يثبت وباء الكورونا المتفشي عالميًا، أنه جاء كاشفًا لكثير من خبايا العلاقات بين الدول ومظهرًا لوعي الجماهير وتحركاتها في لحظة الأزمات.. بين دول رفضت مساعدة غيرها واستأثرت بمواردها وفق عقلية الشح والخوف، ودول أخرى قدمت ما تستطيع لمواجهة كارثة لم تستثن أحدًا من البشر.
التخصيص في قضية وباء فيروس “كوفيد -19” حملته الحالة السورية الإيرانية.. مع تحول طهران لبؤرة وباء الفيروس في المنطقة حيث فاع منها وانطلق لكل دول الجوار ليضيف إلى سجل طهران الأسود بحق الجيران، نقطة جديدة.
كابّر نظام الأسد – كحال أسياده الملالي في طهران – بداية انتشار الفيروس.. لتؤكد سلطاته الصحية خلو البلاد من أي حالة مرضية، بشكل أثار الدهشة والاستغراب مع اختراق ميليشيات إيران لكل حدود سورية والعراق ليلًا نهارًا.. ليظهر من مكابرة الأسد وإنكار سلطاته دوافع سياسية غير عابئة بصحة الشعب أو مصيره.
ويبدو أن الدوافع السياسية والتخوفات المرافقة للتبعات هي ما دفع ذات السلطات الأسدية، لزيادة إجراء احتواء المرض.. الذي كان حتى الأمس القريب بعيدًا عن البلاد، مهَددًا بجيش نظامها الذي استطاع تطهيرها من الجراثيم والأعداء وفق تصريح وزير الصحة في حكومة الأسد!.
رفع النظام السوري حاجز التأهب وأعلن الطوارئ الطبية وقطع أوصال المحافظات والمدن السورية الواقعة تحت سيطرته.. حاظرًا التجول ومانعًا لأنشطة الشعب دون أي خطة إمداد أو تعويض تقي الشعب القابع في أدنى درجات الفقر، تقيه وتحميه مغبة الجوع وتحصيل لقمة العيش.
وتقول السلطات إن عديد حالات الإصابة 16 حالة إصابة، وحالتي وفاة. إلا أن مسؤولين في الأمم المتحدة يتخوفون من أن البلاد غير مجهزة لمواجهة تفشي الوباء وأن الحالات المؤكدة لديها قد تكون “قمة جبل الجليد” فحسب.
ورغم أن السلطات لم تعلن عن أول حالة مؤكدة لديها رسميًا سوى الأسبوع الماضي بعد أسابيع من نفي مزاعم بالتستر من مصادر طبية وشهود قالوا إن عدد الحالات أكبر بكثير. إلا أن الحكومة مددت حظر التجول وفرضت قيودًا مشددة على التنقلات بين المحافظات واتخذت خطوات غير مسبوقة بوقف التجنيد وبتعليق استدعاء قوات الاحتياط في محاولة للحد من انتشار الفايروس في صفوف الجيش. كما تم إغلاق أغلب الأعمال.
النقطة المفصلية والمثيرة للتساؤل والاستغراب، مثلها قرار إغلاق أهم مزار شيعي في البلاد في خطوة قد تثير حفيظة حليفتها إيران، وخاصة التيار المتشدد… بسبب خوف السلطات السورية من قدوم الزوار الإيرانيين الحاملين للعدوى إلى البلاد، ففتح هذا القرار الباب على مصراعيه للتساؤل حول طبيعة علاقة البلدين – في العمق – وإمكانية تحول هذه الأزمة حاجزًا أمام التقاء البلدين على طاولات شراكة سياسية واقتصادية وعسكرية جديدة، حيث رأى البعض أن علاقتهما لا تعدو كونها إلا تحالفًا للضرورة أكثر من أي شيء آخر.
فقد أغلقت السلطات مقام السيدة زينب، الواقع في محيط العاصمة دمشق، والذي يجذب عشرات الآلاف من الزوار الإيرانيين بعد أن حذر أطباء ومسؤولون في الأمم المتحدة من أن تجمعهم يضع البلاد في خطر انتشار للمرض على أوسع نطاق.
بدورهم.. يرجح مراقبون عدم تمكن السلطات السورية من تطبيق هذا القرار خاصة وأن إجراء مماثلًا اتخذته طهران في عدة مقامات مثل مشهد وقم لم ينجح في إقناع الشيعة بالابتعاد عن تلك المزارات، وظلوا يمارسون طقوسهم الدينية دون اكتراث للعدوى. ما سبب تفجر الوباء هناك وفقًا لأغلب المراقبين.
هذا وجاءت خطوة الحكومة السورية في وقت تجاهد فيه البلاد التي دمرها الأسد بحربه ضد شعبه، للحد من ظهور تفش كبير لديها في ظل نظام صحي هش وحدود برية غير محكمة مع العراق وتبادل رحلات جوية مع طهران التي كانت تقل حتى الآونة الأخيرة آلاف الزوار.
أما وزير داخلية الأسد، محمد الرحمون، فقد صرّح لوسائل إعلام رسمية أن قرارًا اتخذ بإغلاق المنطقة المزدحمة لتجنب أي تفش محتمل. وأضاف ” تقرر عزل منطقة السيدة زينب لكونها تجمعا سكانيًا كبيرًا”.
ورغم ما زعمه النظام السوري أنه علّق الرحلات الجوية وأغلق أغلب المعابر الحدودية مع الجيران، إلا شهودًا قالوا لوكالة رويترز، إن زوارا شيعة استمروا في الوصول إلى سوريا برًا في الأيام الماضية قاصدين المزار في دمشق.. ليؤكدوا هشاشة سيطرة الأسد من جهة واستهتاره بحياة الشعب السوري من جهة ثانية.