مرصد مينا – هيئة التحرير
“تشكيل حكومة عراقية محايدة”، هكذا ترى الباحثة الأمريكية في معهد أتلانتك للدراسات والبحوث الدولية في واشنطن، الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في التعامل مع نفوذ إيران داخل العراق، وهو ما دعم الفرضيات داخل الأوساط السياسية العراقية حول اتجاه البلاد نحو انتاج ما يمكن تسميته بـ “الجمهورية الثانية”؛ منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003، ليكون عنوانها الأبرز “سقوط الميليشيات”.
بداية دموية ..
التحولات السياسية في العراق، بدأت أولى خطواتها الكبرى مطلع العام الحالي، مع اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني وعراب الميليشيات، العميد “قاسم سليماني” بغارة أمريكية بعد وصوله إلى العاصمة بغداد، بدقائق، ما حمل دلالة على أن مقتل رجل إيران القوي يستهدف الميليشيات العراقية بالدرجة الأولى، على اعتبار أن الولايات المتحدة كانت قادرة على اصطياد “سليماني” في دمشق، قبل وصوله إلى بغداد، إلى جانب أن عملية الاغتيال أطاحت أيضاً بمهندس تلك الميليشيات “أو مهدي المهندس”.
في هذا السياق، يقول القيادي في إئتلاف دولة القانون المقرب من إيران، “حيدر اللامي”: “غياب سليماني أثر كثيراً على الوضع السياسي في العراق، كما انه تسبب في حالة التخبط بين القوى السياسية، فالأوضاع اليوم في العراق ليست كما كانت قبل حادثة الاغتيال”.
ويعرف عن إئتلاف دولة القانون، الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق “نوري المالكي”، المعروف بولائه المطلق لنظام الملالي في إيران، خاصة وأنه تمخض عن حزب الدعوة، الذي شكل في إيران قبل عقود، كما يعتبر “المالكي” أفضل شخصية عراقية ممكن أن تتسلم رئاسة الحكومة العراقية بالنسبة لإيران.
إلى جانب ذلك، يضيف “اللامي”: “هذه الكلمة أنا أتحمل مسؤوليتها، بعد مقتل قاسم سليماني، وضع الجمهورية الإسلامية الإيرانية الآن في العراق، ليس كما كان سبقاً”، لافتاً إلى أن “إسماعيل قاني” خليفة “سليماني” لا يملك الكفاءة في شغل الفراغ الحاصل حالياً.
خطوات الحرب الأمريكية على الميليشيات لم تقتصر على اغتيال “سليماني” ومن معه، وإنما امتدت إلى سلسلة الغارات جوية، استهدفت بشكل خاص الميليشيات في كل من العراق وسورية خلال الأشهر الماضية، دفعت العديد من قادة تلك الميليشيات إلى الهرب إلى إيران، ومن بينهم زعيم ميليشيا “عصائب أهل الحق”، “قيس الخزعلي”، الذي اختفى لأسابيع عقب اغتيال “سليماني” و”المهندس”، وفقاً لمصادر عراقية.
وكانت مصادر عراقية في ذلك الحين، صرحت لموقع العربية نت، بأن طائرات درون الأمريكية المتواجدة في العراق، والتي استخدمت بعملية اغتيال “سليماني” باتت بمثابة كابوس مرعب لقادة الميليشيات العراقية، لاسيما وأنهم جميعا باتوا أهدافاً محتملة للإدارة الأمريكية، بسبب ارتباطاتهم مع طهران، ما اعتبر وقتها مؤشراً على عمليات أمريكية جديدة محتملة.
انقلاب أبيض .. وسيناريوهات للمواجهة
نظرية قيام الجمهورية الثانية في العراق، لا ترتبط فقط بالعمل العسكري وحده، وإنما امتدت إلى العملية السياسية برمتها، والتي تعتبر الحكومة العراقية حجر الأساس فيها، كونها تمثل السلطة التنفيذية في البلاد، بموجب الدستور، ليتصاعد الحديث في الشارع العراقي عن انقلاب أبيض على آلية تشكيل الحكومات، القائمة على المحاصصة الطائفية، التي تعتبر بدورها مركزا لتعزيز السطوة الإيرانية على الحكومة والبلاد بشكل عام.
وينص الدستور العراقي، على تكليف الكتلة البرلمانية الاكبر للحكومة برئاسة رئيس وزراء “شيعي” على أن يتم توزيع الحقائب الوزارية على أساس طائفي، تحصل بموجبه المكون الشيعي على الحصة الأكبر من تلك الحقائب.
