هيئة التحرير
“لبنان ليس في طريقه إلى الانهيار، وإنما في صلبه”، خلاصة توصل إليها الكاتب الصحافي اللبناني، “مروان طحطح”، في تحليله للظروف، التي وصلت إليها البلاد، بعد أشهر من انتفاضة تشرين الأول الماضي، وبعد سبعة أشهر من تشكيل الحكومة الحالية، برئاسة “حسان دياب”.
وكان الشارع اللبناني قد شهد خلال الأيام الماضية، تصاعداً في الاحتجاجات، التي طالبت بإسقاط الحكومة ونزع سلاح حزب الله، بعد أن فقدت الليرة اللبنانية نحو 80 في المئة من قيمتها أمام الدولار، الذي سجل 8000 ليرة للدولار الواحد.
لم يبق سوى استقالة دياب
حالة التردي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية غير المسبوقة في لبنان، دفعت مصدر خاص، فضل عدم الكشف عن هويته، لدواعي أمنية، إلى التأكيد بأن لبنان وصل إلى القاع وأنه لم يبق سوى استقالة “حسان دياب” وحكومته، كخيار وحيد لمحاولة انقاذ ما يمكن انقاذه من لبنان واقتصاده، خاصةً وأن كافة طرق الحكومة الحالية للوصول إلى المساعدات الدولية قد سدت تماماً، بفعل خضوعها لسطوة حزب الله، المدعوم من إيران.وكانت وزيرة الدفاع اللبنانية، “زينة عكر” قد صرحت في وقتٍ سابق، بأن المجتمع الدولي مقفل في وجه لبنان، وذلك بعد رفض الدول المانحة تقديم المساعدات المالية للحكومة اللبنانية بوصفها حكومة حزب الله، بالتزامن مع رفض البنك الدولي تقديم قرض للحكومة اللبنانية، بسبب أزمة المعابر غير الشرعية المستخدمة في عمليات التهريب بين سوريا ولبنان.
قطع شعرة معاوية بين لبنان والداعمين الدوليين، تعني بحسب المصدر أن “دياب” لم يعد يمتلك حتى قشة النجاة، لافتاً إلى أن تأخر رئيس الحكومة في إدراك هذا الواقع ومحاولة تصويبه من خلال تقديم استقالته، سيدفع لبنان إلى المزيد من المجهول ويدخله في مرحلة مظلمة قد تكون مقدمة لمرحلة حرب أهلية جديدة.
في السياق ذاته، يرى المصدر أن عمليات التصفية والاغتيالات السياسية قد بدأت ملامحها في لبنان، عبر محاولة النيل من المرجع الشيعي، “علي الأمين”، وملاحقته قضائياً بتهمة التعامل مع إسرائيل، إلى جانب محاولة استهداف موكب “الحريري”، لافتاً إلى أن “دياب” بات مطالب بتكرار موقف رئيس حكومة لبنان عام 2005، “عمر كرامي” الذي رفض البقاء في المنصب بعد اغتيال “الحريري”.
وكان تيار المستقبل اللبناني، قد أعلن قبل أيام عن تعرض موكب رئيس الحكومة الأسبق، “سعد الحريري” للاستهداف بصاروخ سقط على مقربة منه، وذلك وسط تحذيرات من تعرض البلاد لموجة اغتيالات شبيهة بما حدث عام 2005، الذي شهد تصفية عدد من الشخصيات اللبنانية المعارضة للنظام السوري وإيران وحزب الله، في مقدمتهم رئيس الوزراء الأسبق، “رفيق الحريري” ووزير الصناعة الأسبق، “بيير الجميل” والصحافي، “سمير قصير” وغيرهم.
“كرامي” قد قدم استقالته بعد أسابيع قليلة جداً من حادثة اغتيال “الحريري”، على الرغم من حصوله على ثقة البرلمان مجدداً، مردداً حينها عبارة: “أنا من أسرة مليئة بالشهداء لأجل لبنان ولن أسيء لهم”.
