هيئة التحرير
زيارة هي الأولى لرئيس الوزراء العراقي، “مصطفى الكاظمي”، إلى إيران، تمهد وفقاً لما يذكره مصدر عراقي حكومي، للمرحلة المقبلة من العلاقات بين بغداد وطهران، عنوانها الأبرز “احترام سيادة واستقلال العراق”، ولا سيما أن الرسائل، التي حملها “الكاظمي” في جعبته خلال الزيارة، تركز على تلك القضية، وفقاً للمصدر.
وكان “الكاظمي” قد شدد خلال كلمته، عقب لقاء رئيس مجلس الشورى الإيراني، “محمد باقر قاليباف”، على أن العلاقات بين البلدين يجب أن تقوم على أساس احترام القضايا الخاصة وعدم التدخل بالشؤون الداخلية.
نظراً لنفوذ الميليشيات العراقية المدعومة من إيران وسطوتها على القرار السياسي، يصف المصدر زيارة “الكاظمي” إلى إيران، بأنها أول زيارة لرئيس وزراء عراقي إلى طهران منذ عام 2003، موضحاً: “خلال السنوات الماضية كان رؤساء الحكومات العراقيين عبارة عن موظفين معينين بقرار إيراني، وبالتالي كانت زياراتهم عملياً ترتبط بتلقي التعليمات، في حين أن زيارة اليوم هي الأولى التي تمثل زيارة مسؤول دولة لدولة مجاورة، وهذه كانت إحدى الرسائل التي حملها الكاظمي معه، بأن الزمن والأوضاع في العراق قد تغيرا، وأن إيران اليوم تتعامل مع حكومة عراقية مستقلة”.
لعبة إيران..
وكان “الكاظمي” قد لفت خلال كلمته إلى أن سياسة حكومته في إدارة العراق، تقوم على حسن النية في التعامل مع الجيران، والتفاهم معها لإخراج المنطقة من أزمة التوترات، والعمل الشامل للوصول إلى حل شامل لكل التحديات.
تعليقاً على نتائج الزيارة، يشير المصدر إلى أن رسائل الحكومة العراقية، قد وصلت إلى طهران، التي يبدو بأنها تلقفتها بوعي، وقررت أن تتعامل معها من خلال العمل على استبدال حرسها القديم في العراق، من أمثال “مقتدى الصدر” ورئيس الحكومة الأسبق، “نوري المالكي” و”قيس الخزعلي” وغيرهم، أملاً في خلق طبقة سياسية تكون أقدر على استعادة جذب الشارع العراقي إليها.
وكانت تقارير إعلامية عراقية قد تحدثت سابقاً، عن أنباء تشير إلى تراجع اعتماد إيران على عدد من صقور نفوذها في العراق، بعد فشلهم الأخير في فرض مرشح موالي لإيران لرئاسة الحكومة، وحالة الفوضى الحاصلة بين الميليشيات وزعمائها.
في هذا السياق، يلفت الخبير في الشأن الإيراني، “حسام يوسف” إلى أن إيران باتت تتعامل مع الواقع العراقي الجديد بعيداً عن لغة الشعارات والطريقة التقليدية، مشيراً إلى أن الثورة العراقية التي اندلعت مؤخراً، ساهمت في إدراك الحرس الثوري والمرشد الإيراني، بأن أوراقها وشخصياتها في العراق باتت محروقة، وأن لغة الخطاب الطائفي لم تعد تؤثر في الشارع كما السابق، وبالتالي يبدو أنها ستسعى لاحتواء الموقف مع “الكاظمي” واللعب على وتر الوقت من خلال البحث عن وجوه جديدة، قد تساعدها في استعادة النفوذ الضائع.
