حكومة تأبى الولادة، وأزمة سياسية لا يبدو أن في الأفق حلاً لها، كتل نيابية ترفض الفائز غير الصريح في الانتخابات النيابية الأخيرة، ورئيس حكومة مكلف، كلما سد فجوة ظهرت أخريات.
اختصار شديد للحال السياسي الذي تعيشه تونس، منذ نهاية الانتخابات النيابية الأخيرة، التي كشف انخفاض نسبة المشاركة فيها، عن أي أثرٍ تركته الحكومات المتعاقبة ما بعد الثورة، على الشعب التونسي، لا سيما وأن معظم تلك الحكومات تشكلت أو أديرت على أقل تقدير من جهةٍ وتيارٍ سياسي واحد، تمثب بحركة النهضة الإسلامية.
أمام هذا الحال، وهذه التعقيدات في ملف تشكيل الحكومة، طرح سؤالٌ محوري حول قدرة الرئيس المكلف “الحبيب الجملي” في إصلاح ما أفسدته حركة النهضة طيلة سنوات ما بعد الثورة، لا سيما وأنه حتى الآن فشل في إقناع الكتل النيابية الأخرى بالانضمام إلى ائتلاف حكومي مع الحركة الإسلامية المقربة من تنظيم الإخوان المسلمين.
كبش فداء ومشكلات عابرة للقارات
محللون سياسيون تونسيون، رأوا في الأوضاع الراهنة، أن “الجملي” كان ضحية فعلية لطموحات حركة النهضة، التي أرادت الاختباء وراءه لإدارة الحكومة المقبلة، وتجاوز سيناريو الانتخابات النيابية المبكرة، مؤكدين أن الإرث الذي تركته النهضة خلال ثمان سنوات، يصعب على “الجملي” تنظيفه، خاصة ما يتعلق بملف الجهاز السري والاغتيالات، والصفقات المشبوهة مع بعض الدول الإقليمية، في إشارة إلى تركيا.
إلى جانب ذلك، أوضح المحللون أن خطة النهضة القائمة على الإدارة من خلف الستار باتت مفضوحة بالنسبة للكتل السياسية التونسية، وأن سيناريو حكومة “يوسف الشاهد” لم يعد قابلاً للتكرار، معتبرين أن فشل “الجملي” في الإعلان عن الحكومة خلال الاسبوع المقبل، كما صرح لوسائل الإعلام، سيضع الحركة أمام عدة سيناريوهات، منها الاعتراف بهزيمة المعركة النيابية، والقبول بتنازلات صعبة، تتضمن التنازل عن فكرة ترشيح رئيس الحكومة أو التخلي عن بعض الوزارات السيادية، التي تسعى الحركة لاحتكارها، خاصةً الأمنية منها، والمرتبطة بسير التحقيقات بقضايا تتعلق برموزها.
أما السيناريو الآخر، وفقاً للمحللين، يكمن في أن تقبل الحركة إجراء انتخابات نيابية مبكرة، وهو ما سيكون أسوء ما ينتظرها، على اعتبار أن فرصها بالحصول على أغلبية نيابية جديدة في الانتخابات القادمة، أمر شديد الصعوبة، وقد لا يتكرر، في حال نشأت تحالفات يسارية وقومية وليبرالية جديدة، حشدت الشارع الموالي لها بمواجهة النهضة، وهو ما يمكن تسميه حينها بالسقوط المدوي، والضربة القاضية لطموحاتها السياسية، بحسب المحللين.
إلى جانب ذلك، ومن خلال التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن مشكلة الحركة لا ترتبط فقط بملفات الفساد والإصلاح والاقتصاد، وإنما تعدت ذلك، إلى السياسة الخارجية، التي تسعى من خلالها الحركة لإدخال البلاد في معسكرات إقليمية، خاصةً مع تنامي الطموحات التركية، في منطقة شمال إفريقيا.
الناشط السياسي “عمر جوهر”، كتب في تغريدة على تويتر: “لا نريد حكومة وفاق جديدة في تونس”، في إشارة إلى ارتباط الحركة بالمشروع التركي التوسعي.
أما الناشط “محمد بن حدري”، فقد غرد: “فرحة التونسيين بفوز قيس سعيد بالرئاسة التونسية أضعفتها فوز النهضة برئاسة البرلمان، مرشح النهضة لرئاسة الحكومة يصطدم بعدم رغبة الاحزاب الاخرى مشاركة النهضة في الحكومة لتبقى تونس حتى الآن بدون تشكيل حكومي”.
حصوة في عين الشعب
في ظل تنامي سيناريوهات الفشل والانكسار السياسي، يبدو أن الحركة بدأت تتعامل مع الأوضاع على مبدأ الهرب إلى الأمام، من خلال الحديث عن المؤامرات والسعي لضرب جهودها، وتحميل الأطراف الأخرى مسؤولية الفشل، حيث صرح القيادي في حركة “النهضة”، نور الدين العرباوي: “الحركة تعلن اليوم توقف مسار التفاوض والعودة إلى المربع الأول، ولكنها ستبقى معنية بتشكيل الحكومة ومعنية بكل مشاركة جادة”، مؤكدا أن النهضة تعتبر أن حيثيات تشكيل الحكومة ضرورية لإنارة الرأي العام.
تصريحات “العرباوي” وصفها بعض المتابعين للشأن التونسي على أنه محاولة لرمي حصوة جديدة في عين الشعب التونسي، استعداداً لاحتمالية إجراء انتخابات مبكرة، مشيرين إلى أن الحركة حالياً، بدأت تستعد فعلياً لكل الاحتمالات، خاصةً وأن ولادة الحكومة أياً كان شكلها، لا يعني نهاية الأزمة، لا سيما وأنها ستكون حكومة ضعيفة لا تمتلك أي أغلبية مريحة، ويمكن إسقاطها عند أول مطب قد تواجهه، على حد قول المتابعين.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي.