وبعد أن صوَت مجلس النواب العراقي على قرار نيابي من 5 إجراءات يلزم الحكومة الاتحادية بإلغاء طلب المساعدة من التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش، الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، كما ينص القرار الذي تم التصويت عليه أول أمس الأحد؛ على مُطالبة الحكومة العراقية بالعمل على إنهاء تواجد أي قوات أجنبية على الأراضي العراقية، ومنعها من استخدام الأراضي والمياه والأجواء العراقية لأي سبب كان.
ذكرت مصادر عسكرية أمريكية في قيادة القوات الأمريكية في بغداد؛ أن القوات الأمريكية نفذت عملية محدودة بإعادة انتشارها في مواقع قرب العاصمة العراقية، استعدادا لمرحلة جديدة من المواجهة مع القوى الموالية لإيران بالعراق.
انسحاب وإعادة انتشار
وتأتي عملية إعادة الانتشار هذه بعد يوم من عملية انسحاب من بعض المواقع، ضمن إجراءات إعادة ترتيب القوات الأمريكية في العراق، والتي بدأت أمريكا بتنفيذها إثر اغتيالها لقاسم سليماني إيراني الجنسية، وأبو مهدي المهندس العراقي الجنسية، والذي كان يشغل منصب نائب قائد مليشيا الحشد الشعبي العراقي، وضمن هذا المسار أكدت مصادر أمريكية عسكرية في القيادة الأمريكية في العراق، أن “القوات الأميركية أخلت مواقع غير حصينة شمال العاصمة العراقية، ونقلت جنوداً ومعدات إلى قواعد عسكرية شمال بغداد وغربها”، مؤكدة أن العملية بدأت فجر السبت –أي بعد يوم واحد من مقتل سليماني-، واكتملت فجر اليوم اليوم الثلاثاء.
أضافت المصادر التي لم يتم ذكر اسمها، وإنما اكتفت بالتصريح للصحافة الأمريكية؛ أن “هذه العملية تندرج تحت بند تقييم ساحة العمليات، في ظل تزايد التهديدات الإيرانية للمصالح الأمريكية في العراق، بعد مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس”.
وعلى الرغم من أن واشنطن نفت على أرفع المستويات وجود أي خطط للانسحاب، إلا أن الحقيقة أن قواتها غادرت بضعة مواقع قرب بغداد فعلا، سبق لها أن تعرضت لهجمات صاروخية مميتة، حيث أخلت القوات الأمريكية قاعدة بلد في محافظة صلاح الدين شمال بغداد كليا من جنودها ومعداتها، تاركة طائرات “F16” الأربع التي يملكها العراق هناك بلا خبراء تشغيل أو صيانة، وفق ما قاله نواب عراقيون.
فقد صرح النائب في البرلمان العراقي “فائق الشيخ علي” عن هذا الأمر، وقال؛ إن القوات الأمريكية بدأت فعلا عملية انسحاب من المناطق الشيعية في البلاد، على أن تعيد انتشارها في مناطق سنية وكردية.
وفي الوقت الذي بدأت فيه قوى شيعية عراقية تطالب بانسحاب القوات الأمريكية من مناطقها في العراق، نشأ تيار آخر معاد لهذه النظرية والمطالب، تحسباً لأي انتقام قادم، سواء من المكونات العراقية التي تم ظلمها على أيد الشيعة وبدعم أمريكي، أو من الأمريكيين أنفسهم، بحجة استيلاء إيران على الساحة السياسية والعسكرية في العراق.
حيث أوضح تسجيل مسرّب لجلسة البرلمان العراقي التي انعقدت يوم الأحد الماضي، وتم فيها التصويت على إخراج القوات الأميركية، تخوف تيار من الشيعة من الانسحاب الأمريكي من المناطق الشيعية في العراق، ويظهر في التسجيل جلياً صوت رئيس البرلمان “محمد الحلبوسي” وهو يحذر جميع الأعضاء الشيعة في مجلس النواب، من ارتكاب خطأ كبير بهذا القرار، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة يمكنها أن تتسبب بأضرار كبيرة للعراق في حال قرر معاداتها.
وفي خضم الحديث عن الانسحاب الأمريكي من مناطق معينة في العراق، وإعادة انتشاره في مناطق السنة والأكراد، أفادت وكالة الصحافة الفرنسية اليوم الثلاثاء، خبر سحب ألمانيا جزءاً من قواتها الموجودة في العراق، دون أن يتم تقديم أي تفاصيل عن الأمر.
