يعتبر الإدمان من الأمراض النفسية القديمة المتجددة، حيث يلجأ المدمن لممارسة فعله بشكل متكرر دون أي قدرة على الامتناع مهما تسبب له ذلك التصرف من ضرر.
ومن أهم خصائص الإدمان انه بمجرد البدء بالتعاطي فإن المريض لا يستطيع ان يقوم بايقافه لوحده، فهو بلاء يصيب الدماغ ويحتاج للعلاج.
وتتنوع العوامل التي تسبب الإدمان من عوامل وراثية، حيوية، إجتماعية ولكن لا يوجد أي سبب كافي لشرح سبب الأدمان .
وتختلف أشكال الإدمان وأنواعه، رغم أن الناس يتبادر لذهنهم ادمان المخدرات فور سماع كلمة إدمان.. ولكن توجد أنواع أخرى توازي المخدرات ضررًا ولا يلقي لها الناس بالًا حيث يظنها البعض تسلية أو تصرفًا عاديًا ليس ذي أثر إدماني.
ومن أمثلة ما يتجاهله الناس، إدمان وسائل الترفيه والتواصل في الحياة المعاصرة كالتلفاز والانترنت والأفلام بشقيها الترفيهي والإباحي، والتي تحولت لأزمات فعليّة تدعم عالم اليوم.
ويتربع على عرش وسائل الإدمان وأنواعه، جهاز توفر في كل يد وبات رفيقًا لنا في كل لحظة.. يطّلع على خصوصياتنا وتفاصيل حياتنا وكل أسرارنا برغبة منّا وموافقة.. إنه جهاز الجوال “الهاتف المحمول” الذي بات ركنًا أساسيًا في الحياة المعاصرة.
ورغم أن استخدام الهاتف لا يعتبر تعاطيًا أو تناولًا بل سلوك وفعل نقوم به بهدف التواصل والاتصال، لكن تغير السلوك البشري مؤخرًا جعل من استخدام الهاتف لدى الكثيرين فعليًا ادمانيًّا له ضرره وانعكاسه على الشخص والوسط المحيط، فالاستخدام السيء للتقنية قاد لتحويلها إلى مرض إدماني وسلوك قهري لدى الكثيرين – بوعي أو بدون وعي – متسببًا بأضرار للجسم توازي أضرار المخدرات وغيرها من وسائل الإدمان المعروفة.. على الأقل هذا ما تفتأ تؤكده الدراسات العلمية.
توصلت دراسة حديثة إلى أن إدمان الهواتف الذكية يغير شكل الدماغ البشري وحجمه بطريقة مماثلة لمدمني المخدرات.
فقد عاين باحثون من جامعة “هايدلبرغ” الألمانية، أدمغة 48 شخصًا باستخدام تقنية الرنين المغناطيسي، للتعرف على تأثير استخدام الهاتف الذكي على البشر، ووجد الباحثون تقلصا في حجم المادة الرمادية في مناطق الدماغ الرئيسية لدى المجموعة المدمنة على استخدام الهواتف.
وكشفت الصور التي التقطت بواسطة ماسح التصوير بالرنين المغناطيسي أن أدمغة الأشخاص الذين يعانون من إدمان الهاتف الذكي (SPA)، لديهم حجم أقل من المادة الرمادية في بعض الأجزاء الرئيسية من الدماغ.
وأظهرت الصور انخفاضا في نشاط أدمغة مدمني الهواتف الذكية مقارنة بغير المدمنين، كما وقع تسجيل أنماط واتجاهات مماثلة للمادة الرمادية المتضائلة في مدمني المخدرات.
وأجريت الدراسة، على مجموعتين من الأشخاص، 22 شخصا مدمنا على استخدام الهواتف الذكية، و 26 من غير المدمنين على استخدامها. وفي تفاصيل النتائج، وجد الباحثون تقلصا في حجم المادة الرمادية في مناطق الدماغ الرئيسية لدى المجموعة المدمنة على استخدام الهواتف الذكية، وانخفاضًا بمستوى نشاط الدماغ، مقارنة بغير المدمنين من مجموعة الاختبار.
