فرضت إيران عبر ذراعها السياسي والعسكري في لبنان، حزب الله، تسليم حسان دياب زعامة حكومة لبنان، كبديل لحكومة سعد الحريري، التي استقالت بفعل ضغوط الشارع المحتج على تردي الأوضاع الاقتصادية والفساد المتراكم في كواليس السلطة في بيروت.
وتهدف ميليشيات حزب الله بالتعاون مع تيار الرئيس عون لإحكام قبضتها على مختلف مفاصل البلاد مستغلين أزمة كورونا التي استشرت ومنعت من تجمهر اللبنانيين وسمحت للعهد الحالي بمحاولة اتخاذ خطوات تصب في ذلك التوجه.
ففي يوم الجمعة، شنّ رئيس الحكومة اللبنانية، هجومًا على حاكم مصرف لبنان، وحمّله مسؤولية الانهيار المالي والاقتصادي الذي وصل إليه الوضع في البلاد، بدورها، أكدت قوى رئيسية في المعارضة اللبنانية أن هجوم رئيس الحكومة الحالية “حسان دياب” على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، يأتي في سياق تبنيه لأجندة حزب الله الذي يسعى لتعيين حليف له في المنصب.
حيث استنكرت رموز من المعارضة اللبنانية محاولة تحميل سلامة تبعات الأزمة الاقتصادية والأوضاع المالية التي يشهدها البلد الذي انتفض ضد فساد النخب المتمسكة بالسلطة منذ أواخر العام الماضي.
أحزاب بالمعارضة اعتبرت أن تصريحات دياب، جاءت تنفيذا لأجندة العهد، أي رئاسة الجمهورية وحزب الله، اللذين لطالما كانا يريدان الإطاحة بحاكم مصرف لبنان، تمهيدا لتعيين بديل له مقرب من رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل.
انتقادات رئيس الحكومة كانت مباشرة وواضحة لحاكم مصرف لبنان، اتهمه فيها بعدم التنسيق مع الحكومة في إصدار التعميمات الأخيرة المرتبطة بسحب ودائع الدولار بالليرة اللبنانية، وفق سعر صرف السوق، وهو ما عكس ارتفاعا غير مسبوق بسعر الصرف في السوق السوداء لدى الصرافين.
“دياب ” تحدث في كلمة له بعد جلسة للحكومة مساء أمس، أشار فيها لما قال إنه “غموض مريب” في أداء حاكم مصرف لبنان، وإن المصرف عاجز أو معطل بقرار أو محرض على هذا التدهور”، ليعلن إلى أن حكومته قررت تكليف شركة دولية من أجل التدقيق الحسابي في حسابات مصرف لبنان!.
بدوره، هاجم سعد الحريري، رئيس الحكومة السابق زعيم تيار المستقبل، هاجم تصريحات دياب، مؤكدًا أن عقلًا انقلابيًا يعمل لرمي مسؤولية الانهيار باتجاه الحاكم “سلامة”.
ليعتبر الحريري تصريحات دياب بـ “الخطيرة” التي تتبرأ من تقصير الحكومة الفادح والانتقام من مرحلة كاملة، قائلًا: “لقد أغرقوا رئاسة الحكومة في شبر من العبارات المحملة بالتهديد والوعيد، وأخطر ما في ذلك أنها ستتحمل دون أن تدري مسؤولية إغراق الليرة التي تترنح بفضائل العهد القوي على حافة الانهيار الكبير”.
وتوجه إلى رئيس الحكومة بالقول: “برافو حسان دياب. لقد أبليت بلاء حسنًا، وها أنت تحقق أحلامهم في تصفية النظام الاقتصادي الحر. إنهم يصفقون لك في القصر ويجدون فيك شحمة على فطيرة العهد القوي”.
