هيئة التحرير
قال الرئيس السوري، بشار الأسد، في تصريحات سابقة له، إنه لم يقرر بعد ما إذا كان سيترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة في 2021، مشيرا إلى أن ترشحه من عدمه سيستند إلى عاملين، «الأول هو رغبتي، أما العامل الثاني فيتوقف على إرادة الشعب السوري وما يزال أمامنا وقت لذلك» هذا الكلام قاله الأسد قبل نحو سنتين، خلال تصريحات له لقناة “NTV” الروسية، متسائلاً: بحلول عام 2021 هل سيكون الشعب السوري جاهزا لاختيار الشخص نفسه، والرئيس ذاته؟ زاعماً أنه «إذا لم يكن الأمر كذلك، فما الذي سيفيدني المنصب الرئاسي؟ فعندها لن أتمكن من النجاح، ولن أتمكن من تقديم أي شيء للبلد، لذا فإن الإجابة هي (لا)… أما إذا كان الشعب مستعدا، إذا كانوا مستعدين للاختيار، عندها سأفكر في الأمر ورغم ذلك ما يزال الوقت مبكرا للتفكير في ذلك».
إلا أنه وبعد عامين من هذا الحديث المشكوك في كل كلمة فيه، بناء على مجريات الأحداث التي عاشتها سوريا من حرب وتدمير ونزوح ومقتل مئات الآلاف واعتقال واختفاء لا يقل عن عدد هؤلاء، لمجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، رؤية أخرى ومختلفة تماماً ما قيل آنفاً على لسان الأسد، كاشفة أن «الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة ستحدد مستقبل رئيس النظام السوري بشار الأسد»، مؤكدة أن «نهج الولايات المتحدة تجاه سوريا لن يتغير، ولكن التوجهات المتشعبة تجاه إيران يمكن أن يكون لها تأثير غير مباشر على الاقتصاد السوري ونظام الأسد».
دمار رأس المال الحكومي
رؤية المجلة الأمريكية، جاءت خلال تقرير مطول لها نشرته اليوم الأربعاء، منطلقة من الحديث عن علاقة الحرب بالاقتصاد والاضطرابات الشعبية التي لم يعد بمقدور الحليفين الرئيسيين روسيا وإيران تقديم الدعم المالي للرئيس السوري ونظامه، ما يعني أن الحكومة السورية مجبرة، قائلة: «أضعف التأثير الاقتصادي للحرب الأهلية السورية، كيان الدولة، وأصبح يهدد بموجة جديدة من الاضطرابات، وفي الوقت الذي تسوء فيه الأوضاع الاقتصادية أيضاً في إيران، الداعم المالي الرئيس للحكومة السورية، حيث يتجاوز دعمها الحليف الروسي، فإن سوريا أصبحت مجبرة على الاعتماد على مواردها المحدودة، الآن فإن بقاء بشار الأسد أصبح مرتبطاً بنتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، وما ستعنيه بالنسبة للعلاقات الأمريكية-الإيرانية».
وأضافت المجلة في تحليلها أن «تدهور الاقتصاد السوري يرجع إلى تدمير البنية التحتية منذ بدء الحرب الأهلية في عام 2011، إضافة إلى العقوبات الاقتصادية الصارمة التي فرضتها الولايات المتحدة».
هذا الحديث يرجعنا للتصريحات الصادرة عن البنك الدولي في آب/ أغسطس 2019 حين قال في تقرير إن «الناتج الإجمالي المحلي في سوريا تراجع إلى ثلث المستوى الذي كان عليه قبل اندلاع الصراع». ووفقاً للتقرير، فإن 64% من النمو السلبي جاء نتيجة دمار رأس المال الحكومي. وهذا ما يؤكد حسب المجلة أنه «في الظروف الطبيعية فإنه يمكن لسوريا أن تعتمد على الدعم المالي الإيراني، ولكن العقوبات الاقتصادية التي فرضها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، على إيران وضعت الاقتصاد الإيراني في وضع سيئ للغاية، وأجبرت طهران على البحث عن الموارد المحدودة، وتركت سوريا لتواجه أزمتها الاقتصادية منفردة».
الموقف الأمريكي مختلف عن 2014
بالرجوع إلى الوراء قليلاً وتحديداً قبل 2014، أوعزت الولايات المتحدة الأميركية، إلى دول الاتحاد الأوروبي، بفتح قنوات مع فئات من أطياف الشعب السوري المحايدين، والذين هم لا مع النظام ولا مع المعارضة، ويشكلون الاغلبية الساحقة من الشعب السوري وذلك تمهيداً للانتخابات الرئاسية السورية عام 2014، هذا الموقف المهزوز أعطى القوة أكثر للصين وروسيا باستخدام حق الفيتو مرات ومرات، بالإضافة لتفاوض أوباما على الاتفاق النووي الإيراني في عام 2015 ضمن أمور أخرى، وخفف العقوبات المفروضة على طهران، إذ أدى الاتفاق إلى «رفع التجميد عن العديد من الأصول الأجنبية الإيرانية، وسمح لاقتصادها بالازدهار مرة أخرى، وهو ما منحها الفرصة كي تدعم حلفاءها في الخارج، ومن بينهم سوريا، ورحب الأسد ومستشارته بثينة شعبان بالاتفاق، وتوقعا أن يستمر الدعم الإيراني ويمضي قدما»، حسب المجلة.
ولم تكتف «فورين بوليسي» بهذا القدر، بل أكدت أن «الدعم الإيراني عنصراً حاسماً في بقاء نظام الأسد على قيد الحياة، واستغل هذا الدعم في هزيمة تنظيم (داعش) وقوات المعارضة، وإعادة نفوذه إلى معظم أنحاء البلاد. ولعبت روسيا دوراً رئيساً على الصعيد السياسي، من خلال حماية سوريا أكثر من 14 مرة من قرارات الأمم المتحدة، حيث استخدمت حق النقض الفيتو لمصلحتها في مجلس الأمن».
توقعات المجلة مع بقاء الأسد
تشير المجلة في تقريرها إلى أن جميع مبادرات الأسد بمنح المزيد من الأموال إلى السوريين، لم تنجح أو تغير من المعادلة، لأنهم لم يستطيعوا أن يتغلبوا على سلسلة التحديات التي تواجه الاقتصاد، فالبنك المركزي السوري، أصبح «عاجزا في ضوء نضوب إمدادات العملة الأجنبية والذهب، وهو ما جعل البنك غير قادر على التوازن في سعر الصرف، وكذلك تمويل شراء الواردات من الخارج». لتصل إلى استنتاج مفاده أنه «ونتيجة للاعتماد الكبير بالنسبة للاقتصاد السوري على الدعم المالي الإيراني، فإن مستقبل الدولة، وكذلك مستقبل بشار الأسد نفسه، يعتمد على نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل».
ووفق التقرير، فإن «فاز ترامب بولاية ثانية، فإن الوضع لن يختلف كثيرا بالنسبة للسوريين، حيث من المتوقع أن تستمر إدارة ترامب في فرض أقصى أنواع الضغط على إيران، مع استمرار فرض العقوبات القاسية على طهران، وتجبرها على تركيز مواردها لصالح اقتصادها المتعثر، مع تعزيز الاستياء الشعبي ضد النظام الإيراني». أما في حال فوز المرشح الديمقراطي المحتمل جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فإنه من المتوقع أن تعود الولايات المتحدة إلى الدبلوماسية مرة أخرى، وتختار التعامل مع إيران، وتعود مرة أخرى إلى الاتفاق النووي السابق، وبالتالي فإنه من المتوقع أن تقوم إدارة بايدن برفع بعض العقوبات المفروضة على إيران، ما سيسمح لها بتوجيه بعض مواردها للخارج».
توقعات وخيمة إن حصلت
ترى المجلة الأمريكية، في ختام تقريرها مجموعة توقعات إن تم تحقيقها ستكون وخيمة على الشعب الذي خرج باحتجاجات سلمية منذ 2011، وخاصة في حال تحققت نبوءتها فيما تم ذكره عن نتائج الانتخابات الأمريكية، لأن الخطر الكامن من تلك الخطوة أن بشار الأسد، سيتمكن من تعزيز قبضته في سوريا، ووفق المجلة «ستكون تلك الخطوة أيضاً عاملاً في تقويض نظام العقوبات الأمريكية، وستطلق يد إيران في الشرق الأوسط، ولكنها ستؤدي أيضا في نفس الوقت إلى تخفيف المعاناة التي يواجهها الشعب السوري، وتعيد الاقتصاد مرة أخرى إلى مسار الاستقرار». لكن الاحتمال الأخطر في خلاصتها لكل ما قيل في تقريرها، وهو أنه «وبغض النظر عن نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وسواء كان الرئيس هو ترامب أو بايدن، فإن هذا لن يؤدي إلى رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، وأن النمو المحتمل لسوريا سيظل مقيداً طالما استمر الأسد على رأس السلطة، ولكن إذا نجحت سوريا في الحصول على الدعم الإيراني، فإن الأسد سيظل ممسكا بزمام السلطة إلى الأبد».