ليس من الغريب أن يتم الحديث عن استشراء الفساد في دولة كسوريا، محكومة بنظامٍ قمعي؛ أسس لشبكة واسعة من الفساد طيلة أربعين عاماً، ذلك الفساد الذي استشرى مع تصاعد العمليات العسكرية، والحرب الطاحنة، التي تشهدها البلاد منذ ما يزيد عن ثماني سنوات.
لكن الغريب هنا، هو آخر أشكال الفساد التي انتشرت في البلاد، والتي لم توفر حتى مرضى السرطان، حيث كشفت تقارير صحافية عن عملية فساد كبيرة أدت إلى وفاة العديد من المرضى ممن يتلقون العلاج في المستشفيات السورية وتحديداً في مدينة حمص، بعد أن تلاعبت مؤسسات مسؤولة بإنتاج أدوية السرطان، لتسحب المادة الفعالة، وتحولها إلى مجرد مادة وهمية يتناولها المريض، دون أن يكون لها أي تأثير إيجابي على صحته.
أما اللافت أكثر في عملية الفساد المذكورة، فهو ارتفاع أسعار تلك الأدوية إلى ثلاثة أضعاف سعرها الطبيعي، على الرغم من خلوها من أي مادة فعالة، حيث ارتفع سعرها وفقاً لصحف سورية تابعة للنظام، من 100 ألف ليرة سورية إلى 300 ألف ليرة، الامر الذي يجعل عملية الاحتيال تلك، واحدة من أبشع وأغرب عمليات الفساد في العالم، لا سيما وإنها تبني ثروات الفاسدين على حساب حياة أناس يبحثون عن جرعة أمل، قبل أن يفقدوا حياتهم.
أما عن المتهمين في عملية الاحتيال، وبيع الوهم، فهم كما كل مرة وكرة، بعض الشخصيات النافذة ورجال الأعمال المقربين من رأس النظام السوري “بشار الأسد”، ليظهر في عملية الفساد المذكورة، اسم رجل الاعمال “حسام القاطرجي”، الذي أدرجته الولايات المتحدة على قائمة عقوباتها المفروضة على مجموعة من النافذين السوريين، بسبب صلاتهم بالنظام السوري، ما دفع العديد من المعلقين السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي، لاعتبار أن قضية مرضى السرطان، مؤشراً على منظومة الفساد التي تحكم البلاد، وإدراجها ضمن أساليب القتل المتبعة بحق الشعب السوري منذ عقود، وسرقة أمواله.
فساد “القاطرجي”، لم يقتصر وفقاً لمعلقين سوريين بالقطاع الطبي وقضية الأدوية المزورة، وإنما شمل أيضاً قطاع النفط السوري، متهمين شركة “القاطرجي” بتوزيع المحروقات بعد خلطها بالماء، لجني المزيد من الأرباح، وملئ جيوبهم وجيوب داعميهم من أموال الشعب، دون الانتباه إلى حالة الفقر والعوز، التي تجتاح المجتمع السوري.
الناشط السوري “محمد المصطفى”، من جهته أكد لمرصد “مينا”، أن فساد “القاطرجي”، في قطاع النفط، امتد إلى عقد صفقات مع تنظيم داعش الإرهابي، الذي كان يسيطر خلال السنوات الماضية، على أهم آبار النفط في الجزيرة السورية، ما جعله أيضاً عرضة للعقوبات الأمريكية.
كما أشار “المصطفى” إلى الدور الذي لعبه “حسام قاطرجي” بتمويل ميليشيات مسلحة، تقاتل إلى جانب قوات النظام السوري، ما جعله جزءاً من منظومة النظام ككل، ومتورطاً بعمليات القتل والفساد التي تعيشها سوريا في ظل حكم آل الأسد.
إلى جانب ذلك، اعتبر الناشط أن لا شيء مستبعد في دولة قائمة في الأساس على مبدأ لرشاوى والمحسوبيات ولمصالح المالية بين رجال الأعمال ورجال السلطة، مشيراً إلى أن هذا ما برز إلى السطح وكشفته وسائل الإعلام، لكن ما خفي أعظم، خاتماً: “بعد أن عفشوا بيوت السوريين، ها هم اليوم يعفشون صحتهم وحياتهم”.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي.