هيئة التحرير
مع إعلان الأمم المتحدة عن وجود ما يصل إلى 1000 مختفٍ قسرياً في العراق، خلال الفترة الممتدة بين 2015 و2016، تتصاعد الدعوات العراقية للكشف عن مصير المختفين قسرياً في البلاد بشكلٍ عام، سواء لدى تنظيم داعش أوالميليشيات العراقية المدعومة من إيران، خاصةً مع تصاعد عمليات اختطاف الناشطين خلال الحراك العراقي الأخير، الممتد منذ تشرين الأول الماضي.
وكانت مفوضية حقوق الإنسان العراقية، قد وثقت اختفاء 79 ناشطاً بينهم 4 فتيات خلال الفترة الممتدة من تشرين الأول 2019 وحتى منتصف شباط 2020، على خلفية الاحتجاجات الأخيرة.
اختبارات فاعلية وضغوط محلية
ارتفاع عدد المختفين قسرياً وتعدد الجهات المختطفة لهم، تمثل بحسب ما يقوله الخبير الأمني، “سالم الباجه جي” لمرصد مينا، اختباراً صعباً لحكومة “مصطفى الكاظمي” على المستوى الأمني، ومدى قدرته على فرض سيطرة الأجهزة الأمنية على كامل التراب العراقي، لافتاً إلى أن قضية الاخفاء القسري تعود إلى العام 2003، ولم ترتبط فقط بظهور تنظيم داعش، وأن بعض المعتقلات كانت تدار أيضاً من قبل متنفذين داخل وزارة الداخلية العراقية.
وكان تقرير أمريكي، قد كشف النقاب عام 2005، عن فضيحة سجن الجادرية، والذي كان تابع لوزارة الداخلية، إبان تولي “جبر صولاغ” الوزارة، حيث اتهمت حينها منظمات حقوقية؛ سلطات السجن ممثلة بأربعة محققين على الأقل، بإخفاء مئات المعتقلين فيه، وانها مارست عليهم شتى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي.
في السياق ذاته، يشير “الباجه جي”، إلى أن المعتقلات السرية والإخفاء القسري للمعتقلين العراقيين، تزايد مع وصول “نوري المالكي” إلى السلطة عام 2006، موضحاً: “المالكي كان يعتقد أنه قادر على إعادة بناء نظام أمني جديد في العراق، وإعادة استنساخ التجربة الإيرانية في الاعتقال والدولة البوليسية، ما دفعه إلى بناء وتوسيع العديد من السجون في مطار المثنى ومنطقة القناة وسجن أبو غريب ومنشأة القعقاع وغيرها”.
وكانت مفوضية حقوق الإنسان في العراق، قد أكدت عام 2015، وهو العام الذي ترك فيه “المالكي” السلطة، تلقيها معلومات مؤكدة عن وجود عشرات السجون السرية، لافتةً إلى أن عدم تعاون السلطات العراقية منعها من الحصول على معلومات أكثر حول تلك السجون أو الوصول إليها.
بين داعش والميليشيات.. ضياع أجيال كاملة
الحديث عن الاختفاء القسري في العراق، يقسمه الباحث في الشؤون العراقية، “خليل الدليمي” إلى ثلاث مستويات، الأول سجون تابعة لوزارة الداخلية والمؤسسات الأمنية، وهي السجون، التي قال إن الاعتماد عليها تراجع مع ترك “المالكي” لمنصب رئاسة الحكومة، أما الثاني، فهي السجون التابعة للميليشيات المدعومة من إيران، وهي السجون التي أكد أنها تضم العدد الأكبر من المعتقلين وأكثر مكان حصد أرواحهم على حد قوله، أما الثالث، فهو سجون تنظيم داعش الإرهابي.
وكان داعش قد أعلن صيف العام 2014 سيطرته على مناطق واسعة في شمال العراق، كما نفذ سلسلة من عمليات الاعتقال والاختطاف بحق سكان المناطق المسيطر عليها، لا سيما في جبال سنجار والموصل.
في السياق ذاته، يوضح “الدليمي”: “مع وصول حيدر العبادي إلى رئاسة حكومة العراق عام 2015، تراجع دور المعتقلات السرية التابعة للداخلية، مقابل تصاعد دور سجون الميليشيات وظهور معتقلات داعش”، مشيراً إلى أن أخطر ما في تلك المعتقلات أنها كانت تضم أيضاً أطفالاً وقصر، لا زالوا حتى اليوم في عداد المفقودين.
إلى جانب ذلك، يعتبر “الدليمي” أن عمليات الاخفاء القسري كانت كفيلة بتدمير أجيال كاملة، ليس فقط باعتقال الأطفال وسجنهم، وإنما من خلال حرمان الكثير من العوائل من معيلها، ما دفع باتجاه تزايد عمالة الأطفال وعدم إكمال تعليمهم، مشيراً إلى أن ملف الاعتقالات يعتبر من أكثر الملفات العراقية تشعباً ومأساوية وسخونة، ما يجعل منه تحدياً حقيقياً للحكومة الحالية، المطالبة بتفكيك منظومة معتقلات عمرها أكثر من 17 عاماً، على حد قوله.
ابحثوا في المقابر أو في إيران ..!!
على الرغم من أن القضية تتعلق بمعتقلين عراقيين ومعتقلات يفترض أنها مقامة على الأراضي العراقية، إلا أن المحلل السياسي “عبد المجيد النعيمي” لا يستبعد أن يكون جزء كبير من المعتقلين لدى الميليشيات قد تم نقلهم إلى إيران، لا سيما من يصنفون على أنهم خطرين، خاصةً وأن الميليشيات وحتى أسابيع قريبة كانت تدير المعابر الحدودية بين البلدين، مشيراً إلى أن الشعور المشترك لدى إيران والميليشيات ببدء فقدانهم السيطرة على مفاصل القرار العراقي، قد تكون شجعتهم على نقل المعتقلين الرئيسيين إلى السجون الإيرانية، لتجنب المحاسبة.
وكان رئيس الحكومة العراقية قد أجرى قبل أسابيع قليلة، زيارة تفقدية مفاجئة لبعض السجون، واطلع على قوائم السجناء فيها، كما سبق له أن أقال “فالح الفياض” المقرب من إيران، من منصبه كمدير للاستخبارات الوطنية.
أما عن المعتقلين لدى تنظيم داعش، فيرجح “النعيمي” أن يكون التنظيم قد أعدمهم جميعاً قبل انهيار دولة التنظيم بشكل كامل في سوريا والعراق عام 2018، لافتاً إلى أن مهمة الوصول إلى معلومات، سواء عن المعتقلين لدى داعش أو معظم المعتقلين لدى الميليشيات ستكون مهمة صعبة جداً “للكاظمي”، الغارق في قضايا محاربة الفساد وانتشار السلاح والميليشيات والسيادة والنفوذ الإيراني والأزمات المالية.