هيئة التحرير
“حسابات الاقتصاد”، من هنا تبدأ الباحثة في معهد العلوم السياسية في باريس والمتخصصة في السياسة الخارجية التركية، “جنى جبور”، في حصر قائمة الأهداف التركية المرتبطة بتدخلها العسكري المباشر في ليبيا ودعم حكومة الوفاق، في إشارةٍ إلى عدم حصر ذلك التدخل بالأهداف السياسية والأجندات العقائدية.
البعد المالي والاقتصادي في التدخل التركي، يظهر من خلال مبدأ “رابح مع رابح”، الذي أطلقته “جبور” في رؤيتها حول التحالف بين حكومة العدالة والتنمية التركية وحكومة الوفاق الليبية، على اعتبار أن معادلة التحالف تلك تقوم على أساس حصول الوفاق على دعم سياسي عسكري في مواجهة الجيش الليبي، مقابل محافظة أنقرة على مصالحها الاقتصادية في تركيا وتحديداً في مجالات الطاقة والبناء، مشيرةً إلى أن تلك المصالح مجتمعة ستنهار في حال تمكن الجيش الليبي من السيطرة على العاصمة، طرابلس.
وكان مجلس الأعمال التركي-الليبي، قدر حجم الاستثمار التركي في ليبيا حتى آذار الماضي، بـ 120 مليار دولار في جميع القطاعات، وعلى رأسها قطاع المقاولات، وسط ترجيحات أن تصل قيمة صادرات تركيا إلى ليبيا هذا العام إلى 3 مليارات دولار.
الطاقة وصراع الذهب الأسود في المتوسط..
الثروة السوداء في ليبيا، أو ما يمكن تسميته بـ “صنبور الطاقة الليبي”، كان له مكانه الأبرز ضمن قائمة المصالح “الاقتصادوسياسية” لتركيا، وذلك وفقاً لما يراه مدير المؤسسة العربية للدراسات الاستراتيجية، “سمير راغب”، الذي يشير في تصريحاته لجريدة البيان، إلى وجود رغبة تركية واضحة جداً للاستثمار في قطاعي النفظ والغاز على الأراضي والمياه الإقليمية الليبية، وذلك من خلال التدخل المباشر في القضية الليبية.
وتخوض الحكومة التركية حرباً مع كل من قبرص واليونان وإيطاليا وإسرائيل، حول عمليات التنقيب عن الغاز في حوض البحر المتوسط، الذي يضم قرابة 122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، و1.7 مليار برميل احتياطي من النفط.
اهتمام التركي بالغاز الليبي كجزء من الصراع في البحر المتوسط، يظهر أيضاً من خلال اتفاقيات ترسيم الحدود المائية بين ليبيا وتركيا، وهو ما يرى فيه الباحث المتخصص في الشأن التركي، “محمود سمير الرنتيسي”، رسالة مفادها أن تركيا لديها القدرة على إفساد جميع المخططات الدولية والإقليمية، التي تستثنيها من الاستفادة من موارد الطاقة ومن عملية ربط حقول الغاز بالأسواق الأوروبية.
وكانت شركة البترول التركية، “تباو”، قد كشف عن تقديمها طلباً لحكومة الوفاق الليبية في طرابلس للحصول على إذن بالتنقيب في شرق البحر المتوسط، بحسب ما ذكرته وكالة الأناضول التركية.
العثمانية الجديدة في حسابات المال
تشابك الملفات الاقتصادية واختلاطها بالسياسة ومشاريعها، وهو خلاصة ما يفسر به الباحث “عماد الديفر”، اهتمام تركيا بمسألتي النفط والغاز وحسابات الاقتصاد على الأرض الليبية، مضيفاً: “العثمانية الجديدة هو مشروع حقيقي يعمل عليه الأتراك، وجزء منه مدفوع بالمصالح الاقتصادية في تأكيد السيادة والسيطرة على رواسب الغاز خارج قبرص وتعطيل مشاريع الغاز المشتركة بين مصر واليونان وقبرص، وهنا أشدد أيضاً أن المشروع التركي لا يقف عند ليبيا”.
وتواجه تركيا اتهماتٍ من المعارضة التونسية باتباع سياسة استعمارية عبر الاتفاقيات الاقتصادية، التي تعقدها من خلال حركة النهضة، المقربة من جماعة الإخوان المسلمين، ما دفع البرلمان التونسي قبل أيام، إلى تأجيل التصويت على اتفاقات اقتصادية مع تركيا.
وعن الشأن الليبي تحديداً ودعم حكومة الوفاق، يشير “المديفر” إلى أن من يتطلع إلى تفسير تحركات تركيا في تلك المنطقة، يجب أن يفهم أن أنقرة تنتهي إليها كافة خيوط التحكم في ما وصفه بـ”دمى الإسلام السياسي والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين”، موضحاً: “أنقرة توظف الآيديلوجيا، وتعتمد على مواليها المحليين في البلدان العربية في إدارة مصالحها التوسعية؛ السياسية والعسكرية والاقتصادية، والشواهد على ذلك كثيرة”.
إعادة الإعمار والحسابات القديمة
على أهمية ما يشكله قطاع النفط والغاز بالنسبة لتركيا، تحديداً في منطقة حوض المتوسط، إلا أن المصالح الاقتصادية التركية في دعم الوفاق، تنتقل إلى عدة نواحي، في مقدمتها تصفية الأعمال والاستثمارات التركية القديمة المتوقفة في ليبيا، حيث يؤكد مدير المؤسسة العربية للدراسات الاستراتيجية، “سمير راغب”، أن الخطة التركية تمتد إلى إيجاد موطئ قدم لها في ملف إعادة إعمار ليبيا، لافتاً إلى أن موطئ القدم تلك تقوم على أساس التخريب، في إشارة إلى الدور العسكري في ليبيا.
وكانت تقارير إعلامية فرنسية، قدرت تكلفة إعادة إعمار ليبيا حتى مطلع العام الحالي، بـ 100 مليار دولار، نتيجة الدمار الحاصل بعد قرابة تسع سنوات من الحرب.
الحديث عن السعي التركي للحصول على حصة من ملفات إعادة الإعمار، لم يقتصر على التحليليات والتخمينات، وإنما تجسد أيضاً من خلال تصريحات شبه رسمية تركيا، حيث يشير رئيس المجلس التركي الليبي للعلاقات الاقتصادية الخارجية، “مرتضى كارنفيل” إلى وجود فرص استثمارية تركية في ليبيا بقمية 120 مليار دولار أمريكي، من بينها فرص كبيرة في مجال إعادة الإعمار.
الحسابات والاستثمارات التركية القديمة في ليبيا، والمتوقفة منذ الثورة على نظام “معمر القذافي”، يرى فيها رئيس نقابة المقاولين الأتراك، “مدحت ينيغن” أيضاً جزءاً من المصالح الاقتصادية التركية في ليبيا، لافتاً إلى إلى أن الشركات التركية هجرت مشاريعها في ليبيا إبان الثورة على “القذافي”، ما تسبب بفقدان 25 ألف عامل تركي لوظيفته في ليبيا والعودة إلى الديار، بالإضافة إلى إجمالي خسائر وصلت إلى مليار دولار، و1.7 مليار دولار قيمة خطابات الاعتماد، و1.3 مليار دولار قيمة خسائر المعدات والمخزونات.
ويأتي ذلك، في وقتٍ تتهم فيه المعارضة الليبية وقادة الجيش؛ الحكومة التركية بمحاولة تكرار تجربة مدينة حلب السورية في ليبيا، لسرقة عشرات المعامل والورش والمصانع، ونقلها إلى تركيا، على حد وصفهم.