وينوه “يوسف” إلى ضرورة تذكر أن مشكلات النفوذ الإيراني لا تقتصر على العراق فحسب، فميليشياتها في سوريا تتعرض للقصف والاستهداف بشكل يومي، وميليشيات حزب الله، تعاني من أزمة على الساحة الداخلية؛ تهدد حكومته وسطوته وسلاحه، ناهيك عن الأزمة الداخلية الإيرانية، لافتاً إلى أن كل تلك الظروف مجتمعة، تدفع النظام الإيراني إلى قراءة الموقف بعقلانية والفقر خطوة إلى الوراء لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
الكاظمي العنيد ومفتاح الحل
خلافاً لسنوات ماضية من التصعيد والتأجيج والخطابات النارية، يرى “يوسف” أن النظام الإيراني قرر التعامل مع “الكاظمي” على مبدأ الاستفادة من العدو، وهو ما قد يدفعها لمحاولة استغلال علاقاته الجيدة مع السعودية والولايات المتحدة، لخلق نوع من التقارب معهما، والتخفيف من حدة العقوبات، لافتاً إلى أن النظام الإيراني يمنح حالياً أولوية أكبر للساحة الداخلية، خاصةً وأنها بدأت تكون أقرب للانفجار بفعل الأزمة الاقتصادية والمعيشية في البلاد.
وتشهد عدة مدن إيرانية، لا سيما جنوب غرب البلاد، مظاهرات متكررة احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، مع ارتفاع معدلات الفقر إلى 35 في المئة، في حين كشف مركز الإحصاء الإيراني أن عدد العاطلين في البلاد زاد 2 مليون شخص خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
قرار إيران بالتعامل مع “الكاظمي” وتلقف رسائله، يربطه “يوسف” بحالة القلق من انتقال معركة المجتمع الدولي معه إلى قلب إيران، في حال تمسكه بالتصعيد العسكري، مؤكداً أن النظام يعلم تماماً عجزه عن مواجهة تلك المعركة في حال اندلاعها، كما يدرك أن المجتمع الدولي لن يسعى إلى مثل ذلك الخيار، في حال عدم اتخاذ إيران أي خطوات تصعيدية، على اعتبار أن المنطقة لا تحتمل المزيد من الفوضى والتوتر.
وكانت تقارير إخبارية قد كشفت عن طلب وزير الخارجية الإيراني، “محمد جواد ظريف” من الحكومة العراقية لعب دور وسيط مع كل من السعودية والولايات المتحدة، لتحسين العلاقات معهما، والتخفيف من حدة العقوبات الاقتصادية، التي أنهكت الاقتصاد الإيراني.
تزامناً مع حديث “يوسف”، يشدد المصدر العراقي، على أن محاولة إيران لاحتواء الموقف في العراق، يأتي من عناد “الكاظمي”، الذي أظهر على حد قوله، إصراراً على الحد من نفوذ إيران، خاصةً في ظل تنامي الدعم الدولي والشعبي والعربي له، واتخاذه قرارات غير مسبوقة كمداهمة خلايا تابعة للميليشيات وإقصاء رجل إيران الأول في العراق، “فالح الفياض” عن رأس أكبر الأجهزة الأمنية العراقية.
تصريحات في الهواء..
على اعتبار أن حكم ولاية الفقيه منذ أربعين عاماً قائم على استقطاب الطبقة المتشددة في المجتمع الإيراني، يرى “يوسف” أن حديث المرشد “علي خامنئي” ورئيس البرلمان الإيراني، “محمد قاليباف”، حول الثأر “لسليماني”، جاء فقط للاستهلاك الإعلامي، والحفاظ على صورة النظام أمام شارعه المتشدد، مؤكداً أن “خامنئي” وكافة أركان النظام تعلم أن لا رد جديد على قتل الجنرال الإيراني، وأن البلاد غير قادرة على تحمل تبعات مثل تلك الخطوة.
كما يصف المصدر العراقي، التصريحات الإيرانية، بانها تصريحات في الهواء، مؤكداً أن ما دار خلف كواليس تلك التصريحات، مختلف تماماً، وأن التحركات الإيرانية في الساحة العراقية لن تزيد عن نطاق التصريحات وبعض المشاكسات المتقطعة، التي ستحاول من خلالها القول بأنها لا تزال موجدة في العراق.
في غضون ذلك، يعتبر الخبير بالشأن السياسي العراقي، “أحمد الحمداني” أن نتائج زيارة “الكاظمي” لإيران، والحكم على نجاحها، يعتمد على ما ستقوم به الفصائل والميليشيات المسلحة المدعومة من إيران خلال الأيام القادمة، معتبراً أن الزيارة كانت محملة بالشروط الإيرانية، من بينها طلب إخراج القوات الأميركية، واستعادة ملف قاسم سليماني، وفقاً مل نقلته عنه سائل إعلام عربية.