يبدو أن التباطؤ النسبي الذي قدمته الإدارة الأميركية الحالية تجاه تفشي الوباء، أعقبه تسارع ملحوظ في الإجراءات الاحترازية منها والعلاجية في محاولة لإدراك ما يمكن إدراكه بعد أن فاع الوباء وتمكن من زرع أصله في كثير من الولايات.
قرار جريء
أعلن الرئيس ترامب، رفع تصنيف الأوضاع في عموم ولايات بلاده من حالة الطوارئ الى حالة الكوارث.
وشمل قرار الكوارث الفيدرالي الذي يتخذ للمرة الأولى بوقت واحد في تاريخ الولايات المتحدة، جميع الولايات الخمسين، إضافة إلى جزر فيرجن، وجزر ماريانا الشمالية، ومقاطعة كولومبيا ووغوام بورتوريكو.
حيثيات القرار
للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة، يقوم رئيس الدولة بإعلان حالة كوارث كبرى.. يصنف خلالها الولايات الـ50 تحت حالة الكوارث – بدلًا من حالة الطوارئ- بسبب تفشي وباء كورونا القاتل، وتلقت جميع الولايات إعلانا رسميا بشأن الكوارث.
وقال جود دير، المتحدث باسم البيت الأبيض، في تغريدة عبر تويتر، إنه: “للمرة الأولى في التاريخ، أعلن الرئيس وجود كارثة كبيرة في جميع الولايات الخمسين في آن واحد”.
حيث وفي وقت سابق، كان ترامب قد أعلن أنه يدرس قرار توقيت العودة إلى الحياة الطبيعية في أمريكا، بالرغم من أنها شهدت أكبر معدل وفيات لها وتسجيل ألف حالة يوميًا في الأيام الأخيرة.
إن إعلان حالة الكارثة في الولايات المتحدة، يأتي – فيما يوحي به القرار – بعد عجز الإدارة الأمريكية عن التعامل مع وباء كورونا، حيث تجاوز حالات الوفاة الناجمة عن الإصابة بفيروس كورونا 20 ألفًا، وهي أعلى حصيلة يتم تسجيلها في العالم، وذلك بتسجيل ما يقرب من ألفي حالة يوميًا على مدى الأيام الأربعة الأخيرة، رغم أن هناك دلائل على أن الوباء ربما يقترب من ذروته، بعد أن تجاوزت الإصابات نصف مليون في أرجاء البلاد، وتنفرد ولاية نيويورك بـ 160 ألف إصابة بالفيروس.
يذكر هنا أن حاكم ولاية وايومنج، مارك جوردون، طالب ترامب، الخميس الماضي، فرض حالة الكارثة الكبرى، بعدما شهدت الولاية في ذلك الوقت أكثر من 200 حالة إصابة بالفيروس التاجي. فإن هذا الإعلان سيساعد على إعداد وتعبئة الموارد عندما تحتاجها السلطات، وفقًا لجوردون.
ماذا يعني فرض حالة كوراث؟
وفقًا للبيت الأبيض، يتيح الإعلان عن حالة الكارثة الكبرى؛ التمويل الفيدرالي لحكومات الولايات والحكومات المحلية، بالإضافة لبعض المنظمات غير الربحية، الذين يمكنهم أيضًا مساعدة حكومات الولايات على التنسيق مع الموارد الفيدرالية مثل الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ، وسلاح المهندسين بالجيش. ومن خلال ذلك، تخضع جميع الولايات الخمسين، بالإضافة إلى بقية المقاطعات، لـ “حالة كارثة كبرى”.
أما التعريف القانوني لحالة الكارثة الكبرى في الدستور الأمريكي.. يحدده موقع “يو أس ليگال” للتعريفات القانونية والدستورية، الذي أوضح أن الكارثة الكبرى تعني أي كارثة طبيعية بما في ذلك أي إعصار أو إعصار أو عاصفة أو مياه عالية أو مياه مدفوعة بالرياح أو موجات المد أو تسونامي أو زلزال أو ثوران بركاني أو انهيار أرضي أو انزلاق طيني أو عاصفة ثلجية أو جفاف أو بغض النظر عن السبب، أي حريق أو فيضان أو انفجار، في أي جزء من الولايات المتحدة الأمريكية، متسببا في أضرار وتعطل بيئي وخسائر في الأرواح وتدهور الصحة العامة أو الخدمات والصحية على نطاق واسع، إذا قرر الرئيس الأمريكي المنتخب أن الأضرار التي تسببها الكارثة “شديدة”، فهو يسمح بتقديم مساعدة كبيرة في حالات الكوارث من موارد الدول والحكومات المحلية ومنظمات الإغاثة، للتخفيف من الضرر أو الخسارة أو المشقة أو التسبب فيها.
