يبدو سوق صناعة السيارات في المغرب يعيش حالة معقدة في ظل الواقع المتردي الذي فرضه وباء كورونا على البلاد بين مؤشرات متداخلة توحي باستفادة قطاع السيارات من أزمة كورونا وبين تأثر إجباري من تضعضع الأوضاع الصحية فالاقتصادية للمملكة.
التصنيفات الدولية المختصة أكدت أن قطاع السيارات المغربي اتجه عكس تيار وباء كورونا، قياسًا إلى حجم التداعيات التي ضربت هذه الصناعة في الكثير من دول العالم، فأضحت الرباط محطة مهمّة للمصنعين من أجل الاستمرار في الإنتاج والحفاظ على فرص العمل.
وفي تقرير سابق لوكالة “فيتش” المختصة بالتصنيف الائتماني، شكلت صناعة السيارات في المغرب، استثناء بالنظر إلى ما يعانيه القطاع عالميا بسبب التداعيات السلبية لوباء كورونا. ليستمر المغرب من بين الأسواق الأكثر جاذبية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من حيث خلق فرص الإنتاج رغم أزمة الوباء، حيث حصلَ قبل أسابيع على أعلى نتيجة من حيث نموّ إنتاج السّيارات بلغت 83.9 من أصل 100 نقطة.
رغم الوباء… نظرة مستقبلية
أطلق الملك محمد السادس تحذيرات من ظهور موجة ثانية للوباء ومدى التهديد الذي تفرضه على البلاد.. إلا أن تلك التحذيرات لم تؤثر على توقعات أن يتم تطويق تلك المشكلة حتى لا تتأثر القطاعات الاقتصادية. فيما تقرير وكالة “فيتش” ربط بين القفزة النّوعية في نمو إنتاج السيارات وبين اعتمادِ الحكومة المغربية على نظرة مستقبلية قوية لنمو الإنتاج وانخفاض تكاليف العمالة والسياسة الصناعية الذّكية.
خبراء الوكالة اعتبروا أنه ما يزال هناك مجال للتّحسن من حيث شبكة الخدمات اللوجستية في البلاد وتنمية القوى العاملة النشطة.. حيث أكد الخبراء أنّ “قطاع السّيارات في المغرب يمثّل أحد أكبر القطاعات المنتجة للثّروة”. مشيرين إلى أنّ العديد من شركات السيارات الدّولية تختار المغرب لموقعه الجغرافي الاستراتيجي الذي يقعُ بين الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا، وكذلك بالنّظر إلى الفرص التجارية الهائلة التي يتيحها للمستثمرين الدّوليين.
بدورها، وضعت الجمعية الأوروبية لصناعة السيارات، الرباط في المركز الخامس ضمن قائمة الدول المصدرة للسيارات إلى دول الاتحاد الأوروبي، بمجموع إجمالي اقترب من نحو 284 ألف مركبة، ليأخذ القطاع مكانته إلى جانب رواد صناعة السيارات بعد كل من الولايات المتحدة الأميركية واليابان وكوريا الجنوبية والصين.
فرصة واعدة
تسبب توقف الإنتاج بمصانع في الصين بسبب كورونا، بجعل المغرب محطة مهمة في استمرار إنتاج السيارات بشركات رينو التي تملك مصنعين في طنجة والدار البيضاء، وبيجو بمصنعها في مدينة القنيطرة، (وصلت تكلفته الاستثمارية إلى 550 مليون يورو).
“عادل بناني” رئيس الجمعية المغربية لمستوردي السيارات، ناقش في تصريحات لصحيفة” العرب”، مبرزًا أن ذلك “يعكس مكانة المغرب الذي بات قبلة للمصنعين، وما يستتبعه ذلك من جذب مصانع التجهيزات فضلًا عن تطوير اليد العاملة”. ليشير المسؤول التجاري المغربي إلى أهمية صناعة السيارات عالميًا وكذلك أن الرباط تمضي بخططها نحو بلوغ معدل تصنيع مليون آلية سنويًا.
وفي تقرير بالمغرب توقع أن تعرف المبيعات تحسنًا خلال هذا العام، لتحقق ارتفاعًا يقدر ما بين 5 و6 %، ربطًا. مع عودة برنامج تجديد أسطول سيارات الأجرة التي مضت عليها ثلاثة عقود. وتشير البيانات الرسمية أن علامة داسيا المُصنعة في المغرب والتابعة لمجموعة رينو حلت في الرتبة الأولى بنسبة قاربت الـ 33 %، متبوعة بعلامات تجارية أخرى من رينو، حيث استحوذت على نحو 13 % من المبيعات، أما سيتروين الفرنسية، فحلت خامسة بأقل من 3 % من إجمالي السوق.
