استمرت الاحتجاجات في العراق، واستمر معها صراع النفوذ والسيطرة بين الأحزاب السياسية التي يغذي تنافرها وخصومتها، النظام السياسي الإيراني الذي يريد استمرار ابتلاعه للعراق عبر إضعاف قياداته وإبقاء الفرقة مسيطرة على المشهد السياسي هناك.
تقاطعات أدركها – أو لم يدركها – المرشح لرئاسة الوزراء السابق، محمد توفيق علاوي، والذي فرضت التناقضات بين الشارع العراقي والشارع السياسي ورفض كثير من الكتل التعاون معه أو التنسيق بشأن حكومته المنتظرة، فرضت عليه الاستقالة والانسحاب بهدوء من المشهد العراقي الذي يزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم.
عوار وخلل تتضمنه الحالة العراقية
نتج عن قرار محمد توفيق علاوي القاضي سحب ترشيحه لرئاسة الوزراء في الحكومة العراقية المقبلة، كشفٌ لمكامن الخلل الكبيرة في العملية السياسية العراقية، من زاوية، ومن أخرى تبينت الفرص التي يمكن استغلالها لمعالجة هذا الخلل، هذا ما رآه تقرير لمركز “أتلانتك كاونسل” للدراسات والبحوث الدولية ومقره واشنطن.
رؤية غربية
يقول الباحث البارز في مركز أتلانتك كاونسل، أنتوني فاف، في مقال نشر يوم الجمعة الماضي، إن الاستفادة من الفرص التي خلفها انسحاب العلاوي؛ يتطلب إصلاحات دستورية يوافق عليها الجميع، على الرغم من عدم وجود توافق في الآراء بشأن أفضل طريقة للقيام بذلك.
وعلى الرغم من الغطاء السياسي الذي توفره الاحتجاجات الحالية لمثل تلك الإصلاحات، يرى الباحث أن تحقيقها يتطلب معركة شاقة، على اعتبار أن إيران ستواصل استخدام نفوذها للحفاظ على الوضع الراهن، بالشكل الذي يسهل تحقيق أهدافها المتمثلة بإخراج القوات الأميركية و ضمان بقاء العراق جارًا ضعيفًا وخاضعًا.
علاوي والخيار الأصح
يعتبر الباحث فاف، وهو أيضا أستاذ في معهد الدراسات الاستراتيجية بكلية الحرب العسكرية بالولايات المتحدة، أن علاوي اتخذ الخيار الصحيح عندما اعتذر عن تشكيل الحكومة، فهو حاول التقليل من سطوة الأحزاب في تشكيلته الوزارية، لكنه لم ينجح في الحصول على الدعم الكافي من البرلمان.
لكن تلك الخطوة كانت جيدة بالنسبة لإيران، التي اعتادت أن تستغل الفساد وسوء الأمن والسياسة الطائفية في العراق لتوسيع نفوذها وترسيخه وتثبيته بقوة، وفقًا للتقرير المنشور قبل يومين.
الاحتجاجات عدوة طهران
وفقًا للباحث الذي يعتبر خطورة الاحتجاجات بما قد تفضي إليه، فيقول “في حين أن الاحتجاجات الشعبية تحدت نفوذ إيران، إلا أن ما تخشاه طهران حقا هو حكومة عراقية شفافة وفعالة، لا توفر الخدمات العامة فحسب، بل تعمل على إضعاف جهود طهران للسيطرة على العملية السياسية في العراق”.
رغبات طهران في العراق، المرفوضة من قبل المتظاهرين، يجب أن تكون غير مقبولة بالنسبة للولايات المتحدة أو لبقية المجتمع الدولي، لأن استمرار هذه الديناميكية لن يؤدي إلى تأخر تعافي العراق فحسب، بل يضعه في مسار ليصبح دولة معزولة وفقيرة مثل إيران، حسب التقرير.
فرص وأمل رغم الصعوبات
يرى المقال، أنه على الرغم من التحديات، إلا أن هناك فرص لدعم العراق بالنظر إلى ضغوط الاحتجاجات الشعبية، تتمثل فيما يلي:
*الفرصة الأولى: الحصول على مرشح لرئاسة الوزراء يدعمه الجميع. في الماضي، كان ذلك يعني ترشيح شخص ضعيف غير قادر على تشكيل أي تهديد لنفوذ الأحزاب.
أما اليوم وفي ظل الاحتجاجات، قد يكون المحتجون قادرين على فرض ترشيح شخص ذي كفاءة على الأقل ومرتبط بالحركة الاحتجاجية الناشئة في العراق، مهما كانت صلته بطهران.
*الفرصة الثانية: بدء عملية إصلاح دستورية ذات مصداقية، فطالما أن ترشيحات رئيس الوزراء والحكومة تخضع لمصالح الأحزاب السياسية المختلفة في العراق، فسيظل من الصعب تشكيل حكومات ذات كفاءة وغير خاضعة لنفوذ القوى السياسية.
لكن السار في الموضوع هو أن الإصلاحات الدستورية شيء يمكن للجميع الحصول عليه، فبالرغم من صعوبة تحديد إصلاحات محددة، لكن الاحتجاجات المستمرة قد تجبر البرلمان على أخذ هذه الإصلاحات بجدية أكبر.
*الفرصة الثالثة: أول فرصتين تتعلقا بالعراقيين أما الثالثة فهي للولايات المتحدة التي يجب عليها الابتعاد عن طريق المحتجين. وهذا يعني إيجاد طرق لمواجهة إيران خارج العراق، لأن القيام بذلك في العراق يؤدي ببساطة إلى تفاقم المشاعر الشعبية العراقية ضد أي تأثير خارجي ويصرف الانتباه عن الطابع المناهض لإيران في الاحتجاجات.
نصائح لواشنطن
إن ابتعاد الأمريكيين عن طريق المحتجين في العراق، لا يعني أن الولايات المتحدة يجب ألا تدافع عن نفسها، بل عليها التخلي عن الرد أو إيجاد رد لا يشمل العراق، حسب التقرير.
وكذلك يجب أن تواصل واشنطن جهودها لفضح النفوذ الإيراني الخبيث، وخاصة استخدام الميليشيات لقتل المتظاهرين.
يضيف المقال، أن على واشنطن حجب المساعدات العسكرية والاقتصادية التي تقدمها حاليا إذا ما تم استخدمت قوات الأمن العراقية مرة أخرى العنف ضد الاحتجاجات السلمية.
في المحصلة النهائية يرى كاتب المقال أن الولايات المتحدة لا يمكنها منع تحول العراق إلى دولة معزولة وفقيرة وتابعة لإيران، إذا كان هذا هو الطريق الذي يختاره زعماء العراق.
ومع ذلك، يشير التقرير إلى أن الولايات المتحدة تحتاج من أجل منع هذا التحول إلى تحديد الفرص والاستفادة منها بشكل استباقي عند نشوئها لدعم حركة الاحتجاج الحالية وكذلك تمكين الجهات العراقية الفاعلة القادرة على تهيئة الظروف اللازمة للإصلاح.