يلزم النظام الأساسي لحركة النهضة في الفقرة الثانية من فصله الحادي والثلاثين، رئيس الحركة بالتفرغ لأداء مهامه الحزبية. لكن انتخاب راشد الغنوشي رئيسا للبرلمان في 13 نوفمبر المنقضي وتفرغه لمهامه الجديدة، يدفع المراقبين إلى التساؤل حول مدى قانونية تمسكه بالبقاء على رأس حركة النهضة؟ وحول مدى استعداد قيادة وهياكل حركة النهضة لاحترام قانونها الأساسي والالتزام بضوابطه؟
انتخاب رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي على رأس البرلمان، يجعل موقعه في رئاسة الحركة من الناحية الفعلية في حالة شغور. ولم يفت النظام الأساسي للحركة التعرض لكيفية التعاطي مع حالة الشغور في موقع رئاسة الحركة في صورة حصوله.
فحسب الفصل الثالث والثلاثين من النظام الأساسي للحركة: “يحصل شغور في منصب رئاسة الحزب في الحالات التالية:
- عجز مانع عن أداء مهامه يقدره مجلس الشورى.
- تقديم الاستقالة ثم قبولها من مجلس الشورى.
- الوفاة.
وواضح أن الحالة المنطبقة هنا هي الأولى، أي أن التفرغ الكلّي لرئاسة البرلمان بمسؤولياتها الجسام، يجعل الغنوشي في حالة عجز يمنعه من التفرغ للقيام بمهامه كرئيس للحركة. بما يؤدي إلى حدوث شغور مادي في رئاسة الحركة تتعين معاينته والتعاطي معه.
وفي حالة حصول شغور في رئاسة الحزب، فحسب نفس الفصل الثالث والثلاثين من النظام الأساسي: “يتولى مجلس الشورى في أجل شهر من تاريخ حصول الشغور دعوة مؤتمري آخر مؤتمر عام سابق لانتخاب رئيس جديد للحزب لاستكمال العهدة.
وفي صورة ما إذا كانت المدة المتبقية عن المؤتمر العام أقل من ستة أشهر فإنّ مجلس الشورى ينتخب بأغلبية أعضائه رئيسا جديدا لاستكمال المدة المتبقية…”
لكن مجلس الشورى حركة النهضة أغفل القيام بما يوجبه عليه نظامها الأساسي، ولم يبادر خلال الفترة الممتدة من 13 نوفمبر إلى 12 ديسمبر الجاري إلى لإعلان عن شغور منصب رئاسة الحركة وإطلاق عملية سدّ الشغور.
المؤتمر الأخير لحركة النهضة وكان العاشر، انعقد من 20 إلى 23 ماي 2016. واعتبارا لكون المؤتمرات العادية للحركة تنعقد كل أربع سنوات، يفترض تنظيم مؤتمرها القادم الحادي عشر قبل 20 ماي 2020. ومن هذا المنطلق، على مجلس شورى حركة النهضة إذا كان راغبا في التدارك واحترام النظام الأساسي للحركة ومرسوم الأحزاب، أن يبادر في أقرب وقت إلى انتخاب رئيس جديد للحركة يتولى قيادتها إلى حين عقد مؤتمر الربيع القادم.
والسؤال الكبير هنا هو: هل يوجد من بين قيادات حركة النهضة من تتوفر لديه الجرأة للمطالبة بتطبيق القانون على “الشيخ الزعيم”؟
مع الإشارة إلى معطى هام وهو أن زعيم الحركة راشد الغنوشي وفي كل الأحوال، لن يكون بإمكانه خلال مؤتمرها القادم الترشح مجددا لرئاستها. ذلك أن النظام الأساسي للحركة يؤكد في فصله الحادي والثلاثين على أنه: “لا يحق لأي عضو أن يتولى رئاسة الحزب لأكثر من دورتين متتاليتين.”
وتجدر الاشارة الى ان كتلة حركة النهضة كانت قد نجحت في حمل زعيمها إلى رئاسة البرلمان، وهو أوّل منصب سياسي يتولاه الغنوشي وعلى إثر توليه لهذا المنصب اصبحت رئاسته للحركة محل جدل سياسي حتى داخل حركة النهضة في حد ذاتها..
إذ قال القيادي بحركة النهضة محمد بن سالم ان مهمة رئيس الحركة تتطلب التفرغ الكامل. واكد ان الفصل 31 من النظام الأساسي للحركة ينص على أنه لا يحق لأي عضو ان يتولى رئاسة الحزب لأكثر من دورتين متتاليتين وان يتفرغ رئيس الحزب فور انتخابه بمهامه.
ويبدو أن المهللين لراشد الغنوشي قد بدؤا مساعيهم من اجل تغيير القانون الداخلي للحزب من اجل السماح له بإعادة الترشح لولاية ثالثة على رأس النهضة.
نقاشات ساخنة وتململ داخل الحركة افرز استقالة الامين العام لحركة النهضة زياد العذاري الذي قال إن استقالته من الامانة العامة ومن المكتب التنفيذي جاءت بسبب عدم ارتياحه للمسار الذي اتخذته الحركة منذ مدة وخاصة عدد من القرارات الكبرى للحزب والتي اعتبرها غير صائبة. وقال العذارى انه لم ينجح في إقناع مؤسسات الحزب في قضايا مصيرية لتفادي خيارات اعتبرها غير جيدة للبلاد مضيفا أنه غير مقتنع بعدد من القرارات والخيارات التي اتخذتها النهضة وآخرها كان ملف تشكيل الحكومة القادمة التي يعتقد أنها لا ترتقي إلى انتظارات التونسيين.
وحول الموضوع نفسه قال القيادي بحركة النهضة، عبد اللطيف المكّي ان الخلافات داخل حركة النهضة تتنزل في اطار الاختلاف في الرؤى ومن أجل إعلاء المصلحة العليا للبلاد، مشددا على أن الخلافات صلب الحركة ترتبط أساسا بالتقديرات حول مصلحة البلاد وأفاد بأن الحركة لن تفرّط في أي عنصر من عناصرها سواء كان قاعديا أو في القيادة ملاحظا أن حزبهم يقوم على العمل بالرأي الجماعي.
اما بخصوص تقلد الغنوشي لمنصب رئاسة البرلمان وعدم التزامه بالقانون الداخلي الذي يلزمه بالتفرغ لرئاسة حركة النهضة فقط،قال عبد اللطيف المكي ان راشد الغنوشي لم يعد قادرا على رئاسة الحركة باعتباره اصبح رئيسا البرلمان.واشار المكي الى وجود وجهة نظر قانونية تؤكد أن النظام الداخلي للحركة يفرض على رئيسها التفرّغ لمهمته الحزبية.
هذه التصريحات وكذلك استقالة قيادات من الصف الأوّل في النهضة، تعبّر عن رغبة قوية داخل الحركة لاستبعاد الغنوشي من دفة القيادة.
فهل تتقيد النهضة بقانونها الأساسي وتتخلى عن الغنوشي كزعيم لها ام ان المهللين سينجحون في تعديل القانون ليترأس الحزب والبرلمان معا؟
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي.