سوريا (مرصد مينا) – أصدر «المركز السوري لبحوث السياسات» دراسة بعنوان «العدالة لتجاوز النزاع» والذي توصل من خلالها إلى أرقام مرعبة، عن الحرب السورية بعد مرور تسع سنوات على بدء الاحتجاجات في البلاد، مؤكداً أن إجمالي الخسائر الاقتصادية في سوريا خلال هذه الفترة تقدر بنحو أكثر من 530 مليار دولار أميركي، أيّ بزيادة تجاوزت 130 ملياراً عن التقديرات التي توقعتها خبراء أممين وسوريين قبل سنتين، كما تضرر 40%، من البنية التحتية ما تسبب في خسارة حوالي 65 ملياراً، وبلغ معدل الفقر 86%، بين السوريين البالغ عددهم حوالي 22 مليوناً.
ووفق تقديرات المركز وأرقام الدراسة، بلغ عدد الوفيات «القتلى» المرتبطة بالنزاع 690 ألف شخص بينهم 570 ألفا قتلوا بشكل مباشر نتيجة النزاع الذي أدى إلى خروج 13 مليوناً من بيوتهم نازحين ولاجئين، في وقت يعيش 2.4 مليون طفل خارج المدارس داخل البلاد، التي تعلم ستة مناهج في «مناطق النفوذ» المختلفة. وهم حوالي 35%، من الأطفال في سن الدراسة، يضاف إلى ذلك نسب عدم التحاق بالمدارس مشابهة في أماكن اللجوء خارج سوريا. حسب ما نقلته «الشرق الأوسط».
معجزة إعادة الإعمار
في الاستنتاج الرئيس، من نتائج الدراسة، قال الباحث السوري في المركز «ربيع نصر» إنه «أمام هذه المؤشرات لا يمكن الحديث عن إعادة الإعمار قبل معالجة جذور النزاع، وأهمها الظلم السياسي والظلم الاقتصادي والظلم الاجتماعي». مضيفاً في تصريح للصحيفة ذاتها «الأهم من الإعمار، هو تجاوز النزاع. هذا يتم بعملية طويلة الأجل، وتدريجية من خلال رفع المظلوميات؛ وفتح المجال للمجتمع للمشاركة بمحو آثار النزاع وبناء مستقبل جديد». وهذا إن دلّ على شيء، فإنما يدل على أن الأرقام الجديدة، تشكل تحدياً كبيراً لأيّ مخطط لإعمار سوريا خصوصاً في ضوء الوضع الداخلي والأزمات الاقتصادية في العالم تحديدا مع وباء «كورونا»
وحسب التعريف الذي وضعه المركز على موقعه، يعتبر هذا التقرير جزء من سلسلة من التقارير التي تناولت تحليلات متعددة الأبعاد لآثار النزاع المسلح في سوريا خلال الفترة الواقعة بين عامي 2011 و2019، في ضوء دراسة الوضعين الاجتماعي والاقتصادي، والأداء المؤسساتي للبلاد. موضحاً أن هذا التقرير يشخّص «العدالة لتجاوز النزاع» النزاع القائم بناء على إطار تحليلي مبتكر لحالة الإنسان، بحيث يقيّم الروابط بين العوامل المؤسسية والاجتماعية والاقتصادية على المستوى الكلي، وعلى المستويين القطاعي والمحلي. ويضع التقرير أيضاً إطاراً للنزاع من منظور العدالة الاجتماعية، ويقدم بدائل قائمة على مناهج تشاركية طورها الخبراء.
خسائر تدميرية لا تقدر
يتبنّى التقرير طريقة عملية لمواجهة الجور والظلم من خلال التصحيحات الديناميكية لما يعتبره المجتمع قيوداً أو مخرجات غير عادلة. ويؤكد على الترابط العضوي بين العدالة والحرية والتضامن، بصفتها قيماً أساسية تعمل معاً للحفاظ على السلام والرفاهية، مقدماً أرقام لا يمكن وصفها إلا بالمرعبة والكارثية، نظراً لضخامتها، وتأثيرها على الملايين من السوريين. إذ يقدّر الخسائر الاقتصادية للنزاع حتى نهاية عام 2019 بحوالي 530.1 مليار دولار، بالمقارنة بالسيناريو الاستمراري، ما يعادل 9.7 ضعف للناتج المحلي الإجمالي لعام 2010 بالأسعار الثابتة. ويشمل هذا الرقم، الخسارة في الناتج المحلي الإجمالي البالغة 420.9 مليار والزيادة في الإنفاق العسكري بحوالي 37.8 مليار والأضرار التي لحقت بمخزون رأس المال وقدرها 64.6 مليار، إضافة إلى الإنتاج غير الرسمي للنفط والغاز، المقدر بـ9.9 مليار. وخلال الفترة ذاتها، شهد الدعم الحكومي تراجعاً مطرداً، كنسبة مئوية من الناتج المحلي بالأسعار الجارية، من 20.2 في المائة في 2011 إلى 4.9 في المائة في 2019. ونتيجة لذلك، انخفض عجز الموازنة العامة مع الدعم من خارج الموازنة من 23.6 في المائة إلى 8.8 في المائة. حسب ما نقلته «الشرق الأوسط».
انهيار الليرة السورية
يُعتبرُ تفاقم الظلم أحد الجذور الرئيسية للنزاع السوري، ولاسيما الإقصاء السياسي، وانتهاك الحقوق المدنية، وانعدام المساءلة، واستخدام القوة لإلغاء صوت المواطنين وتمثيلهم، والتي كانت لها آثار سلبية على معيشة المواطنين، وانخفاض القوة الشرائية، وفقدان الليرة السورية قيمتها الحقيقية، لا بل وصفها بعض المحللين بالانهيار النهائي لليرة أمام الدولار.
تقول الدراسة إنه وعلى الرغم من انخفاض قيمة الليرة بدءاً من 2011، عندما كانت 46 ليرة للدولار، شهدت موجة أخرى من الانخفاض وبنسبة 43%، في أيلول/ سبتمبر الماضي مقارنة بشهر تموز/ يوليو 2018، إذ سجلت الفترة بين تشرين الأول/ أكتوبر 2019 وكانون الثاني/ يناير 2020، تسارعاً في تدهور قيمة العملة ليصل إلى 96%، في 16 يناير مقارنة مع 17 أكتوبر الماضي. ويبلغ سعر الصرف حاليا حوالي 1700 ليرة للدولار الأميركي. وسجّل إجمالي العمالة انخفاضاً حاداً في أثناء النزاع من 5.184 مليون عامل إلى 3.058 مليون. وارتفع معدل البطالة من 14.9 في المائة إلى 42.3 في المائة. وفقد سوق العمل 3.7 مليون فرصة عمل، ورفعت الخسارة الضخمة لفرص العمل نسبة الإعالة الاقتصادية من 4.13 شخص لكل مشتغل في عام 2010 إلى 6.4 شخص في عام 2019.
أدى كل ذلك إلى تفاقم حالة الظلم التي تطال السوريين، إذ تؤكد الدراسة أن السياسات النيوليبرالية، التي وسمت بـ«الإصلاحات» الاقتصادية، أدت إلى إيجاد نمو اقتصادي يعزز البطالة والفقر والتهميش، في العقد الأول من الألفية الجديدة، ما أدى إلى تفاقم التفاوتات الرأسية والأفقية. وارتبط ذلك بتقلّيص الفضاء العام وغياب السياسات الاجتماعية التي تعزز الثقة والتعاون في العلاقات الاجتماعية.
نزاع ثلاثيّ الأبعاد
أشار معدو الدراسة إلى أن النزاع أوجد ثلاثة أنواع من الظلم: «الأول هو ظلم ذو أثر رجعي، يتجلى في تدهور ما تراكم من الثروة الحضارية، المادية واللامادية وتدميرها. والثاني هو الظلم الحالي، الذي يمثل إنتاج الظلم الآن، ومن أبرز مظاهره تحويل الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المنتجة إلى أنشطة مدمرة، والثالث الظلم المستقبلي، حيث تضفي قوى التسلط الطابع المؤسسي على البنى والعلاقات والاقتصادات المتمركزة على النزاع، فتصنع هذه القوى مقومات الظلم المستقبلي عبر السياسات والتشريعات والتدخلات لتضاف إلى المظالم التي نشأت خلال النزاع.
من الأنواع الثلاثة يكشف التقرير ارتفاع معدل الوفيات الخام من 4.4 لكل ألف نسمة في عام 2010 إلى 9.9 لكل ألف نسمة في 2017 و7.0 لكل ألف في عام 2019. ويقول: «هناك 570 ألف قتيل بشكل مباشر و120 ألفا بسبب غياب المعدات والأدوية وظروف المعيشة المناسبة». وبلغ معدل الفقر الإجمالي ذروته عند 89.4%، في نهاية عام 2016، وانخفض في عام 2019 إلى 86 في المائة. وأدت الأزمة الاقتصادية في لبنان إلى تفاقم الوضع الاقتصادي في سوريا. متوقعة في الختام أن يؤدي «قانون قيصر» الأميركي، الذي يبدأ تنفيذه في منتصف الشهر المقبل، إلى إضافة أعباء إضافية على الوضعين المعيشي والاقتصادي.
الوضع كارثي بجميع المقايي
عن طريقة إجراء البحث، قال معدو التقرير إنهم استخدموا دليلاً مركباً لقياس آثار النزاع «دليل حالة الإنسان» والذي يتألف من خمس مكونات فرعية تقيس الأداء الديموغرافي والاقتصادي والاجتماعي وأداء التنمية البشرية والمؤسسات. لافتاً إلى أن دليل حالة الإنسان تدهور بنسبة 42% بين عامي 2010 و2019، على مستوى جميع المؤشرات الفرعية مدفوعاً بانهيار الأداء المؤسساتي الذي انخفض بنسبة 67%. موضحاً في الوقت ذاته أن مدى التدهور في دليل حالة الإنسان يتفاوت بحسب الزمن، والمناطق، والمجتمعات المحلية. وأسهمت عوامل رئيسة في التدهور من بينها العنف، وانعدام الأمن، وسياسات الجهات المسيطرة عسكرياً، واقتصاد النزاع، والتصدع الاجتماعي، والتدخل الخارجي.
في الختام ما لا خلاف عليه، أن الأزمة في سوريا، خلقت آثاراً كارثية على الاقتصاد والمجتمع السوري معاً، وما الأرقام الآنفة الذكر سوى حقيقة ما جرى في البلاد طيلة السنوات التسع الماضية، والتي تسببت بخسائر بشرية فادحة بين وفيات وجرحى ومعوقين، عدا عن إدخال الملايين دائرة الفقر، وبعضهم حالة الفقر المدقع، وصولاً لانخفاض الناتج المحلي ومعدلات الاستهلاك وعجز الخزينة وعبء الدين العام وتدهور سعر صرف العملة لمرحلة الانهيار.