هيئة التحرير
على الرغم من توافق القوى السياسية بشقيها، “قوى 8 و14 آذار”، على شخص “مصطفى أديب” لرئاسة حكومة لبنان الجديدة، يدعو باحثون ومحللون سياسيون إلى عدم التفاؤل بأن يكون رئيس الحكومة في لبنان نسخة جديدة من رئيس الحكومة العراقية، “مصطفى الكاظمي”، في مواجهة النفوذ الإيراني داخل الدولة اللبنانية، وسطوة حزب الله على الحكومة.
وكان الرئيس اللبناني “ميشال عون” قد أصدر قبل أيام قراراً بتكليف “أديب” برئاسة الحكومة الجديدة، بعد توافق عدة كتل سياسية لبنانية عليه، بما فيها تيار المستقبل وحزب الله وأمل والتيار الوطني الحر.
حكومة دياب برئاسة أديب
مع بدء رئيس الحكومة المكلف مشاوراته لتشكيل وزراته، يشير الباحث في الشؤون اللبنانية، “أحمد عيتاني”، إلى أن الحكومة الجديدة لن تختلف عن سابقتها، وأنها ستكون استنتساخ عن حكومة “دياب” ولكن برئيس جديد ووزراء جدد، لافتاً إلى أن من يحكم في لبنان هو قانون الأحزاب والمحاصصة الحزبية على أساس طائفي، وليس الوزراء.
وبحسب اتفاق الطائف، الذي أنهى الحرب اللبنانية، فيجب أن تكون كافة الأحزاب والطوائف اللبنانية ممثلة داخل الحكومة، والتي تفقد شرعيتها في حال انسحاب ممثلي إحدى الطوائف منها، كما حصل في حكومة “فؤاد السنيورة” عام 2008، بعد انسحاب وزراء أمل-حزب الله.
في السياق ذاته، يوضح “عيتاني” أهمية أن يدرك اللبنانيون والساعون لإصلاح لبنان، أن المشكلة لا تحل باستبدال الأشخاص والأسماء والحكومات وإنما بتغيير النظام السياسي الحالي، الذي يقيد الرئيس المكلف ويحد من صلاحياته ويضعه تحت مقصلة الأحزاب، مشدداً على أن توافق القوى السياسية السريع على رئيس جديد للوزراء؛ جاء لتفادي موجة غضب الشارع اللبناني والحد من ردة الفعل على حادثة انفجار المرفأ ولتحقيق تقدم في الأزمة السياسية، قبل زيارة الرئيس الفرنسي، “إيمانويل ماكرون”.
وكان “ماكرون” قد وصل إلى بيروت أمس الأول، في زيارةٍ هي الثانية من نوعها إلى لبنان، منذ حادثة انفجار المرفأ في 4 آب الماضي، مشيراً إلى أن مستقبل لبنان بعد الانفجار لن يكون كما تاريخه قبل الانفجار، في إشارةٍ إلى مساعي دولية تقودها فرنسا لتغيير النظام السياسي في لبنان.
تأكيداً على وجهة نظر “عيتاني”، يلفت المحلل السياسي اللبناني، “مروان فقيه” إلى أن الوزراء اللبنانيين يعملون بتوجيهات الأحزاب السياسية التي يمثولها، موضحاً: “الوزير أياً كان اسمه أو شخصيته يدير الوزارة بماتقتضيه مصلحة الحزب الذي يمثله، وهو ما يفسر حالة الصراع الحزبي على المناصب وتوزيع الحقائب الحكومية، فمن يحكم فعلاً هم رؤساء والأمناء العامين للأحزاب والتيارات السياسية وليس الوزراء، وهذا أساس استمرار الأزمة طيلة عقود ماضية”.
وشهد لبنان خلال الأشهر الماضية، تصاعد الخلافات بين جناحي حكومة “دياب” المسيحين، تيار المردة والتيار الوطني الحر، على خلفية توزيع المناصب الخاصية بالمسيحيين، وسط اتهامات لرئيس التيار الوطني الحر، “جبران باسيل” بمحاولة السيطرة على التعيينات المسيحية داخل الحكومة.
إلى جانب ذلك، يشير “فقيه” إلى أن لبنان ومنذ أكثر من 30 عام، يدار بشكل فعلي من قبل عدد قليل من الشخصيات، وليس من خلال الحكومات، وفي مقدمتهم، الأمين العام لحزب الله، “حسن نصر الله” ورئيس حركة أمل، “نبيه بري”، وتيار المستقبل بزعامة آل الحريري، والحزب الاشتراكي بزعامة “وليد جنبلاط”، ليضاف إليهم التيار الوطني الحر، بزعامة “ميشال عون” وبدرجة أقل القوات اللبنانية، بزعامة “سمير جعجع” وذلك، بعد خروج الجيش السوري من لبنان عام 2005، لافتاً إلى أن كل من أتى كرئيس حكومة أو رئيس جمهورية، خلال تلك الفترة لم يكن أكثر من واجهة لدولة عميقة تمثلها الشخصيات المذكورة.
ما قبل المرفأ وما بعده..
تعليقاً على كلمة الرئيس الفرنسي، “إيمانويل ماكرون” بأن ما بعد انفجار المرفأ لن يكون كما قبله، يرى المحلل السياسي، “حسام يوسف” أنها عبارة فضفاضة جداً، ولا تعني بالضرورة أن التغييرات ستنعكس بشكل مباشر على الحياة في لبنان، بقدر ما يمكن أن تحمل انعكاسات على الدول المحيطة والعلاقات اللبنانية على المستوى الإقليمي، مؤكداً أن المطلوب دولياً بشكل دقيق ليس رفع وصاية حزب الله عن الحكومة اللبنانية والقرار اللبناني، إنما الحد من نشاطاته وارتباطاته الخارجية، تحديداً في سوريا.
وكان الرئيس الفرنسي، قد صرح عقب اجتماعه مع ممثلي الأحزاب السياسية اللبنانية، الثلاثاء، بأن حزب الله هو جزء من النسيج السياسي اللبناني.
كما يعتبر “يوسف” أن الهدف الدولي أو التغير المنشود دولياً، هو حصر القدرات العسكرية لحزب داخل الحدود اللبنانية، وعدم الانخراط في القضايا الإقليمية، وبالتالي فإن الحكومة الجديدة لن تخرج عن سياق الحكومات السابقة، ولن تحمل جديد ملموس على مستوى النظام السياسي اللبناني، على حد قوله، مشيراً إلى وجود فوارق كبيرة بين مهمة “أديب” في لبنان ومهمة “الكاظمي” في العراق، فيما يتعلق بقضية نفوذ الميليشيات وانتشار السلاح خارج إطار الدولة.
في السياق ذاته، يوضح “يوسف” أن المطلوب دولياً وأمريكياً في العراق هو إعادة قيام الدولة العراقية الحليفة للغرب والقضاء على سلاح الميليشيات، لتأمين قوات التحالف الدولي وقواعدها من الهجمات الصاروخية، بالإضافة إلى الضغط المباشر على إيران، في حين أن المطلوب في لبنان هو عدم السماح باستخدام سلاح حزب الله خارج الحدود الوطنية، الذي لا يضم أي قواعد دولية، وهو ما يمثل جوهر مطلب “حياد لبنان”، على حد قول المحلل.
حديث “يوسف” عن الفروق بين “أديب” و”الكاظمي”، لاقى صداه لدى الباحث “عيتاني”، الذي اعتبر أن حكومة “أديب” مجرد حكومة أزمة الهدف منها هو خلق شماعة تتحمل ثقل المرحلة الحالية ومصائبها، مضيفاً: “لو كان هناك جدية فعلية لقلب الموازين في لبنان وإصلاح حقيقي، لما اعتذر العديد من صقور السياسة اللبنانية عن رئاسة الحكومة، كسعد الحريري وتمام سلام ونجيب ميقاتي”.
ويختم “عيتاني” بالتأكيد على أن التحرك الدولي في لبنان لا يتوافق مع الحراك اللبناني ومطالب المتظاهرين، بإسقاط الطبقة السياسية الحاكمة وحكومة مستقلين، مشيراً إلى تلك التحركات خلافاً لظاهرها، تسعى إلى إنقاذ نظام الوراثة العائلية السياسية، التي تمثل من وجهة نظره لب المأساة اللبنانية ككل.
ويشهد لبنان منذ نهاية الحرب الأهلية، ظاهرة التوريث السياسي، حيث ورث الزعيم الدرزي، “وليد جنبلاط” والده “كمال جنبلاط” برئاسة اللقاء الديمقراطي والحزب الاشتراكي، والذين ورثهما لنجله “تيمور”، كما ورث زعيم تيار المردة “سليمان فرنجية” والده “طوني فرنجية”، الذي سبق له أن ورث والده “سليمان فرنجية” سياسياً.
كما تطول قائمة التوريث السياسي في لبنان، حيث شهدت السنوات الـ 15 الماضية، توريث “سامي الجميل” زعامة حزب الكتائب عن والده “بيار الجميل” بعد اغتياله، والذي كان قد ورثه عن والده “أمين الجميل”، كما ورثت النائب “نائلة تويني” كرسي والدها “جبران تويني” النيابي، بعد اغتياله، وورث “سعد الحريري” رئاسة الحكومة اللبنانية وتيار المستقبل، عن والده “رفيق الحريري”.