بداية عملية الانقلاب الأبيض، تمثلت بعجز إيران وداعميها في البرلمان العراقي للمرة الأولى منذ الاطاحة بنظام “صدام حسين” وحتى اليوم، عن فرض مرشحهم لرئاسة الحكومة، بمن فيهم “محمد توفيق علاوي” و”محمد شياع السوداني” و “نعيم السهيل”، وصولاً إلى قبولها بترشيح رئيس المخابرات العراقية “مصطفى كاظمي”، كأفضل الخيارات السيئة بالنسبة للمصالح الإيرانية.
ويعرف عن “الكاظمي” ميله إلى فرض سيادة الدولة ومعارضته لنفوذ الميلشيات المسلحة وانتشار السلاح خارج أجهزة الدولة، إلا أنه وبحسب سياسيين عراقيين، مثل الخيار الأفضل بالنسبة لإيران من المرشح السابق “عدنان الزرفي”، الذي تعتبره طهران مرشح أمريكي لرئاسة الحكومة.
هنا يذهب مسؤول ملف العراق في إقليم كردستان “عرفات كرم”، إلى التخمين بأن الأحزاب السياسية الموالية لإيران، ستتبع أسلوب جديد لمواجهة الانقلاب على نفوذها، من خلال عرقلة عمل “الكاظمي” وإجباره على الاعتذار والاستقالة، بما يسمح لرئيس الحكومة المستقيلة “عادل عبد المهدي” البقاء في منصبه لمدة أطول، كونها ترى فيه حالياً فرصة لكسب المزيد من الوقت واعادة ترتيب أوراقها.
من جهتها، تدعم الكاتبة السعودية “تواصيف المقبل” فرضية الانقلاب الأبيض من خلال التأكيد على أن الولايات المتحدة قد تعلمت الدرس من النموذج العراقي، وانها باتت تسعى لتجنب استراتيجية إثارة الفوضى كأداة لمواجهة النفوذ الإيراني في العراق وفي المنطقة ككل.
الضربة الأخيرة ..
يظهر هنا التحرك الأمريكي ضد إيران في العراق، كنشاط ثلاثي الأبعاد يركز على الجانب العسكري والسياسي، إلى جانب استهداف البنية التنظيمية الداخلية لمؤسسة الحشد الشعبي، أكبر أذرع إيران العسكرية، وهو ما يتم من خلال الدفع باتجاه تفكيك تلك المؤسسة بشكلٍ ذاتي، عبر دفع قادتها للقفز من مركبها الغارق.
أما أولى نتائج تلك التطورات، فتمثلت بإعلان أربع فصائل موالية للمرجع الشيعي “علي السيستاني” الانسحاب من تشكيلات الحشد قبل أسبوعين من اليوم، والدخول تحت الإمرة المباشرة لرئيس الوزراء ومكتب القائد العام للقوات المسلحة، ما يعني تبعيتها المباشر للدولة، وهو ما يعكس بدوره تضاعف أهمية معركة السيطرة على كرسي رئيس الحكومة بالنسبة لإيران.
وكانت الفصائل المنسحبةقد أرجعت سبب انسحابها من قوات الحشد الشعبي والانضمام للقوات المسلحة الحكومية إلى ما وصفته بـ “تصحيح” بعض المسارات وضمان السير برؤى وطنية”.
مخاوف إيران من تفكك فصائلها وميليشياتها، دعمته إمكانية قيام قوة عسكرية سنية في مناطق أخرى من العراق، والتي تعتبر تهديدا مباشر لمصالحها، حيث نقل موقع الحرة عن مصادر عراقية تأكيدها بأن قوات من كتائب حزب الله تجري تفتيشا بصورة مستمرة في قرى يسيطر عليها الحشد العشائري في مدينة القائم السنية، غربي محافظة الأنبار، وأنها تتعامل بشكل سيء مع المدنيين والمسؤولين المحليين.
وفي هذا السياق، يؤكد الخبير الأمني “هشام الهاشمي” إلى أن المعلومات الموجودة حالياً تشير إلى وجود مشروع اندماج بين الفصائل العشائرية والفصائل المنسحبة من الحشد الشعبي، بسبب الشعور بالتهميش وعدم المساواة مع الحشود الولائية، لافتاً إلى أن هذا الشعور يكاد يكون عاما لدى الجميع في العراق.