السيادة العراقية على المحك
في أول تعليق للسلطات العراقية حول الغارات الأمريكية على مواقع لحزب الله العراقي، ومن ثم قتل “قاسم سليماني” و”أبو مهدي المهندس” فوق الأراضي العراقية، اعتبرت السلطات العراقية، أن القوات الأمريكية تجاوزت حدود تجاوزها على الأراضي العراقية، منتهكةً سيادة العراق.
فالسيادة العراقية كانت المفتاح في كل التغيرات التي يشهدها البلد الغني نفطياً، لكن السيادة العراقية كانت عاجزة عن احتواء مليشيا الحشد العراقي، التي طالبت مراراً وعلناً بحل الجيش العراقي، الذي يمثل القوة الوطنية العسكرية الجامعة للعراق، الذي يتألف من فسيفساء اجتماعية غنية، وطلب الحشد بحل الجيش ينطوي على خطورة إضفاء الصفة الشيعية الموالية لإيران بشكل رسمي، على أهم وأقوى مؤسسات الدولة العراقية.
وتسبب انتهاك السيادة العراقية من قبل المليشيات المدعومة من إيران، والتي كان يشرف “سليماني” شخصياً عبر قادات تلك المليشيات على نشاطها، ومخططاتها، في إدخال البلاد في دوامة من المواجهة الباردة مع القوات الأمريكية، تجلت في أوضح صورها في الهجوم على السفارة الأمريكية الذي سبق اغتيال المهندس وسليماني، والذي تبرأ منه –أي الهجوم- المعتصمون العراقيون في ساحة التحرير.
من وجهة النظر الأمريكية، فقد تمادى الحشد في تصرفاته وفي تجاوزه للخطوط الحمراء، حيث سمحت الولايات المتحدة الأمريكية للحشد بتفريغ غضبه، وضرب أهداف أمريكية لا تقع في مركز دائرة القوة الأمريكية، ولم تتسبب في أي ضرر للقوات الأمريكية.
ويلغ عدد هجمات الحشد الشعبي، والذي اعتبر مؤخراً تابع أحد موكونات الجيش العراقي خلال شهرين 11 هجمة، قتل في آخرها متعاقد أمريكي وأصيب أربعة جنود آخرين، وهذا ما اعتبرته أمريكا تجاوزاً لحدود المسموح به للمليشيا الإيرانية، وهو ما دفعها للقصم مليشيا حزب الله، أحد الفصائل في الحشد الشعبي، حيث أسفر الهجوم على 5 قواعد للمليشيا العراقية، 25 قتيل، بينهم قائد عسكري، وهو ما أجج الموقف برمته.
ويرى الباحث السياسي “بلال وهاب” وهو زميل سوريف في معهد واشنطن أن ؛ قتل متعاقد أمريكي جعل من المستحيل على واشنطن احترام السيادة الوطنية العراقية في هذه الحالة، ورغم أن وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبير لم يطلب إذن بغداد قبل أن يأمر بالضربات الجوية، إلا أنه أعطى رئيس الوزراء عادل عبد المهدي تحذيراً مسبقاً عن الغارة. بالإضافة إلى ذلك، وصف بيان صادر عن البنتاغون العملية بأنها دفاعية، وأشار “ممثل الولايات المتحدة الخاص” لشؤون إيران براين هوك بأنه تم إعطاء الأمر بشن الضربات بعد قيام الميليشيات الموالية لإيران بمهاجمة المواقع الأمريكية في العراق 11 مرة في الشهرين الماضيين وحدهما. وسابقاً، ضغط وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ومسؤولون آخرون على بغداد مراراً وتكراراً للوفاء بالتزاماتها بحماية المستشارين العسكريين الأمريكيين المكلفين بتدريب قوات الأمن العراقية. وعندما أسفرت الهجمات التي نفذها وكلاء”إيران” أخيراً عن سقوط ضحية أمريكية في الأسبوع الماضي، أخذت واشنطن زمام الأمور بيدها.
وأكثر ما يخشى الآن هو انهيار الدولة العراقية عملياً، في ظل سيطرة مليشيا الحشد الشعبي والمليشيات الإيرانية على مفاصل الدولة العراقية، السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية، وحتى التجارية، ما يعني أن السيادة العراقية باتت تحت سلطة الإيرانيين من وجهة نظر أمريكا، التي لم يعد يعجبها الوضع، ويتحسب الجميع لأي احتمال يُقاد للعراق.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي.