هيئة التحرير
شهدت حكومة الوفاق الليبية، صراع أجنحة داخلي خلال الأسبوع الماضي، بين رئيس الحكومة، “فايز السراج” ووزير داخليته “فتحي باشاغا”، وهو الصراع، الذي تطور إلى حد إيقاف الأخير احتياطياً عن العمل مع إحالته إلى التحقيق.
وبحسب ما تم نشره مؤخراً، فقد وصل باشاغا، أمس الخميس إلى مقر الحكومة في طرابلس لعقد جلسة مسائلة له، حيث أشارت مصادر ليبية مطلعة إلى أن وزير الداخلية وصل إلى مكان الجلسة محاطاً بميليشيات موالية له، لافتة إلى أن الوزير عقد صفقة مع الحكومة، قبل بموجبها عدم نقل الجلسة تلفزيونياً مقابل بقائه في المنصب، وهو تم اليوم بعد إصدار “السراج” قراراً يقضي بإعادة “باشا آغا” إلى مهامه.
تعليقاً على قرار إعادة “السراج” لوزير داخليته إلى منصبه، أكدت مصادر أن القرار تم بضغط من أنقرة، التي قادت وساطة بين حليفيها في ليبيا، أفضت إلى ما وصلت إليه الأمور الآن، على حد وصف المصادر.
الاستناد على الميليشيات
وكان “باشاغا” قد توعد في 27 أغسطس الميليشيات المسلحة الموالية “للسراج”، ولوّح باستخدام القوّة ضدّها في حال المساس بحياة المتظاهرين، في بيان أصدره فجر الخميس الماضي، كشف عن خلافات كبيرة وصراعات عميقة بين الرجلين ودلّ على انقسامات بين قوات الوفاق.
وبعد بيانه مباشرة، أصدر رئيس حكومة الوفاق أمراً بإيقاف وزير داخليته عن أداء مهامه، من أجل التحقيق معه في أسلوب معالجته للاحتجاجات التي شهدتها العاصمة طرابلس خلال الأيام الماضية، والحملة العنيفة التي شنت ضد المحتجين.
وقبل تحديد موعد التحقيق مع باشاغا، احتمى كل منهما بميليشيات مسلحة لحراسته، ما زاد من خوف اندلاع صدام مسلح بين تلك الميليشيات، بحسب ما ذكرته وسائل إعلام محلية.
ويستمد وزير الداخلية الذي ينظر إليه اليوم على أنه أهمّ شخصية في الغرب الليبي، قوّته من “مليشيا حطين”، ثالث أكبر الميليشيات المسلحة في مدينة مصراتة والذي كان في وقت سابق أحد قادتها وحارب في صفوفها، كما أنه مدعوم من “كتيبة المرسي” التي قام بتشكيلها وشارك بها في هجوم ميليشيات فجر ليبيا على العاصمة طرابلس عام 2014.
بالإضافة إلى ذلك، برزت “ميليشيا 166” كقوّة داعمة لباشاغا ومناوئة لقرار توقيفه وإخضاعه للتحقيق، حتى أنها دخلت في خلاف مع السراج وهدد قائدها “محمد الحصان” بالانشقاق من حكومة الوفاق وكشف ملفات الفساد، إذا خرج باشاغا منها.
في السياق ذاته، تمثل “مليشيا الصمود” التي تعدّ من أكبر وأقوى المليشيات المسلحة في مصراتة وفي الغرب الليبي بقيادة “صلاح بادي”، سندا قويّا “لباشاغا”، حيث أعلنت في أكثر من مناسبة دعمها له ووضع قواتها تحت تصرفه.
وكان “بادي” ضمن قائمة من قادة الميليشيات الليبية، التي أدرجت على قائمة عقوبات مجلس الأمن الدولي، منذ نوفمبر 2018 بتهمة الإرهاب وزعزعة الأمن في ليبيا.
كما يمتلك “باشاغا” أيضاً نفوذاً على مليشيا لواء المحجوب وكذلك على مليشيا القوة الثالثة، التي ينحدر أغلب عناصرها من مدينة مصراتة ومعهما مليشيا شريخان، إلى جانب مليشيا طاجين التي تصطف خلفه وتدفع باتجاه أن يكون رجل المرحلة المقبلة، خلفاً “للسراج”.
