تستمر العلاقة بين بغداد وواشنطن بالتعقيد نظرًا لموقف الحكومة العراقية المتناقض من صراع إيران وأمريكا في العراق حيث تقع الحكومة والمسؤولين تحت ضغط الميليشيات العراقية الخاضعة لإيران بالإضافة لضغط نفوذ طهران الكبير في العراق ومن جهة أخرى تخشى مغبة الغضب الأمريكي على الواقع العراقي إذا قامت بأي خطوة غير مدروسة.
أمس، رحبت بغداد بمقترح أمريكي لفتح حوار استراتيجي ومفاوضات حول مستقبل العلاقات بين البلدين، بعد توتر دام شهورًا طويلة، وفق ما أعلنته الحكومة العراقية.
المكتب الإعلامي لرئاسة الوزراء وفي بيان صدر الأحد، قال إن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، رحب خلال لقاء مع السفير الأمريكي في بغداد ماثيو تولر، “بفتح حوار استراتيجي بين الحكومتين العراقية والأمريكية، بما يحقق مصالحهما المتبادلة وفي ظل القرارات والمستجدات في العراق والمنطقة”.
ونقل البيان عن السفير الأمريكي، تأكيده لرئيس الوزراء العراقي “مقترح واشنطن لتحديد الوفد المفاوض وموعد بدء المباحثات، وهو ما سبق للعراق أن اقترحه في رسائل ولقاءات متعددة”.
في سياق مشابه، ذكر وزير الخارجية العراقي، محمد علي الحكيم، في تغريدة على موقع (تويتر) أن “الخارجية العراقية تسلمت رسالة من الخارجية الأمريكية تقترح إجراء مفاوضات مبنية على المفاهيم المطروحة في الإطار الاستراتيجي وإجراء مراجعة شاملة حول مستقبل العلاقات في المجالات الاقتصادية والثقافية والتبادل التجاري والأمني ثنائيا وإقليميا”.
ليعبر “الحكيم” بإسم وزارته عن قبولهم بتلك المبادرة ويؤكد: “نرحب بهذه المبادرة وسوف نحدد موعدا مناسبا”.
هذا وتشهد العلاقات العراقية الأمريكية في الفترة الأخيرة توترًا متزايدًا، لا سيما بعد مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي ابومهدي المهندس، في الثالث من يناير الماضي في قصف جوي أمريكي قرب مطار بغداد الدولي.
كما وتصاعد التوتر على خلفية عمليات قصف متبادلة شملت السفارة الأمريكية في بغداد وقواعد تتواجد فيها قوات أمريكية، ومواقع للحشد الشعبي العراقي، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى من الجانبين.
حيث أصدر البرلمان العراقي في الخامس من يناير / كانون الثاني قرارًا يطالب الحكومة بإنهاء وجود القوات الأجنبية في البلاد، على خلفية مقتل سليماني والمهندس.
هذا وتستمر الضغوطات التي تمارسها الجماعات الموالية لإيران على الحكومة بشكل علني وخفي متخذة مختلف الأشكال والمواقف بهدف جرّ الطرفين (الأمريكي والعراقي) لمواجهة تحقق مخططات طهران
حيث قامت عناصر تتبع تلك الميليشيات بعمليات قصف صاروخي على مقرات شركة أمريكية نفطية في البصرة جنوب البلاد، تحمل في بعدها رسائل متعددة، رسالة خاصة للأمريكيين – رغم خلو الشركة من العناصر الأجنبية – بعد عمليات قصف واستهداف سابقة، توخي باستمرار الرفض وعدم الاستقرار في البلاد وضرورة مغادرتهم للعراق.
أما الرسالة الموجهة للداخل فتحمل في طياتها محاولة إظهار عجز الحكومة العراقية عن حماية المنشآت حيث تفشل في ضمان أي اتفاق تعقده.. كما تحاول إجبارها على عدم تجاوز خطط الميليشيات.
وقُذفت، اليوم الإثنين، عدة صواريخ على شركات نفطية أجنبية في مدينة البصرة، منطقة البرجسية ومدينة الطاقة (جنوب العراق)، وفقًا لما ذكرته وسائل إعلام مختلفة.
وتعددت مواقف الرفض من الهجوم الأخير منطلقة من إدراك حيثياته والتخوف من تبعاته.. فقد أدان دان تحالف الفتح برئاسة هادي العامري، استهداف شركة “هالبرتون” النفطية الأمريكية في محافظة البصرة، مشيرا إلى أن الهجوم يتسبب بأضرار فادحة بالاقتصادي العراقي، فيما اعتبر الحزب الإسلامي العراقي الهجوم بأنه “تصعيدُ خطير”.
وقال تحالف الفتح في بيان رسمي، إنه “تابعنا بقلق بالغ وامتعاض شديد الأخبار التي تحدثت عن قيام مجموعة تخريبية باستهداف منشآتنا النفطية باستهدافها احدى الشركات العاملة في منطقة البرجسية بالبصرة”.
وأضاف “في الوقت الذي ندين فيه هذه الاعمال الإجرامية والتخريبية التي تسبب باضرار فادحة بالاقتصادي العراقي وتدميرا ممنهجا لخطط التنمية وتطوير الصناعة النفطية فاننا ندعو الاجهزة الامنية والجهات المختصة الى اتخاذ كافة التدابير والإجراءات اللازمة لحماية الشركات العاملة وتوفير بيئة آمنة لتطوير هذا القطاع المهم والمساس ومتابعة هذه المحاميع التخريبية التي تهدف الى الأضرار بالعراق وإنزال أقصى العقوبات بهم”.
ووصف بيان صادر عن وزارة النفط العراقية، عمليات القصف بأنها “فعل إجرامي واستهدافٌ واضحٌ لأرواح العاملين في القطاع النفطي، ويعكس في الوقت عينه المحاولات اليائسة لتعطيل العمليات النفطية التي تمثل عصب الاقتصاد الوطني”.
حيث أكد البيان أن وزارة النفط “تدين وتستنكر هذه الأفعال الإجرامية التي لا ترى فيها أي مبرر خصوصاً في هذا الظرف العصيب الذي تواجههُ البشرية جمعاء، والمتمثل بتفشي وباء فيروس كورونا وآثارهِ الوخيمة على الاقتصاد العالمي المتمثلة بتدني أسعار النفط وما تمثلهُ من تهديد للاقتصاد الوطني ولحياة العراقيين”.
ودعا البيان “الأجهزة الأمنية كافة إلى حث الخُطى من أجل الكشف عن الجناة وتقديمهم إلى القضاء كي ينالوا جزاءهم العادل، وأن هذه الاعتداءات الإجرامية لن تقف حائلاً أمام ديمومة الصادرات النفطية، بالإضافة إلى تنفيذ خطط الوزارة الرامية إلى استثمار الثروة الوطنية بالصورة الأمثل”.
إلى ذلك، أعلنت خلية الإعلام الأمني العراقي فى بيان أن “القوات الأمنية فى محافظة البصرة تلاحق عناصر خارجة عن القانون أقدمت على إطلاق ثلاثة صواريخ نوع كاتيوشا سقطت بالقرب من موقع شركة هالبرتون النفطية فى منطقة البرجسية”. حيث أفاد مصدر أمني أنه “تم العثور على منصة إطلاق صواريخ بالقرب من مزارع الزبير موجهة باتجاه الشركات العاملة في بئر 20 في البرجسية”.