فرص عمل ثابتة رغم الوباء
حافظ قطاع السيارات على فرص العمل ثابتة، رغم ما أفادت به المندوبية السامية للتخطيط، بأن الاقتصاد، خسر 589 ألف وظيفة، بنهاية النصف الأول من العام الجاري وذلك بسبب انتشار جائحة كورونا وحالة الطوارئ الصحية والحجر الصحي الشامل. كما يساهم القطاع في توفير 8 آلاف فرصة عمل، إلى جانب عشرات الآلاف من فرص العمل غير المباشرة، كما تبلغُ صادراته 8 مليار دولار، وهو ما يؤكد أهمية هذا القطاع بالنسبة للمشهد الاقتصادي المغربي.
مجموعة “رينو” المغرب بطنجة والذي ترتفع وتيرة أدائها منذ إطلاقها قبل سبع سنوات، يعمل فيها 8600 شخص، وهي تصدر لنحو 74 بلدًا انطلاقًا من الميناء المجاور له، فضلًا عن استقطابه لمناولين من أماكن مختلفة. أما “سوبهاش جوشي”، نائب الرئيس والمسؤول الإقليمي بالشرق الأوسط وأفريقيا لمؤسسة فروست أند سوليفان، فقد أطلق توقعات بتقديم قطاع السيارات بالمغرب فرص نمو جديدة، خاصة وأنه شهد تطورًا قويًا على مدى السنوات الخمس الماضية على مستويي التجهيزات والبناء.
حيث جرى إطلاق سبع منظومات صناعية بالقطاع في إطار تفعيل مخطط تسريع التنمية وتتعلق بتخصصات الأسلاك الكهربائية، ومقاعد السيارات وختم الألواح المعدنية وبطاريات السيارات ومحركات ونظام نقل الحركة، علاوة على منظومتي رينو وبيجو سيتروين.
الاستثمار الأجنبي
بدورها، كشفت مديرية الدراسات والتوقعات المالية التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، أن المملكة تتمتع بالفعل بمكانة عالية التقنية وواعدة جدًا على مستوى مدينة الدار البيضاء التي تحتل المرتبة الـ 12 في العالم من حيث الاستثمار الأجنبي المباشر القوي الذي يجذبه قطاع صناعة السيارات، ما يجعلها على نفس مستوى مدينة برشلونة الإسبانية.
ليصرّح حفيظ العلمي، وزير الصناعة والتجارة والاقتصاد الرقمي، إنه “استنادًا على ذلك شهدت صناعة السيارات بالمغرب تقدمًا كبيرًا، ما ساعدها على أن تصبح من أهم الصناعات تنافسية على المستوى أوروبا الغربية وتركيا وأوروبا الشرقية وباقي دول أفريقيا”.
ليشير الوزير إلى أن الحكومة مهتمة بتعزيز مكانة المغرب كي يصبح أكبر بلد في تنافسية قطاع صناعة السيارات على المستوى العالمي.
انعكاسات سلبية
تواصلت انعكاسات تفشي الوباء السلبية على مختلف قطاعات الاقتصاد المغربي ومنها قطاع صناعة السيارات بالمغرب، مع تراجع صادراته إلى الخارج وفقًا لتقارير وزارة الاقتصاد والمالية. الخسائر الإجمالية التي واجهها تصدير السيارات تناهز 13 مليار درهم خلال الشهور السبعة الأولى من العام الجاري بنسبة قاربت 35 في المائة من إجمالي الخسائر.
فتراجعت صادرات الكابلات الخاصة بالسيارات بنسبة 35 % أيضا، وما يناهز 23 % بالنسبة لصادرات التجهيزات الداخلية. أما إغلاق مصانع السيارات التابعة لمجموعة “رينو” بكل من الدار البيضاء وطنجة المتوسط، ومصنع بوجو ستروين في القنيطرة، إضافة إلى باقي الوحدات العاملة في مجال تصنيع أجزاء السيارات، ساهم في وقف عمليات تصدير السيارات وأجزائها، إلى جانب توقف عمليات الاستيراد المرتبطة بهذا القطاع، ما أثر على معاملات القطاع الذي كان يعاني أصلًا تحت وطأة تراجع الطلب العالمي على السيارات منذ بداية العام الجاري.
إلى ذلك كله… يبقى طموح قطاع السيارات المغربي زيادة حجم الصادرات إلى 100 مليار درهم (12.5 مليار دولار) بحلول 2022، ثم 200 مليار درهم (25 مليار دولار) بحلول 2025، ويراهن العاملون في القطاع على صادرات مصنع “بيجو ستروين” بالمنطقة الصناعية في القنيطرة لبلوغ هذا الهدف.