تطويق الصراع
وتشير الأنباء القادمة من طرابلس، إلى أن أنقرة تدخلت بقوة لتطويق صراع أهم ذراعين لها داخل الوفاق من أجل عدم تقويض الحكومة الهشّة، التي وقّعت معها اتفاقيات مهمة في نوفمبر 2019 بشأن ترسيم الحدود البحرية والتعاون العسكري، وكذلك لخفض أسلحة الميليشيات المتنافسة بطرابلس ومصراتة ومنع أي احتكاك مسلّح بينهما، والذي سيكون قائد الجيش الليبي اللواء، “خليفة حفتر” أكبر مستفيد منه.
على الرغم من اعتماد “السراج” على ميليشيات مصراتة في صدّ هجوم الجيش الليبي على العاصمة واعترافه بها وضمها لأجهزة الحكومة إضافة إلى رصد تمويل ضخم لصالحها، فقد وقفت ضد قراره توقيف وزير الداخلية وإخضاعه للتحقيق وأطلقت تهديدات بالتحرّك ضدّه.
وتعتبر ميليشيات مصراتة أكبر قوة في مدن الغرب الليبي، وتمتلك أكثر من 17 ألف مقاتل وآلاف العربات المسلحة ومئات الدبابات وعشرات الطائرات العسكرية إضافة إلى مخازن للأسلحة، إذ تتلقى دعمًا كبيرًا من تركيا وتحوز على ثقة مسؤوليها، لاعتبارات إيديولوجية وكذلك اجتماعية.
عملاء تركيا
يقول الكاتب والباحث السياسي الليبي “عبد الباسط بن هامل”، في هذا الصدد إن المتحكم في ما أسماه المسرحية، التي تدور على أرض طرابلس هي تركيا بالدرجة الأولى، مضيفاً: “هؤلاء كلهم عملاء لتركيا سواء كان السراج أو باشاغا ومن لف لفهم”.
وتساءل “بن هامل” في تصريحاته: “أين لجنة التحقيق التي تحدثوا عنها مع باشاغا؟ لِمَ لَمْ تكشف عن تفاصيل هذا التحقيق؟ ما الذي تم مناقشته خلال التحقيق؟ من هي اللجنة التي أشرفت على التحقيق”، واصفا ما جرى بأنه خداع لليبيين.
كما أوضح “بن هامل” أنه طيلة هذا الأسبوع والأسبوع الماضي، مررت حكومة طرابلس عدة قرارات خطيرة من بينها تسمية رئيس أركان جديد بالإضافة على إجراء تغييرات في مؤسسات مالية مفصلية، وكأنهم يريدون السيطرة على الاستثمارات في البلاد والتي يتم نقل بعضها إلى تركيا حاليا، على حد وصفه.
إلى جانب ذلك، أوضح “بن هامل”، أن ما يجري حالياً من صراع داخل حكومة طرابلس ما هو إلا تدوير للمناصب وتوزيع للنفوذ، على اعتبار واهم أنهم انتصروا في معركة طرابلس وبالتالي يدور الصراع حول من يستحوذ على أكبر حصة من الكعكة سواء على الصعيد المالي أو تصدير نفسه على أنه العنوان لأي حوارات قادمة، وفقاً لقوله.
في ذات السياق، اعتبر “بن هامل” أن المبعوث الذي أرسله الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” إلى طرابلس لملم ما تبعثر من خلافات داخلية في المجلس الرئاسي وحكومة السراج وهو ربما من قاد الحوار الذي أفضى إلى النتيجة التي تم الإعلان عنها بعودة “باشاغا”.
وقال إن لدى “باشاغا” طموح حقيقي بأن يكون هو المسيطر على المشهد بأكمله في طرابلس، كأن يترأس حكومة جديدة أو أن يكون على رأس مجلس رئاسي جديد، مشدداً على وجود أطرافٍ دوليةٍ تحافظ على حكومة “السراج”، التي قال إنها حكومة لا مستقبل لها، وإنها ساقطة شرعيا وشعبيا وموجودة فقط لأنها مفروضة من قوى دولية.