ضغوط دولية ومشهد اقتصادي شديد السواد
ما يحدث في لبنان على المستوى الاقتصادي، يصفه الكاتب “جوني منير” بأنه مشهد شديد السواد، لافتاً إلى أن أبواب لبنان باتت مفتوحة على مصراعيها أمام الاضطرابات والإخلال بالأمن وتوسع نطاق الجريمة، خاصة مع تصاعد معدلات الفقر والبطالة.
أزمة الحكومة اللبنانية وصعوبة تصويب الأمور، يؤكدها بدوره رئيس تيار المردة، والشريك في حكومة “دياب”، “سليمان فرنجية”، لافتاً إلى ضرورة تعديل النظام السياسي الحاكم في لبنان، على اعتبار أنه من غير الممكن أن تحكم البلد من قبل ثلاث رؤساء، على حد تعبيره.وبحسب إحصائيات الأمم المتحدة، فإن نصف الشعب اللبناني بات بحاجة لمساعدات غذائية عاجلة، في حين وصل عدد العاطلين عن العمل إلى ما يزيد عن 550 ألف شخص، بعد أن أعلنت عدة شركات إفلاسها وإغلاق أبوابها.
على الرغم من مأساوية الأوضاع، إلا أن “منير” يستبعد استقالة الحكومة قريباً أو حتى إجراء تعديلات وزارية، خاصةً وأن دعم حزب الله “لدياب” مستمر، بالإضافة إلى أن غياب توافق سياسي بين الكتل النيابية يمنع تشكيل حكومة بديلة، على حد وصفه، موضحاً أن الأزمة اللبنانية في ظل هذا الواقع ستتعمق لا سيما مع ضغط الإدارة الأمريكية إلى أقصى الحدود باتجاه حل مشكلتي ضبط الحدود بين لبنان وسوريا، وضبط الحدود بين لبنان وإسرائيل.
ويأتي حديث “منير” بالتزامن مع تأكيدوزير الخارجية الفرنسي، “جان إيف لو دريان” على أن الوضع في لبنان مثير للقلق، والوضع الاجتماعي يزيد من مخاطِر العنف.
من الداخل الحكومة
ويقضي اتفاق الطائف، الذي أنهى الحرب الأهلية، بتقسيم السلطات على الرئاسات الثلاث، الجمهورية والحكومة والبرلمان، التي يتولى كل منها شخصية ممثلة عن المسيحيين في رئاسة الجمهورية والسنة في رئاسة الحكومةوالشيعة في رئاسة البرلمان.
وسبق لنواب وأعضاء في التيار الوطني الحر، أن دعوا حزب الله صراحةً إلى المفاضلة في مصلحة لبنان، من خلال إسقاط سلاحه والتخلي عن المعابر الحدودية غير الشرعية مع سوريا، التي يديرها الحزب، والتي يتهمه اللبنانيون باستغلالها لتهريب العملة الأجنبية إلى حليفه، النظام السوري. كما يقر “فرنجية” بوجود حالة نزاعات داخل القوى المشكلة للائتلاف الحكومي، الذي يعرف إعلامياً بـ”قوى 8 آذار”، مضيفاً: “البعض في فريق 8 آذار يريدون تصفية حسابات على حساب المرحلة السابقة انما الوقت هو للمعالجة وليس للمحاسبة وعندما يستقر الوضع نستطيع ان نلجأ للمحاسبة السياسية”
ويتشكل فريق 8 آذار من تكتلات حزبية موالية للنظام السوري وإيران على رأسها حزب الله وحركة أمل وتيار المردة والتيار الوطني الحر، وشهدت الأسابيع الفائتة صدامات سياسية بين “فرنجية” من جهة ورئيس التيار الوطني الحر، “جبران باسيل”، على خلفية اتهام الأخير بمحاولة وراثة رئاسة الجمهورية، والسيطرة على المناصب الحكومية الخاصة بالمسيحيين.
سوء الأوضاع العامة في لبنان، يرى فيها “فرنجية” عامل رئيسي في إمكانية دفع البلاد باتجاه حرب أهلية ومرخلة خطيرة عنوانها الجوع، داعياً إلى ضرورة محاولة تجنب الوصول إلى تلك المرحلة.