بنشر صور له ونعيه، وأنه “استطاع مع مجموعة من الأشخاص مغادرة بريطانيا عن طريق التهريب والسير في الجبال والوديان وقطع حدود أكثر من بلد بطريقة غير قانونية، واعتقل مرات عدة في رحلة استغرقت نحو شهرين للوصول إلى سوريا”.
وفي ما يتعلق بكتيبة الخنافس يقول الباحث “أيهم مقدسي” لـ”مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي”: “عندما ظهر جون في أول مقطع فيديو له وهو يقوم بقطع رأس الرهينة، شكل ذلك صدمة بالنسبة إلى وسائل الإعلام الغربية، لا سيما البريطانية منها، عندما كشفت هوية جون أثارت الفزع لدى الشارع البريطاني من انخراط بريطانيين في صفوف داعش، والخوف من القيام بعمليات إرهابية، وهو ما حدث بالفعل في مترو لندن عندما قام أحد عناصر داعش بعمل إرهابي في 2015، بعد يومين من قيام سلاح الجو البريطاني بأولى هجماته على التنظيم في سوريا”.
وحول موقف حكومة لندن فقد كان صارماً اتجاه أولئك المقاتلين، إذ أكد -في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2017- وزير التنمية الدولية السابق في الحكومة “روي ستيوارت” أن “الطريقة الوحيدة للتعامل مع البريطانيين الذين انضموا إلى القتال في صفوف تنظيم داعش في سوريا، هي قتلهم”. في الوقت الذي كشف فيه رئيس جهاز الاستخبارات الداخلية البريطاني في الشهر ذاته “مقتل أكثر من 130 مواطناً بريطانياً، من المنضمين إلى التنظيم في سوريا”.
وعاد وزير الدفاع البريطاني كيفن ويليامسن في كانون الثاني/ ديسمبر 2017، ليؤكد موقف الحكومة بأن “البريطانيين الذين يقاتلون مع تنظيم داعش يجب أن تحدد مواقعهم وأن يجري قتلهم وعدم السماح لهم بالعودة إلى البلاد”.
من جهة أخرى، تمتلك بريطانيا قاعدة عسكرية مشتركة مع الولايات المتحدة أُنشئت عام 2016، تقع في محيط معبر التنف الحدودي جنوب شرق سوريا، وضمت في بداية تأسيسها حوالى 30-50 جندياً بريطانياً من ضمنهم ضباط ومستشارون عسكريون. وتعمل بتنسيق عالٍ مع القوات الأمريكية تحت مظلة التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب. وقد جرى الإعلان عن مقتل أول جندي بريطاني في سوريا في مارس/ آذار 2018 إثر انفجار عبوة ناسفة.
ولا تتوقف خيارات بريطانيا على إنهاء وجود داعش عسكرياً فحسب، بل لجأت أيضاً إلى القضاء البريطاني، إذ جردت في أواخر مارس/ آذار 2018 كلاً من “ألكسندر كوتيه” و”الشافعي الشيخ” من الجنسية البريطانية.
وأكدت صحيفة “ذا صن” البريطانية في حزيران/ يونيو 2018 أن “أكثر من 400 بريطاني ممن قاتلوا مع داعش عادوا إلى البلاد، وأنه تجري محاكمة 40 شخصاً، أدين 10 منهم بتهم متعلقة بالإرهاب، وأن البرلمان طالب الحكومة بتشديد قوانين الإرهاب بشكل عاجل، بعد كشف أرقام العناصر الذين عادوا إلى بريطانيا”.
وعن فاعلية توجه حكومة لندن في مواجهة ملف مقاتلي داعش يرى الباحث “مقدسي” أن “بريطانيا ليست وحدها من تواجه هذه المشكلة بل إن دولاً عدة تحاول رسم سياسة متكاملة للتعامل مع مقاتلي داعش الأجانب، ويمكن لبريطانيا أن ترفع من تنسيقها الأمني مع بقية دول تحالف مكافحة الإرهاب قضائياً لإنشاء محاكم دولية خاصة للنظر في قضايا المتهمين من عناصر داعش.
عسكرياً ما تزال القوات البريطانية تمتلك مهمات عدة في سوريا، وهي قادرة إلى جانب القوات الأمريكية على جمع المعلومات وملاحقة أي عناصر بريطانية متورطة مع داعش، لكنها تتخوف من أن تأخذ هذه العملية وقتاً طويلاً يمكن أولئك العناصر من التخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية في الداخل البريطاني.
من ثم من المرجح أن لندن قامت بتكثيف جهدها العسكري والأمني في سوريا بشكل عاجل لإنهاء هذا الملف، عدا عن أنها أبدت الاستعداد لشن ضربة عسكرية ضد النظام السوري إذا استخدم الكيماوي في إدلب، ما يشير إلى كثرة المهمات الموكلة إلى القوات البريطانية في سوريا، وبذلك ستكون على جاهزية عالية لتحقيق مصالح بريطانيا في المستويات كافة ومنها قضية البريطانيين في داعش”.
الجدير بالذكر أن تنظيم “داعش” ما زال موجوداً في سوريا، ويتمركز في جيوب عدة في أرياف دير الزور والسويداء والمنطقة الممتدة بين المحافظتين في البادية السورية، إذ يخوض التنظيم معارك عنيفة مع “قسد” والتحالف الدولي في شمال سوريا، ومعارك مماثلة مع قوات النظام والميليشيات التابعة لها في جنوبها.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي.