هيئة التحرير
تداعيات جديد ومتسارعة تطرأ الأزمة بين “الأسد” وابن خاله “رامي مخلوف”، والتي كانت آخر فصولها، إصدار وزارة المالية التابعة للنظام قراراً صباح اليوم، الثلاثاء، بالحجز على كافة الأملاك المنقولة وغير المنقولة، لرجل الأعمال “مخلوف”، الذي مثل طيلة عشرين عاماً الذراع الاقتصادية الطويلة للنظام.
وكان مخلوف في آخر ظهور له، قد اتهم متنفذين داخل النظام، في إشارة إلى زوجة رأس النظام، “أسماء الأخرس”، بمحاولة السيطرة على شركة سيرياتيل للاتصالات وطرده من رئاسة مجلس إدارتها، مهدداً بكوارث اقتصادية في البلاد، في حال المساس بشركته وأعماله.
إلى جانب ذلك، أرجعت الوزارة قرار الحجز إلى تخلف شركات “مخلوف” عن دفع الضرائب المفروضة عليه من قبل حكومة النظام، لصالح هيئة الإتصالات والبريد العامة، التي تقدر بما يصل إلى 234 مليار ليرة سورية.
وكان “مخلوف” قد هدد بتبعات كبيرة ستلحق بالاقتصاد السوري عموماً، في حال استمرت سياسيات “أثرياء ما بعد الحرب” على حد وصفه، متطرقاً للمرة الأولى منذ اندلاع الثورة السورية 2011، إلى أزمة الغلاء الحاصلة في البلاد، مع ارتفاع الأسعار إلى ما يتجاوز 30 في المئة من أسعارها الأصلية، ما اعتبره ناجماً عن ممارسات طبقة من المنتفعين الموجودين في فلك النظام.
الليرة أولى ضحايا صراع العائلة
الليرة السورية، كانت بدورها أولى ضحايا الأزمة بين “مخلوف” والنظام، حيث هبطت منذ مطلع أيار الجاري، إلى مستوى لم تشهده سابقاً، لتسجل اليوم الثلاثاء، انخفاضاً كبيراً أمام الدولار، الذي وصل سعر صرفه إلى 1805 ليرة، لتتأثر الأسواق بذلك الانهيار وتشهد الأسعار ارتفاعاً كبيراً.
من جهتها، أكدت مصادر تعمل في مجال الحوالات لمرصد “مينا” أن سعر صرف الدولار في السوق السوداء في دمشق وصل إلى 1700 ليرة مقابل الدولار الواحد، بينما أغلقت تداولات سعر الصرف أمس، الاثنين عند 1600، مشيرة إلى أن سعر الصرف ارتفع في مناطق الشمال السوري، التي تسيطر عليها المعارضة إلى 1800 ليرة مقابل الدولار الواحد.
سبب الارتفاع وبحسب المصادر، يعود إلى العرض والطلب في السوق، مع اقتراب نهاية شهر رمضان وزيادة العرض الطلب مع قدوم عيد، لافتةً إلى أن الأسعار ارتفعت بشكل مفاجئ بعد الظهور الأخير لابن خال الأسد رجل الاعمال السوري “رامي مخلوف”.
إلى جانب ذلك، شهدت تداولات الأحد 17 أيار مزيدًا من التدهور نحو أرقام قياسية جديدة وصل فيها الدولار في مدينة دمشق إلى 1740 مقابل كل دولار أمريكي، بينما في حلب وصل سعر الدولار إلى 1735 ليرة، وحقق سعر الدولار أعلى رقم في إدلب حيث سجل 1800 ليرة.
وكانت المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، “جيمس جيفري”، فسّر في وقت سابق، الخلافات الأخيرة بين “مخلوف”، والنظام السوري، فيما يتعلق بضرائب شركة “سيرتيل”، باحتمالين اثنين، الأول أن يكون القشة، التي قصمت ظهر البعير، أما الثاني فيتعلق بتعرض النظام السوري إلى ضغوط اقتصادية كبيرة فيما يخص تدهور الليرة السورية، والصعوبات في تأمين المحروقات والمواد الأساسية، لافتاً إلى أن “مخلوف” يسيطر على جزء كبير من الاقتصاد البديل السوري وحتى الاقتصاد الرسمي الفعلي.
انشقاق ام عصيان..
يذهب محللون سياسيون واقتصاديون في تناولهم لقضية خلاف “الأسد – مخلوف” إلى أن ارتفاع وتيرة الخلافات البينية داخل بنيته الأساسية، وضمن الدائرة الضيقة للعائلة الحاكمة، وأن هذه الخلافات والتصدعات بدأت تظهر للعلن، بعد أن كانت جمرا تحت الرماد، على حد قولهم، معتبرين أن “رامي مخلوف” رفع فعلياً راية العصيان في وجه رئيسه وابن عمته.