كما وأوضح التعريف أنه يمكن أن تقود الكارثة الكبرى إلى وقوع حادث سببي جماعي مع عدد كبير من الإصابات مثل 100 شخص أو أكثر، أو حادث “سببي” (ليس كارثة طبيعية) متعدد مع أكثر من شخصين ولكن أقل من 100 شخص مصاب.
بين الوباء والكارثة.. دلالات أعمق
فتح انتشار الوباء وتعامل السلطات معه، أبواب الرصد والتحليل للحالة الأمريكية الحالية، خصوصًا ما ترافق فيها من وقائع وشواهد عجز وترهل القوة الأعظم في العالم، وهي تظهر “متوترة ومضطربة” أمام جائحة تكتسح العالم، دون أن تمتلك سبل وأدوات المواجهة الحاسمة وفقا لامكانياتها الطبية والعلمية والتكنولوجية.
على العكس من دول أخرى مثل الصين وكوريا الجنوبية واليابان وروسيا..
لذلك بدأت الأصوات المشيرة إلى تراجع الدور الأمريكي النافذ في العالم بالظهور، مع تحليل متكرر لمؤشرات تنذر بقرب نهاية “الحقبة الأمريكية”، هذا ما ذكره مثلًا الباحث والسياسي البريطاني، دانيال فينكلشتاين في مقال طويل له. تساءل فيه علنًا.. هل سنشهد نهاية الحقبة الأمريكية؟ معتبرًا أن أزمة تفشي فيروس كورونا المستجد في عقر دارها كشفت إلى أي مدى تراجع دور أمريكا القيادي في العالم.. مشيرا إلى العصر الذي بدأ مع نهاية الحرب العالمية الثانية ـ والذي تميز بخطة الرئيس الأمريكي الراحل هاري ترومان، الذي عمل على تنفيذها جورج مارشال ودين أشيسون، والقاضية بإعادة إعمار أوروبا ومساعدتها ماليًا، وجعل أمنها على قمة الأولويات.
وإذا كان ذلك العصر تميز بالهيمنة الثقافية لسينما هوليوود، وموسيقى الروك آند رول، والازدهار الكبير للرأسمالية الغربية، والمواجهة النووية مع الاتحاد السوفييتي السابق، التي سبقت الانهيار الفكري والسياسي للدولة الشيوعية.. فهل نشهد نهاية ذلك العصر؟ وهل تعني كارثة كورونا نهاية النفوذ الأمريكي.
فينكلشتاين ـ الذي عمل مستشارًا سابقًا لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق، جون ميجور- قال في مقال نشرته الفاينشال تايمز: فيروس كورونا لا يحترم أحدا ولا يعرف الحدود، ولا يعترف بزعامة الولايات المتحدة، إنه لا يتكلم الإنكليزية ولا أي لغة محددة وهو لا يقطن في دولة بعينها، بل هو أزمة دولية واختبار عسير للنظام العالمي القائم، فالأمر المميز في هذه الأزمة هو امتحانها لرد كل دولة بصورة منفردة على الوضع القائم لديها ولكن أين القيادة الدولية لمواجهة ذلك، وأين الريادة الأمريكية المفترضة للرد على هذا الفيروس؟
هذا اختبار قاس لزعيم العالم الحر، ولكن الآن لا يوجد زعيم لهذا العالم، لأن ترامب غير قادر في الأصل على قيادة رد الفعل الأمريكي نفسه تجاه الأزمة.. وفي كل الأحوال فإنه ليس مهتما بفعل ذلك، وإذا كان لديه هذا الاهتمام فمن ذا الذي سيقوم باتباعه وهو يترنح غاضبًا؟!
يجسد ترامب وفقًا للمستشار، تراجعا أمريكيا يتسارع مع الوقت، فبينما تراجعت الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة إلى صفحات التاريخ، فإن الكثير من الأمريكيين يخشون من مسؤولياتهم الدولية، ويعتقدون أن القيادة الدولية تكلف أموالا وجهدا وطاقة وأرواحا أمريكية، ويعتقدون ربما على سبيل الخطأ، أن هذا لا يضع الطعام على الموائد الأمريكية أو يجعل أمريكا في مأمن. فيدعو علنًا لتأسيس هيكل عالمي جديد بعيد انتهاء الأزمة للقبول بالمسؤولية المشتركة.