مرصد مينا – هيئة التحرير
“عصر التنازلات الدبلوماسية”، عنوان عريض لمستقبل العلاقات الإيرانية مع الولايات المتحدة والغرب، يعلن عنه المرشد الإيراني “علي خامنئي” من خلال تصريحات يؤكد فيها على إيمانه بالعمل الدبلوماسي، ويذكر بتغريدة أخرى بصلح الإمام “الحسن” والخليفة الأموي “معاوية بن أبي سفيان”، وهو ما يعتبر بداية خطابٍ جديد من رأس النظام الإيراني، بعد عقود من اللغة الهجومية.
وسيق “لخامنئي” أن أعلن مطلع العام الحالي وبعد أسابيع من مقتل قائد فيلق القدس “قاسم سليماني”، رفضه القاطع للتفاوض مع الإدارة الأمريكية حيال أياً من الملفات، مطالباً إياها بالرحيل عن العراق.
ترتيبات انتقالية ومفاوضات غير مشروطة!
تحول إيران المسارعة نحو الاتصال الدبلوماسي مع الغرب، ما يوحيبتفاقم حقيقي للأزمة لدى نظام الملالي على الساحة الداخلية، وهو ما يعبر عنه الناشط الإيراني المعارض، “مهيار مشائي” -اسم مستعار-، فيشير في حديثه مع مرصد مينا، إلى أن تقديم النظام الإيراني لعرض التفاوض غير المشروط يعني بعرف قادته تنازلاً قاتلاً، لا يمكن أن يتم إلا لسبب من اثنين، إما أن يكون النظام يستشعر بخطر حقيقي قادم من داخل البلاد، أو أن القيامة قد اقتربت، خاصة عندما يتم الحديث عن ملفي برنامجها النووي والمعتقلين الأمريكيين في إيران.
وكان وزير الخارجية الإيراني “محمد جواد ظريف” قد أعلن الجمعة الماضية، استعداد طهران للعودة إلى التفاوض مع الغرب حول الملف النووي، كما أبدت إيران استعدادها لتفاوض غير مشروط مع الولايات المتحدة الأمريكية، حول تبادل كامل للمتعقلين بين البلدين.
خلافاً للمشهد الظاهر حول تماسك مؤسسات النظام، فإن تخفيف اللهجة لهجة إيران حيال الغرب والاتجاه نحو التفاوض قد يرتبط إلى حد كبير بمستقبل إيران، والقلق من حدوث صراعات داخلية حول خلافة “خامنئي”، وهنا يلفت الناشط “مشائي” إلى وجود عدة اجنحة قد تخوض حرباً للاستيلاء على السلطة، في مقدمتهم رئيس السلطة القضائية “إيراهيم رئيسي” المدعوم من رجال الدين المتشددين، مشيراً في الوقت ذاته، إلى إمكانية وجود مخطط توريث في إيران بدعم من الحرس الثوري، لتولي نجل المرشد الحالي “مجتبى خامنئي” منصب المرشد، دون استبعاد وجود مطمع لدى بعض قادة الجيش بالسيطرة على السلطة بعد وفاة “خامنئي”.
ويعاني “خامنئي” منذ سنوات من تدهور صحته بسبب مضاعفات مرض سرطان البروستات، والذي منعه من المشاركة في الكثير من الفعاليات الهامة في إيران وأقعده مدة طويلة في المستشفيات الإيرانية.
كما يذهب “مشائي” في تقييمه للتحولات الإيرانية، إلى أن ما شهدته البلاد خلال السنوات الماضية، هو عبارة عن خطوات تهدف لترتيب خلافة المرشد، مضيفاً: “ترتيبات ما بعد خامنئي بدأت منذ تصفية الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني، مروراً بالانتخابات النيابية التي منحت الغالبية العظمى للتيار المتشدد وأقصت الإصلاحيين، وصولاً إلى أن إعادة ترتيب العلاقات مع الغرب، لضمان عملية انتقال سلس للسلطة، دون وجود مضايقات من الخارج”.
ويعتبر “رفسنجاني” الذي توفي عام 2017، وسط شكوك باغتياله، واحداً من أبرز الخصوم السياسيين للمرشد “خامنئي” ضمن هيكل النظام، على اعتبار أنه كان يشغل منصب رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، الذي لديه صلاحيات باختيار المرشد الجديد في حالة موت المرشد الحالي.
الاقتصاد وفرضيات الأزمة الداخلية
على الرغم من أن النظام الإيراني كثيراً ما يلجأ إلى الخيار الأمني في قمع الاحتجاجات، إلا أن القلق من انفجار الساحة الداخلية في الظروف الراهنة، قد يكون واحداً من أسباب تقديم إيران للتنازلات الموجعة للغرب والولايات المتحدة، خاصة مع انهيار الاقتصاد الإيراني، الأمر الذي يدلل عليه الرئيس الإيراني الأسبق، “محمد خاتمي” عبر تحذيره من تأزم الوضع في البلاد، مشيراً إلى حالة استياء شعبي كاملة من الوضع الراهن.
وكان الرئيس الإيراني “حسن روحاني” قد طالب الولايات المتحدة برفع العقوبات الأمريكية، لمساعدة إيران بالتصدي لوباء كورونا المستجد، كما طلبت طهران من صندوق النقد الدولي، قرضاً بـ 5 مليارات دولار لدعم الاقتصاد، وهو ما رفضه الصندوق بضغط أمريكي.
أهمية العوامل الاقتصادية في حكم تبدلات السياسة الإيرانية، يدلل عليها “خاتمي” من خلال احتمالية وقوع انتفاضة عارمة لا تخل من العنف، في حال استمرار وضع البلاد على ما هو عليه، لافتاً إلى أن السبب الرئيسي للانهيار الاقتصادي الحاصل، يكمن في انخفاض واردات النفط وارتفاع التكاليف، ما أدى إلى انكماش مستمر للطبقة الوسطى.
حالة الإنكار للواقع، التي يمارسها المسؤولين الإيرانيين، فاقمت بدورها من الأزمة الاقتصادية الحاصلة، فيقول “خاتمي” “لا يمكننا إنكار المشاكل، حتى إذا أنكرناها، فهذه المشاكل موجودة وشعبنا غير راضٍ عن الوضع الحالي، وسيؤدي عدم الرضا إلى عدم الثقة وبالتالي إلى اليأس، وعلى ضوء خيبة الأمل قد نلاحظ الحركات الحادة تدريجياً التي لا تخل من المظاهر العنيفة”.
واستهدفت العقوبات الأمريكية بشكل خاص قطاع النفظ الإيراني، الذي يمثل عصب الموازنة العامة، ما تسبب بخسائر للاقتصاد الإيراني وصلت إلى نحو 50 مليار دولا، إلى جانب ارتفاع معدلات التضخم السنوي بـ 41 في المئة، وفقدان الريال الإيراني أكثر من 50 في المئة من قيمته.
اهتمام النظام الإيراني بحلحلة بعض الجوانب الاقتصادية، والقلق من تجدد المظاهرات، يرتبط بحجم التحذيرات، التي أشارت إلى أن الانتفاضة القادمة ستفوق توقعات المؤسسات الامنية وقدرتها على مواجهتها، فتقول صحيفة “جهان” الإيرانية بان الاحتجاجات الشعبية ستعود على نطاق واسع في المستقبل القريب في إيران نظرا للانهيار الاقتصادي والاجتماعي الذي تعيشه البلاد مرجحةً أن تكون هذه المرة أكثر حدة وعنفاً، كما أنها ستشمل جميع فئات المجتمع، الإيراني.