كما يشير المحللون إلى أن انشقاق “مخلوف” وإعادة ترتيب صياغة البنية الاقتصادية للبلاد يأتي بما يتوافق مع التطورات الدولية والإقليمية مع استمرار تأثير جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي.
ومنذ مطلع 2020، ارتفع سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الليرة السورية بنسبة تقارب 60 في المئة، إذ أنهت الليرة تعاملات 2019 في السوق السوداء عند 915 مقابل الدولار.
ووفق أسعار صرف الأيام الأخيرة، تكون العملة السورية قد فقدت أكثر من 29 ضعفاً من قيمتها أمام النقد الأجنبي، منذ قيام الثورة عام 2011، حيث كان سعر الدولار بمتوسط 50 ليرة.
عوامل الانهيار..
يعيد المحللون الاقتصاديون أزمة الليرة إلى عدة عوامل منها، انخفاض أسعار البترول في السوق الدولية، الذي أثر بشكل سلبي على الدول الداعمة للنظام ومنها ايران، إضافة إلى خلو البنك المركزي السوري من النقد الأجنبي والذهب، بسبب توقف ايرادات ترانزيت النقل البري والبحري والجوي، وتوقف حركة التصدير، المساهم الأكبر في إيرادات العملات الأجنبية، إلى جانب خروج البترول والقمح والبقوليات وعدد من السلع الاستراتيجية الهامة من أيدي النظام، ما أدى إلي انخفاض الناتج القومي المحلي في سورية، وتوقف عجلة الإنتاج والاقتصاد بدرجة كبيرة، وتدمير المصانع وخطوط الإنتاج والبنية التحتية التي تعتبر أهم دعائم الاقتصاد.
كما يضيف المحللون العوامل السياسية والعقوبات الاقتصادية على الدول الداعمة للنظام السوري، ضمن قائمة العوامل، التي أثرت على الاقتصاد السوري، إضافة إلى حالة عدم الاستقرار في كل من لبنان والعراق، ولا سيما في المصارف والبنوك اللبنانية التي تعتبر مخزن عملات التجار الذين يتعاملون مع النظام بتأمين العملات الأجنبية، كما أثرت العقوبات الأمريكية والأوربية المفروضة على شخصيات رئيسية تعتبر اذرع النظام الاقتصادي، مثل “رامي مخلوف”، و”سامر الفوز”، و”وسيم قطان”، وعدد غير قليل من المسؤولين والتجار الذين يؤمنون احتياجات النظام من الخارج.
وكانت الأزمة بين “الأسد” وابن خاله، قد أدت إلى توقف العديد من الأنشطة الاقتصادية، التي كانت مرتبطة بشركات “مخلوف”، وأصبحت شركاته تحول أرصدتها من العملة المحلية للعملات الأجنبية، ثم تحويلها إلى خارج البلاد، فزاد الطلب على الأخيرة، كما زاد عرض الليرة السورية، فهبط سعرها.
مراسيم وقرارات..
في محاولة لضبط حالة الفلتان التي تشهدها الأسواق السورية، ووسط سخط شعبي عارم من ارتفاع الأسعار وعدم تطابقها مع نشرة الأسعار الخاصة بوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، أصدر “بشار الأسد” مرسومين رئاسيين، الأول تم بموجبه، إعفاء وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، “عاطف النداف”، من منصبه، وتعيين محافظ حمص “المثير للجدل”، طلال البرازي، بديلاً عنه.
أما المرسوم الثاني، فينص على إعفاء المواد الأولية المستوردة، والخاضعة لرسم جمركي 1 بالمئة، من كافة الرسوم الجمركية والضرائب المفروضة على الاستيراد، لمدة عام واحد، اعتباراً من 1 يونيو/ حزيران القادم.
رئيس غرفة صناعة دمشق وريفها، سامر الدبس، في حديث لصحيفة “الوطن” الموالية، أمس الاثنين، آكد: أن “المرسوم الصادر من شأنه تخفيض أسعار المنتجات المحلية في الأسواق السورية، على اعتبار أنه يوفر على الصناعي السوري نحو 10% من قيمة فاتورة مستورداته من المواد الأولية، التي كانت تُدفع كرسوم وإضافات غير جمركية”.
يبدو أن تدهور الليرة السورية والمعاناة التي يعيشها المواطن في ظل جائحة انتشار فيروس “كورونا الجديد” وما تلاها من إجراءات، تجعل مسألة ضبط الأسواق ومراقبة الأسعار، وجعلها متناسبة مع دخل الأفراد شبه مستحيلة، وكل إجراءات النظام لتجاوز الازمة الاقتصادية لن نستطيع تضميد جرح المواطن وقد تبشر بثورة شعبية عارمة نتيجة الفقر والجوع.