هيئة التحرير
دمر عدد من المنقبين غير شرعيين عن الكنوز، موقعاً أثرياً في السودان، يعود تاريخه إلى 2000 عام في البلاد، ما أجج غضب الخبراء في هذا المجال. ووقع الخراب في المنطقة الشرقية من الصحراء الكبرى، حيث الموقع الأثري المعروف باسم جبل المراوغة، والذي يعود تاريخه إلى الفترة المروية بين 350 قبل الميلاد و350 بعد الميلاد، ويُعتقد أنه كان ذات يوم إما مستوطنة صغيرة أو نقطة تفتيش.
وقال مسؤولون من إدارة الآثار والمتاحف السودانية، إنهم زاروا الموقع الشهر الماضي، وعثروا على الحطام في الموقع الذي يبعد نحو 270 كم شمال العاصمة الخرطوم. وفي يوليو الماضي، عثر المسؤولون على حفارين ميكانيكيين وخمسة رجال يعملون بنشاط للعثور على الذهب، وحفروا خندقاً واسعاً يبلغ عمقه نحو 17 مترا وطوله 20 مترا. وقضى هذا الدمار على أي آمال في إنقاذ أي تاريخ من المنطقة.
وقالت عالمة الآثار السودانية، حباب إدريس أحمد، التي تعمل في الموقع منذ عام 1999، أن المجموعة: “كان لديهم هدف واحد فقط من التنقيب هنا، هو العثور على الذهب، وفعلوا شيئا مجنونا لتوفير الوقت، لقد استخدموا الآلات الثقيلة”.
تدمير المواقع الأثرية
وتنتشر مئات الأهرامات والمواقع القديمة الأخرى عبر المناظر الطبيعية الصحراوية في السودان. وهي ليست معروفة مثل تلك الموجودة في جارتها الشمالية، مصر. وهذه الحادثة ليست معزولة، ولكنها جزء من اتجاه متزايد لتدمير المواقع الأثرية، وفقا لعلماء الآثار السودانيين، حيث أنه في ساي، وهي جزيرة نهرية بطول 12 كيلومترا في النيل، تعرضت مئات القبور، التي يعود بعضها إلى زمن الفراعنة، للإغارة والتدمير من قبل اللصوص.
فيما قال مدير الآثار والمتاحف في السودان، حاتم النور، في تصريحات له: “من بين ألف موقع معروف أكثر أو أقل في السودان، وقع تدمير أو إتلاف المائة على الأقل”. محذراً من أن انعدام الأمن في المواقع جعلها أهدافا سهلة للنهب.
ويعد السودان حاليا ثالث أكبر منتج للذهب في أفريقيا، بينما تتفوق عليه كل من جنوب أفريقيا وغانا في إنتاج هذا المعدن الثمين. ويزعم الكثيرون أن بعض السلطات المحلية ورجال الأعمال هم من شجعوا التعدين غير القانوني، حيث يقدمون الآلات للمنقبين عن الذهب.
كما يبدو أن تطبيق القوانين الحالية ليس صارما أيضا، خاصة وأنه أطلق سراح المنقبين الذين دمروا جبل المراغة دون توجيه تهم إليهم، وليس واضحا لماذا، إذ قال محمود الطيب الخبير السابق في دائرة الآثار السودانية: “كان يجب القبض عليهم ووضعهم في السجن ومصادرة آلاتهم.. هناك قوانين”.
ازدهار التنقيب عن الذهب
ويشتهر السودان بأنه مصدر للذهب منذ أيام الفراعنة والمملكة النوبية القديمة، لكن التنقيب على نطاق صغير لم يزدهر إلا في الأعوام القليلة الماضية. وقد بدأت الخرطوم، التي ركزت لسنوات على احتياطات النفط لتوفير العائدات، تكثيف جهودها لتنمية قطاع الذهب في محاولة لتنويع الاقتصاد وتفادي المخاطر الناجمة عن انفصال الجنوب المنتج للنفط. ووقعت السودان عدداً من اتفاقات التعدين، فهناك 128 شركة سودانية وأجنبية تعمل في قطاع الذهب السوداني، وقد أنشئت شركات توفر خدمات التنقيب والاستخراج والفحوص المخبرية. وتعد السودان عاشر أكبر دولة منتجة للذهب في العالم، وثالث أكبر دولة منتجة له في أفريقيا بعد جنوب أفريقيا وغانا.
وبالنسبة إلى البعض، فإن قطاع الذهب المزدهر مزدحم جداً. إذ أن هناك الكثير من الناس الذين يعملون في هذا الميدان. لكن بالنسبة إلى الغالبية، فإن احتمال امتلاك ثروة فورية بالملايين، في دولة يعيش نحو نصف سكانها تحت خط الفقر وترتفع فيها أسعار الغذاء وتشح الوظائف، يعد حافزاً كافياً لخوض مجازفة كبيرة بحثاً عن الذهب.
وتنتشر الحكايات عن المنقبين غير المجهزين الذين نفدت منهم المياه في الصحراء أو تعرضوا للسرقة. لكن يتم التغاضي عنها عادة.
ثروات أثرية
وتجتذب صحراء النوبة، التي تبعد نحو 500 كيلومتر شمال شرقي الخرطوم، آلاف الباحثين عن الذهب. لكنها تأوي أيضاً ثروات أثرية تعود الى زمن المملكة النوبية، إحدى أقدم الحضارات في وادي النيل. ولئن تكن مصر المجاورة استقطبت اهتمام العالم بآثارها، فإن السودان يبشر باكتشافات مهمة لأن التنقيب فيه ما يزال محدوداً. ويخشى علماء الآثار والمسؤولون أن يُطمس جزء حيوي من تراثه نتيجة نهب المنقبين للمواقع الأثرية أو الإضرار بها.
يقول نائب مدير الآثار، صلاح محمد أحمد، في ذلك: أن «التنقيب عن الذهب أصبح مشكلة خطرة. فالمنقبون يستعملون أجهزة كشف المعادن، وأحياناً يعثرون على قطع أثرية قديمة مصنوعة من الحديد أو البرونز. بعضهم يسلمها الينا، والبعض الآخر يحتفظ بها».
البعثات التي تتولى أعمال التنقيب عن الآثار خلال الأشهر الباردة بين تشرين الأول (أكتوبر) وشباط (فبراير) تخسر عمالها، الذين يتحولون إلى التنقيب عن المعدن الأصفر. يقول أحمد إن بعثة في شمال مدينة عطبرة فقدت نصف قوتها العاملة، «فقد غادروها بحثاً عن الذهب».