عاشت موسكو وأنقرة في الفترة الماضية، أجواء توتر عسكري – وسياسي – في سورية وأحداث إدلب، كاد أن ينهي التقارب المتزايد في السنوات الأخيرة والتي نتج عنه اتفاقي سوتشي وأستانا وتعاون عسكري مثلته أخيرًا صفقة منظومة الدفاع الجوي المتطورة (S-400) والتي سببت لتركيا صداعًا مزمنًا مع الغرب وأمريكا الحلفاء التقليديين للأتراك.
ولم يتوقف التقارب الروسي-التركي على البعد العسكري، بل تجاوزه إلى مرحلة التعاون الإقتصادي وسياسات جيوبولتيك الطاقة التي تهم الجانبين عبر مشروع توريد الغاز إلى أوروبا عبر الأراضي التركية والذي عُرف باسم “السيل التركي” الذي يجعل من الأراضي التركي مركز تجمع للطاقة وتصديرها للأسواق الأوروبية المتعطشة دومًا.. ليمنح روسيا من جهة ثانية قدرة على الخلاص من التطويق الأوكراني الذي سبب لها أرقًا متواصلًا.
أمريكا واستغلال أزمة ادلب
تدخلت تركيا عسكريًا في إدلب بأهداف وغايات مختلفة بعد خروقات الروس والنظام لكل الاتفاقات القديمة وقضمهم السريع والمتواصل لمختلف البلدات والقرى هناك بالشكل الذي تسبب بنزوح ما يقارب المليون شخص نحو الحدود التركية بحيث باتت كوابيس أنقرة السابقة حقائق.. ليدخل الجيش التركي هذه المرة بمواجهات مباشرة في الأراضي السورية بعد أن حوصرت نقاطه ورسمت خطوط تماس جديدة مغايرة لما يصرحه عنه إعلاميًّا.
وتسببت المواجهة العسكرية بتهديد علاقات موسكو أنقرة بعد مقتل جنود أتراك “خصوصًا بالقصف الجوي الذي استهدف قافلة تركية”، حيث قتل 34 جنديًا تركيًا الشهر الفائت في محافظة إدلب في ضربة جوية، واتهمت أنقرة قوات النظام السوري، بالمسؤولية عن الحادثة ما هدد باندلاع مواجهة شاملة، وقفت واشنطن منها موقف المتفرج بداية لا سيما وأن الطلب التركي بدفاع جوي امريكي لم يلق أذنًا صاغية لدى البيت الأبيض.. قبل توصل أنقرة إلى اتفاق وقف إطلاق نار جديد مع موسكو.
ويشك المحللون في أن تكون القوات الجوية السورية قد ضربت القوات التركية، ولكن وصولًا لما قبل التصريحات الأمريكية، تجنبت واشنطن القاء اللوم على روسيا.
مؤخرًا، حمّلت الولايات المتحدة لأول مرة روسيا مسؤولية مقتل عشرات الجنود الأتراك في سورية، وفرضت مزيدا من العقوبات على مسؤولين سوريين، في وقت لا تزال فيه العلاقات بين أنقرة وموسكو تعيش توترًا غير خفي؛ رغم أن التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار خفف بعض نيرانه.
وجاءت الاتهامات الأمريكية، مع إعلان وزير الخارجية الأمريكية عقوبات جديدة على مسؤولين سوريين، أحيث لقى الوزير مايك بومبيو بالمسؤولية على روسيا التي تدعم ايران ونظام الرئيس السوري بشار الاسد في مساعيهم للقضاء على المعارضة في ادلب، اخر معاقل الفصائل المعارضة خارج سيطرة الأسد “إذا ما استثنينا مناطق سيطرة الأكراد”.
وصرح بومبيو للصحافيين “نعتقد أن روسيا قتلت عشرات الجنود الأتراك خلال عملياتها العسكرية” بدون الإشارة إلى حادث بعينه.
وقال “نحن نقف مع تركيا حليفتنا في حلف شمال الأطلسي، وسندرس اتخاذ اجراءات إضافية تدعم تركيا في نهاية النزاع”.
اتفاق روسي-تركي وانزعاج أمريكي
يمكن افتراض انزعاج الأمريكان من تطورات المشهد السوري في الشمال بعد التوافق الأخير بين روسيا وتركيا ووقف إطلاق النار.. نظرًا لحساسية التوقيت الذي أطلق فيه “بومبيو” اتهاماته ضد الروس – والتي لم يوضح فيها أين أو متى سقط أولئك الجنود الأتراك قتلى- بالإضافة لعقوبات بلاده على كبار مسؤولي الأسد حلفاء موسكو.
وأبرمت روسيا اتفاقا مع تركيا لإنهاء القتال في ادلب حيث أعلن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، بداية الشهر الجاري أن مسؤولين أتراكًا وروسًا توصلوا بدرجة كبيرة لإتفاق بشأن تفاصيل وقف لإطلاق النار في منطقة إدلب.
حيث اتفقت روسيا وتركيا، على وقف لإطلاق النار خلال زيارة قام بها الرئيس طيب أردوغان إلى روسيا للقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين بهدف منع تصعيد العنف في إدلب الذي نتج عنه نزوح نحو مليون شخص وقاد الدولتين إلى حافة مواجهة مباشرة.
وبموجب الاتفاق، تقوم قوات تركية وروسية بدوريات مشتركة على طول الطريق السريع (إم 4) الرابط بين شرق سوريا وغربها، وإقامة ممر أمني على جانبيه.