هيئة التحرير
انخفضت الليرة التركية، إلى مستوى قياسي مقابل الدولار الأمريكي، اليوم الإثنين، إذ تنامت توقعات المستثمرين لتبني البنك المركزي خطوات تشديد نقدي، بعد أن وصل سعر الصرف مع ساعات الإغلاق من 0.34% إلى 7.3951 ليرة للدولار، والذي عده خبراء الاقتصاد مستوى قياسياً منخفضاً جديداً. بالتزامن مع تنامي التوقعات لزيادة رسمية لأسعار الفائدة من أجل كبح خسائر الليرة، إذ أكد معظم التقارير أن البنك المركزي لجأ حتى الآن لإجراءات غير رسمية لرفع تكلفة التمويل، بما في ذلك خطوات على صعيد السيولة وتوجيه المقرضين للاقتراض بسعر أعلى.
وفي تعليقه على الهبوط غير المسبوق، قال مصرفي من إدارة الخزانة ببنك تجاري، إن إجراءات التشديد مهمة لليرة التي لم تهبط بالسرعة التي هبطت بها خلال الأزمة المالية في 2018. ومن المتوقع أن البنك المركزي، سيعلن قراره بشأن سعر الفائدة لشهر آب/ أغسطس آب الخميس القادم، ويرجح بعض المحللين أن يرفع سعر الفائدة الرئيس، بينما يتنبأ آخرون بأن يواصل سياسة التشديد من خلال السيولة بدلاً من رفع السعر رسمياً.
أردوغان يهدئ الشارع
في محاولة منه لتهدئة الشارع التركي، مع ازدياد الأزمة وتوسع قاعدة الفقراء، قال الرئيس التركي، رحب طيب أردوغان، الجمعة الماضي، إنه سيعقد اجتماعا لمجلسه الاقتصادي لبحث التطورات الأخيرة حول الليرة والأزمة الاقتصادية، مبرراً أن تركيا سبق أن واجهت مثل هذه «الهجمات وأنها تقف على أرض صلبة»، تأتي تصريحات ومبررات الرئيس التركي، في وقت أشارت بعض التقارير التي رصدت حالة الاقتصاد في تركيا، أن الملايين سيدخلون قائمة الفقر المدقع في تركيا، مع استمرار إجراءات الحجر الصحي بسبب تفشي وباء كورونا، الذي زاد من الحالة المعيشية صعوبة.
ويربط العديد من الخبراء ما يجري بشكل العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا، من حيث تصعيد لغة التوتر والتهديد بعقوبات جديدة، وهذا ما جعل بهؤلاء الخبراء أن يقولوا إن الهبوط الأخير لليرة يعيد إلى الأذهان ما وقع في سنة 2018، حين هوت الليرة بشكل قياسي وغير مسبوق، لاسيما في ظل توتر العلاقات مع واشنطن، ومنذ بداية العام الجاري، تراجعت الليرة التركية بنسبة 18 في المئة لتصل إلى 7.22، قبل أن تهبط الأسبوع الفائت إلى 7.34، ولتصل إلى مستويات قياسية مع ساعات الإغلاق اليوم، فيما جاءت ترجيحات خبراء في مصرف «غولدمان ساكس» أكثر تخوفاً بالنسبة للسلطات النقدية في تركيا، إذ توقع المصرف أن تتأرجح الليرة بين 7.75 و8 ليرات مقابل الدولار، خلال الأشهر الثلاثة أو الستة المقبلة.
عجز مستمرّ وتصريحات فضفاضة
على الرغم من التصريحات الفضفاضة سواءً لوزير المالية التركي، أو لبعض البنوك الرسمية المتوافقة مع المسؤولين في حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، فقد أظهرت بيانات من وزارة الخزانة التركية، اليوم الإثنين، أن الحكومة سجلت عجزاً في الميزانية قدره 29.7 مليار ليرة (4.02 مليار دولار) في تموز/ يوليو الماضي، في حين بلغ العجز الأولي، الذي لا يشمل مدفوعات الفائدة، 21.2 مليار ليرة.
