للمرة الأولى منذ سنوات طويلة، تشهد الساحة الإيرانية تبدلات في تصريحات مسؤولي النظام الإيراني حول الأوضاع الاقتصادية في البلاد، لا سيما وأنهم دأبو على نفي تضرر البلاد على المستوى المعيشي بالعقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على طهران بسبب البرنامج النووي.
التبدل الحالي عبر عنه مسؤولون إيرانيون من خلال توقعاتهم، التي كشفوا فيها بأن بلادهم تسير على نحو إقتصادي سيء، وذلك على وقع تشديد العقوبات الاقتصادية وآثار فيروس كورونا، متوقعين ان يرتفع عدد العاطلين عن العمل في عموم إيران بمقدار مليون عاطل إضافي، ليصل إجمالي عدد العاطلين إلى 5 ملايين شخص.
لا سيما مع إغلاق الكثير من المؤسسات والشركات الإيرانية، بالإضافة إلى تضرر قطاع السياحة الدينية بشكل كبير بعد أن أجبر فيروس كورونا؛ السلطات الإيرانية بإغلاق الأضرحة والعتبات، التي كان يزورها سنوياً مئات الآلاف من أبناء الطائفة الشيعية في العالم، إلى جانب عجز الميزانية العامة بسبب انخفاض الواردات النفطية التي كانت تصل إلى 50 مليار دولار، لتنخفض إلى 10 مليارات بعد تشديد العقوبات.
إلى جانب ذلك، أشار المسؤولون في تصريحاتهم إلى أنه المشكلات الاقتصادية لن تتوقف عند حد ارتفاع معدلات البطالة، وإنما ستمتد إلى ارتفاع تكاليف السكن والمعيشة بنسبة 40 في المئة عن ما كانت عليه قبل أزمة كورونا، مرجحين ارتفاع معدلات التضخم والكساد، خاصةً بعد أن سجل التضخم عام 2019، نسبة 50 في المئة بحسب تقارير صندوق النقد الدولي، وهو أعلى مستوى لها منذ عام 1980.
كما أكد موقع Iran Focus الإيراني في تقريرٍ له، أن مستقبل اقتصادي بائس يتنظر الفقراء في إيران بعد الانتهاء من أزمة انتشار كورونا، مستنداً في معلوماته إلى توقعات بتأثير التضخم المستمر في إيران على ارتفاع معدلات بدلات الإيجار في البلاد، التي تستهلك حاليا بين 35-37 بالمئة من الدخل الشهري للعوائل الإيرانية.
ونقل الموقع تصريحات أدلى بها النائب المحافظ المتشدد في البرلمان الإيراني “غلام علي جعفر زادة”، والتي كشف خلالها أن إيران سيكون لديها ظروف رهيبة في مرحلة ما بعد كورونا مع ارتفاع حاد في البطالة والتضخم، مضيفا: “نحن بلد مع اقتصاد ضعيف، وعلينا الموازنة بين الصحة والاقتصاد، وعلينا أن نتحرك بين الاثنين بطريقة لا ينهار اقتصادنا”.
ويأتي التقرير في وقت كشفت فيه وسائل إعلامية إيرانية عن تعرض الكثير من سكان المدن والبلدات المجاورة للعاصمة طهران للطرد من منازلهم عام 2019 بسبب عدم القدرة على دفع الإيجارات الشهرية، قبل أن يبدأ كورونا بالانتشار في البلاد.
تزامناً، ظهر تأثير الأوضاع الاقتصادية السلبية على مستويات المعيشة من خلال موجة الغلاء التي ضربت أسعار المواد الغذائية الرئيسية، والتي أظهر الإحصائيات المالية أنها باتت تستهلك نسبة 30 في المئة من دخل الأسر العاملة، حيث صرح مستشار في مجلس العمل الأعلى الإيراني، بأن تكلفة الغذاء والسكن تعادل نحو 3.2 مليون تومان شهريا، لافتاً إلى أن ذلك المبلغ أكثر بكثير من الحد الأدنى لأجور العمل في عام 2020.
وكانت إحصائيات البنك الدولي حول النمو الاقتصادي العالمي قد توقع أن ينكمش الاقتصاد الإيراني بنحو 10 بالمئة، مقارنة بحجمه قبل عامين، كما بين صندوق النقد الدولي أن إجمالي الناتج المحلي لإيران سيتراجع العام الجاري ستة في المئة بعد أن تراجع العام الماضي أربعة في المئة خلال العام الثاني من الركود.
كما يعاني الاقتصاد الإيراني، وفقاً لبعض الدراسات الاقتصادية، من اختلالات هيكلية بسبب تبديد الموارد الشحيحة على مغامرات التوسع والهيمنة الخارجية ورداءة القرار الاقتصادي، على نحو يؤجل الحل ويفاقم الأزمات ويتسبب في الحرمان لقطاعات واسعة من الشعب الإيراني تعيش تحت خط الفقر.