وقال الباحثون في الدراسة التي نشرت في مجلة Addictive Behaviors:”مقارنة بالضوابط، أظهر الأفراد المصابون بإدمان الهاتف الذكي حجما أقل من المادة الرمادية في الفص الجزيري الأيسر، والخط الصدغي السفلي، والقشرة المجاورة للحصين”.
وتناقصت المادة الرمادية في واحدة من هذه المناطق، وهي الفص الجزيري، والتي كانت مرتبطة سابقا بإدمان المخدرات.
وأضاف الفريق البحثي أن هذا هو أول دليل مادي على وجود صلة بين استخدام الهاتف الذكي والتعديلات الجسدية على الدماغ.
وتعتبر هذه الدراسة الأولى من نوعها التي تقدم دليلا ملموسا على وجود علاقة بين استخدام الهاتف الذكي وحدوث تغييرات بالدماغ.
وكتب مؤلفو الدراسة من جامعة هايدلبرغ: “نظرا لاستخدامها على نطاق واسع، وشعبيتها المتزايدة، تتساءل الدراسة الحالية عن ضرر الهواتف الذكية، على الأقل لدى الأفراد الذين هم أكثر عرضة لخطر تطوير سلوكيات مدمنة متعلقة بالهواتف الذكية”.
جدير بالذكر أن إدمان الهواتف الذكية بات مصدر قلق متزايد بين العلماء والمهنيين الطبيين، خصوصًا على الأطفال الذين أصبحوا يقضون وقتًا أطول وأكثر في تصفح الهواتف.
ووجد تقرير نشر مؤخرا، أن معظم الأطفال (53%)، يمتلكون هاتفا محمولا بعمر سبع سنوات، وأشار التقرير الذي استند إلى دراسة استقصائية شملت 2167 من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و16 عاما في المملكة المتحدة، إلى أنه بحلول سن 11 عاما، أصبح لدى تسعة من كل 10 أطفال أجهزة هاتف خاصة بهم.
ووجد التقرير أيضا أن 57% من الأطفال ينامون مع هواتفهم في أسرّتهم، وأن ما يقرب من طفلين من بين كل خمسة (39%) لا يستطيعان العيش من دون الهاتف.
وقال الباحثون في دراسة نشرتها “الديلي ميل” إن النتائج تظهر مدى قدرة الهواتف في “السيطرة على حياة الأطفال”، وحذر الباحثون في الدراسة الجديدة، من أن استخدام الهاتف في المجتمع أمر يدعو للقلق لأن آثاره الفيسيولوجية والصحية ما تزال غير مفهومة بشكل جيد.
وأشارت دراسة حديثة الى أن أكثر من 23% من الشباب لديهم علاقة مختلة مع هواتفهم الذكية، ويبدو أن هذا يرتبط بضعف الصحة العقلية، وذلك على الرغم من أن البحث لا يستطيع القول ما إذا كان استخدام الهاتف يؤدي إلى مثل هذه المشاكل.
وقال الدكتور Nicola Kalk، مؤلف مشارك في الدراسة: يبدو أن أقلية كبيرة من المراهقين والشباب من مختلف البلدان يقومون بالإبلاغ الذاتي عن نمط من السلوك الذي ندركه في الإدمانات الأخرى.
إلى ذلك، استعرض باحثون 41 دراسة نشرت منذ عام 2011 شملت ما يقرب من 42 ألف مشارك في جميع أنحاء أوروبا وآسيا وأمريكا، معظمهم في سن المراهقة أو أوائل العشرينات.
واستخدمت هذه الدراسات استبيانات لمعرفة مدى انتشار استخدام الهواتف الذكية المنطوي على مشاكل، وهي سلوكيات مثل القلق عند عدم توفر الجهاز أو إهمال الأنشطة الأخرى لقضاء بعض الوقت على الهاتف الذكي.
وكان الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في استخدام الهواتف الذكية أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب والقلق والشعور بالإجهاد وقلة النوم، فضلاً عن ضعف مستوى التحصيل العلمي، حيث زادت احتمالات الإصابة بثلاثة أضعاف.
وكشفت الدراسة أن إدمان الهاتف الذكي له تأثير ضار على الصحة العقلية، وقال مؤلفو الدراسة: إن هناك حاجة إلى توعية الجمهور حول انتشار الاستخدام الإشكالي للهاتف الذكي والصحة العقلية.