ووجه الحريري أسئلة لرئيس الحكومة: “كيف تغض النظر عن سبع سنوات من تعطيل المؤسسات الدستورية، وألا تسأل عن السياسات التي أضرت بعلاقات لبنان العربية والدولية، وألا تلتفت إلى المسؤوليات التي يتحملها الأوصياء الجدد على رئاسة الحكومة، هل هي جميعها من صناعة حاكم مصرف لبنان؟”.
ويلمح الحريري على ما يبدو إلى السنوات التي رفض خلالها حزب الله وحلفاؤه انتخاب رئيس الجمهورية، وارتباط الحزب بأجندة إيران الأمر الذي تدهورت على أثره العلاقة مع الدول العربية.
كما اتهم الحريري الحكومة بأنها تحاول أن تستجدي التحركات الشعبية بإغراءات شعبوية وتمارس سياسة تبييض صفحة العهد ورموزه على طريقة تبييض الوجوه والأموال والمسروقات، ثم تلجأ إلى ركوب موجة المطالب دون أن تتمكن من تلبيتها وترمي تخبطها ودورانها حول نفسها على الإرث الثقيل للحكومات المتعاقبة.
من جهته، قال النائب في القوات اللبنانية فادي سعد، عبر حسابه على “تويتر”: “سمعنا الليلة خطابا لحزب الله وجبران باسيل بلسان رئيس الحكومة. خطاب مخيب للآمال وخالٍ من أي قرارات إصلاحية حاسمة. خطاب التهرب من المسؤولية والهجوم على حاكم مصرف لبنان وتحميله دون سواه مسؤولية النزول إلى الهاوية”.
بدوره، توجه الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يترأسه الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، إلى رئيس الحكومة بالقول: “انقلابكم بالتهديد والوعيد مصيره الفشل”، وقال الحزب، في بيان له: “مرة جديدة تُثبت الحكومة ورئيسها بإيعاز وتوجيهٍ مباشرين ممن يمسكون بناصية قرارها، أنها تابعة، وهي واجهة لتبرير الفشل وتحميل المسؤوليات للغير والاقتصاص من كل من يقف بوجه محاولات الاستيلاء على الدولة ومقدراتها.”
صراع سياسي محتدم تشهده كواليس الحكم اللبناني بين تيارين يصارعان للسيطرة والتمكن والبقاء.. في ظل تفاقم الأزمة المعيشية التي يعاني منها اللبنانيون، مع ارتفاع سعر صرف الدولار الذي ينعكس على ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى درجة غير مسبوقة.. يضاف لها ما تسببت به أزمة كورونا من تبعات اقتصادية.
الأزمة تسببت بعودة اللبنانيين إلى الشارع في الأيام الماضية، رغم إجراءات التعبئة العامة المفروضة لمواجهة كورونا، حيث تصدرت، في الأيام الأخيرة، دعوات من مجموعات عدة شاركت في التحركات الشعبية في حراك 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، للعودة إلى الشارع تحت نفس المطالب المعيشية ورفضا للحكومة التي لم تقم بأي خطوة إصلاحية بعد ثلاثة أشهر من تشكيلها.
يذكر أن لبنان عاش على وقع احتجاجات بدأت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، للمطالبة بتشكيل حكومة إنقاذ من التكنوقراط وإجراء انتخابات نيابية مبكرة وخفض سن الاقتراع إلى 18 عامًا، ومعالجة الأوضاع الاقتصادية واسترداد الأموال المنهوبة ومحاسبة الفاسدين.
وتسببت تلك الانتفاضة باستقالة رئيس الحكومة سعد الحريري وحكومته في 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مع تعثر تشكيل حكومة أخرى جديدة لنحو شهرين.
ليكلف الرئيس اللبناني ميشال عون، منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، حسان دياب بتشكيل حكومة جديدة وسط رفض شعبي لها، كونهم طالبوا بالبعد عن المحاصصة، وأن تكون الكفاءة أساسا للاختيار، في وقت جاءت الحكومة كلها من لون واحد (حزب الله وحلفائه).