ووفق ما رصدته وكالة «رويترز» بتقريرها الاقتصادي حول الأوضاع الاقتصادية في تركيا، فإن عجز الميزانية، بلغ في الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري 139.1 مليار ليرة، متجاوزا بقليل ما توقعته الحكومة للعام بأكمله، وهذا يدل أن العجز تجاوز الحد المسموح له مقارنة بنفس التاريخ من العام الماضي.
وهذا ما ينفي تصريحات وزير المالية التركي، براءت ألبيرق، الذي قال الأسبوع الماضي، إن هدف عجز الميزانية لن يتحقق هذا العام بسبب جائحة فيروس كورونا، ليدور العجز بين خمسة وستة بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة مع التوقع الحكومي السابق البالغ 2.9 بالمئة.
اتفاقيات إعادة الشراء
كشفت مصادر تركية، لموقع «أحوال» التركي، أن البنك المركزي يُقدّم للبنوك تمويلاً من خلال قناة يحتمل أن تكون أكثر تكلفة، وذلك في أحدث محاولة لوضع حدّ لتراجع سعر صرف الليرة دون رفع سعر الفائدة الرئيس. لكن اقتصادياً المشكلة لا تكمن هنا، إذ مهما حاولت إيقاف هذا التراجع، فإن المركزي التركي، يجد نفسه عالقاً بين ضغط السوق لرفع تكاليف الاقتراض، والدعوات المتكررة من جانب الرئيس رجب طيب أردوغان لخفضها.
من جانبها، نقلت وكالة «بلومبيرج» عن مصادر وصفتها بأنها في مواقع «صنع السياسة»، أنهم بدأوا تلقي طلبات على مزاد اتفاقية إعادة شراء لأجل شهر بقيمة 20 مليار ليرة (7ر2 مليار دولار) عبر ما أسموه الطريقة التقليدية. كما فتح البنك مزادا لمدة ثلاثة أشهر لمبادلة 20 طناً من الذهب بالليرة عبر الطريقة ذاتها.
وبناء على التسريبات السابقة التي كشفتها (أحوال تركية، وبلومبيرج) فإن ما تم كان على عكس الطريقة الأخرى التي يحدد فيها البنك المركزي سعر الفائدة، أي أن السعر سيتم تحديده من خلال عروض البنوك. ونظراً لأن المركزي أوقف استخدام اتفاقيات إعادة الشراء الخاصة به، فإن البنوك المحتاجة إلى تمويل ربما تشارك في المزاد وكذلك ستقوم برفع تكلفة التمويل.
ردود «مضحكة» من صهر أردوغان
وسط الاستياء الشعبي من الطريقة المتخلفة التي يقود فيها الاقتصاد التركي، والمطالبات المتكررة بإقالته، قلل «بيرات البيرق» وزير المالية التركي، وصهر أردوغان، من أهمية تقلبات العملة وهبوطها المستمر. ووصف بعض المحللين تصريحاته بأنها «غريبة ومضحكة» وخاصة تلك التي أدلى بها لقناة «سي.إن.إن ترك» هذا الشهر، حين قال إن الليرة «ستهبط وتصعد… وأن التنافسية أكثر أهمية من مستوى سعر الصرف». مشيراً إلى أن «الاقتصاد قد ينكمش بما يصل إلى اثنين بالمئة هذا العام».
وكان أول رد من الناشطين الأتراك، على تصريحات الوزير، مع استمرار تراجع الليرة إطلاقهم: هاشتاغ #BeratAlbayrakİstifa، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والذي يعني «استقالة بيرات البيرق»، كما دعا قادة المعارضة التركية، الرئيس أردوغان، إلى إقالة صهره قبل أن تخسر المزيد من قيمتها تحت ضغط الضربات والأزمات المتتالية.