هيئة التحرير
“سائراً على حقل ألغام”، يصف الكاتب “عصام الزيات” تكليف رئيس الحكومة العراقية الجديد، “مصطفى الكاظمي”، خاصة في ظل الأزمات الداخلية والخارجية، والتي يرى أنها تنذر باحتمالية فوران شعبي جديد في دولة تعتمد مواردها بنسبة 90 بالمئة على واردات النفط.
وشهدت المدن العراقية أمس الأحد، تجدد الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإسقاط الطبقة السياسية الحاكمة، بعد أقل من 72 ساعة من تشكيل الحكومة، والتي تخللها مقتل متظاهر برصاص عناصر تابعة لميليشيات مدعومة من إيران، وفقاً لما قاله ناشطون.
حكومة بلا شعبية
المظاهرات الأخيرة وفي جوهرها، تعكس إلى حد كبير عدم امتلاك الحكومة الوليدة دعماً شعبياً كبيراً، وفي هذا السياق يرى “الزيات” أن الحالة الاقتصادية ستلقي بظلالها على الساحة الداخلية، من خلال عدم استمرار صبر الشعب العراقي طويلاً على الكاظمي، لا سيما وأن خيارات الحل الاقتصادي محدودة وتنحصر إما بتخفيض رواتب موظفي الحكومة أو تسريح عدد كبير منهم في الأسابيع القادمة، ما سيدفع باتجاه مواجهة بين الشعب والحكومة، على حد قول “الزيات”.
تبعات الأزمة الاقتصادية في العراق، لا تقتصر على موظفي القطاع العام، وإنما تمتد إلى موظفي القطاع الخاص، وهو ما يلفت إليه النائب الأول لرئيس مجلس النواب “حسن كريم الكعبي”، مشيراً إلى أن الأزمة الاقتصادية الحالية ستلقي بظلالها على الكثير من القطاعات المهمة والحيوية في البلاد، والتي قد تتسبب بتسريح عدد كبير من العاملين في ذلك القطاع.
وتعاني الموازنة العامة العراقية عجزاً يصل إلى حوالي 45 مليار دولار أميركي، نتيجة تراجع أسعار النفط، وذلك وسط ارتفاع معدلات كل من البطالة والفقر إلى 20 في المئة، حتى نطلع العام الحالي.
ثقل الإرث الذي تسلمه “الكاظمي” من سلفه “عادل عبد المهدي”، بدوره يمثل حاجزاً إضافياً يفصل بين الحكومة الجديدة والشعب العراقي، وهو ما يؤكده “الكعبي”، مشيراً إلى أن رئيس الحكومة سيواجه تحديات أمنية وصحية جمة، خاصة مع انتشار وباء كورونا وملف خلايا تنظيم داعش وتنفيذ مطالب المتظاهرين.
ويعيش العراق على وقع هجمات متفرقة تشنها خلايا نائمة تابعة لتنظيم داعش، وسط تحذيرات دولية من احتمالية احتفاظ التنظيم ببعض الجيوب في العراق.
عراقي بمهمة إقليمية
على عكس الجبهة الداخلية، يظهر بشكلٍ لافت حالة الدعم الدولية والإقليمية لرئيس الحكومة الجديد، خاصةً في ظل التوتر الحاصل بين الولايات المتحدة وإيران، فيرى عضو المكتب السياسي لتيار الحكمة، “فادي الشمري”، أن “الكاظمي” وانطلاقاً من منصبه السباق كرئيس للمخابرات العراقية، شكل شبكة من العلاقات الدولية، تحديداً مع الولايات المتحدة ودول التحالف الدولي، مكنته من التفوق على خصومه في الساحة الداخلية، مضيفاً: “أحد أهم التحديات التي تواجه الكاظمي، تتمثل في أن يعيد تنظيم علاقة العراق مع إيران كعلاقات دولتين”، وفقاً لما نقلته BBC.
وكانت كتل نيابية عراقية قد أعلنت عن رفضها لترشيح “الكاظمي” لرئاسة الحكومة، على رأسها تحالف دولة القانون الموالي لإيران، بزعامة رئيس الحكومة الأسبق “نوري المالكي”.
رفض بعض الكتل السياسية “للكاظمي”، وسرعة نيله للثقة مقارنتة بسابقيه من المرشحين، شكلت مؤشراً أيضاً على دور التوافق الدولي في تكليفه، حيث يشير الصحافي، “إبراهيم الزبيدي”، إلى أن كافة التيارات السياسية اتفقت على رئيس الحكومة بشكل مفاجئ، بعد أن كانت العديد من الكتل النيابية وتحديداً المدعومة من إيران لترشيحه، واتهام بعضها له بالضلوع في اغتيال “قاسم سليماني”.
مهمة الحكومة الجديدة على المستوى الدولي والإقليمي، تمتد أيضاً إلى الولايات المتحدة،فيقول المحلل السياسي، “محمد صالح صدقيان”: “الحكومة الحالية تتولى مهمة خاصة جداً، تتمثل بعقد اتفاقية جديدة مع واشنطن بدلاً عن الاتفاقية الموقعة مع حكومة المالكي”، مشيراً إلى أن الإدارة الأمريكية تعلم جيداً أن عمر حكومة “الكاظمي” لن يتجاوز العامين.
وكانت الولايات المتحدة قد وقعت عام 2009 اتفاقية أمنية مع الحكومة العراقية، قضى باحتفاظ واشنطن بقواعد عسكرية في العراق.
إيران ومفهوم أقل الخسائر
أكثر المواقف الدولية تجاه الحكومة الحالية غرابةً، تتجسد بالتأييد الإيراني، “لكاظمي”، خاصةً في ظل تبنيه لخيار نزع سلاح الميليشيات وحصره بمؤسسات الدولة، ما يؤثر بشكل مباشر على النفوذ الإيراني، وهنا توضح مصادر عراقية في تصريحات صحافية، إلى أن قناعة إيران بعدم قدرتها في ظل الظروف الحالية، على فرض مرشحيها لرئاسة الحكومة، دفعها إلى خيار دعم “للكاظمي”، كأقل الخسائر لها.
وسبق للكتل البرلمانية العراقية الموالية لإيران، ترشيح عدة شخصيات من بينها “محمد شياع السوداني” و”أسعد العيداني”، إلا أنها فشلت في تمرير قرار تكليفهم في البرلمان، خاصةً مع رفض الكتل السنية والكردية لهم.
وهنا تشير المصادر في تصريحاتها، إلى أن تكليف “عدنان الرزفي” بتشكيل الحكومة قبل “الكاظمي”، مثل صدمة للجانب الإيراني، ودفعها لتوجيه الأحزاب المدعومة منها إلى دعم الأخير، لافتةً إلى أن طهران تنظر إلى “الزرفي” على أنه مرشح أمريكي، يمثل ضربة كبيرة لنفوذها في العراق.