مغني شاب يتحول إلى متشدد ومتطرف، يهدد بقطع الرؤوس ويعلن بيعته لكبير الإرهابيين، عراف متحيل معروف بعبثه وحبه للمال يصبح مواليا لتيار متشدد، ويشارك في عمليات اغتيال من الوزن الثقيل وراقص محترف، ولاعب كرة قدم وغيرهم من الشباب المحب للحياة، يتحولون بين عشية وضحاها الى متطرفين متعطشين الى القتل وسفك الدماء… فعدد من الشبان التونسيين أصبحوا قياديين فيما يسمى بدولة أو تنظيم «داعش» من العراف احمد الرويسي، الذي توفي في ليبيا والمتهم الرئيس في قضية اغتيال الشهيد شكري بلعيد… إلى مغني الراب مروان الدويري المعروف باسم “امينو”… إلى الراقص الرزقي الذي نفذ عملية نزل امبريال بارك بسوسة.
مغني الراب من سجن المرناقية الى سوريا
مغني الراب مروان الدويري، المعروف باسم “امينو”، عرف بإدمانه على الكحول وعلى القنب الهندي.. هذا الشاب كان معروف في وسطه بحبه للسهر واللهو ومعاقرة الخمرة والمخدرات… وفي سنة 2012 دخل إلى سجن المرناقية وقضى هناك ثمانية أشهر ليخرج بعدها باسم مغاير لامينو وهو “أبو أيمن” ..أجل هكذا وضع هذا الشاب نهاية لمسيرة مغني راب، فأطلق لحية بطول قبضة يده ونزع قبعته الرياضية، وأبدلها بطاقية سوداء تشبها بمقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) معلناً عبر صفحته الفيسبوكية هجرته إلى الرقة، أحد مراكز تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا، ونتساءل هنا: هل كان مروان سيتحول إلى قيادي بارز في نظام ارهابي عالمي، لو لم يقضِ تلك الأشهر القليلة في السجن؟ فالشاب مروان سجن من أجل قضية رأي عام فتحول إلى إرهابي.
العراف المتهم بالشعوذة يصبح داعية
مروان الدويري، ليس وحده الذي حوله السجن إلى إرهابي، فالعراف أحمد الرويسي، أحد أبرز قيادات أنصار الشريعة المحظور في تونس، دخل السجن قبل الثورة (2011) بتهمة الشعوذة والنصب والاحتيال والاتجار في المخدرات ليغادره بعد الثورة قيادياً في تنظيم “أنصار الشريعة” الذي صنفته الحكومة إرهابياً في أكتوبر من سنة 2013. والرويسي هو احمد بن محمد الرويسي ابن طاوس الورتاني الملقب بـ”الشوكاني” وايضا بـ”أبو زكرياء”، وهو من بين المحسوبين على التيارات الدينية المتشددة، من مواليد 13 أكتوبر1967 والقاطن بسيدي بوفارس سيدي بوسعيد… كان يشتغل عرافاً مشعوذاً قبل الثورة وكان يستقبل حرفاءه وأصدقاءه خاصة في مكتبه كان بشارع باب بنات وشهر بعراف زوجة المخلوع.
كان محسوباً قبل الثورة على تيار في أقصى اليسار الماركسي، وعاش في سوريا لفترة في منتصف ثمانينات القرن الماضي، ثم أصبح بعد الثورة خاصة في آواخر 2012 وبداية 2013 من أبرز قيادات أنصار الشريعة، استهدف عديد القيادات السياسية، والأمنية وتحوم حوله شبهات الارتباط بقوى إقليمية ومخابراتية.
يلقب “الرويسي” بالصندوق الأسود للمجموعات الإرهابية بتونس، منحرف خطير صادرة في شأنه حوالي عشرة مناشير تفتيش من أجل الانتماء لمجموعة إرهابية والقتل العمد وتهريب الأسلحة النارية وبطاقات جلب صادرة عن أحد قضاة التحقيق. لكنه أفلت من الملاحقة ليستقر في مدينة صبراطة الليبية حيث تم احتضانه من مجموعة تسمى “شباب التوحيد”، وكان قد اعترف انه هو من استهدف الشهيد الملازم سقراط الشارني، وساهم في العملية التي استهدفت ست أعوان من الحرس الوطني في حادثة سيدي علي بن عون، واغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي.
يعرف “الرويسي” بسوابقه العدلية في العديد من الجنح والجنايات أخطرها مسك واستهلاك وحيازة وملكية بنية الاتجار لمادة مخدرة مدرجة بالجدول “ب” وتكوين عصابة مفسدين لتوريد مادة مخدرة إضافة إلى العنف. فر من السجن بعد الثورة وانتحل هويات عدة أبرزها أحمد الرويسي (لقبه الصحيح رويسي) وأحمد الجبالي وأحمد بن محمد محمد بن عمر الرويسي، والحال أن هويته هي أحمد بن محمد رويسي.
وحسب مصادر أمنية مطلعة، فانه أشرف على أحد معسكرات التدريب بدرنة الليبية وتدرب على يديه عشرات التونسيين بين سنتي 2012 و2014، كما أشرف على معسكر تدريب يضم عدداً من التونسيين، ويقال إنه لقيّ حتفه في ليبيا.
راقص يتحول إلى إرهابي
وبالإضافة إلى أمينو والرويسي، نجد منفذ عملية سوسة سيف الدين الرزقي، هذا الشاب (23 عاماً)، متفوق في دراسته الى أبعد درجة، وهو طالب ماجستير في “المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا” بجامعة القيروان. كان بارعاً في فن “البريك دانس”، الذي ملأ الشوارع التونسية منذ سنوات. رأت عائلته وجيرانه وأصدقاؤه من أبناء الحي في مدينة قعفور فيه شاباً عادياً، يدرس ويعمل في حيّه نادلاً في أحد المقاهي أثناء العطل. ولم يلحظ المقربون منه في البداية ميولاً خاصة نحو التشدد أو التدين الواضح. كان كأي شاب تونسي، إلى أن بدأت تصرفاته تتغير قليلاً في الفترة القصيرة التي سبقت إقدامه على العملية، خصوصاً غوصه الواضح في عالم الإنترنت وميوله إلى الانزواء. لكنها لم تكن مؤشرات تلفت الانتباه أو تنبئ بأن تغييراً كبيراً طرأ على سلوكه.
مجرمو الحق العام من السجن إلى أحضان الإرهاب
وقصة التحول في السجن من مجرمي حق عام إلى متشددين دينياً أو مشاريع إرهابيين، عرفها شباب آخرين من قبيل أيمن الحلاق، الذي دخل السجن بتهمة “الزنا” و”معاشرة امرأة متزوجة” وعندما غادره التحق بمعسكرات تدريب الإرهابيين في درنة شرقي ليبيا. فعل السجن فعله أيضا ب “شعيب. ق” الذي دخله بتهمة سرقة هاتف نقّال فغادره والتحق بتنظيم “داعش” في العراق وانتهى به الأمر بأن فجّر نفسه في الرمادي. الأمثلة عديدة لسجناء حق عام تحوّلوا بشكل مفاجئ إلى إرهابيين.
وعلى الرغم من أنه لا توجد أرقام دقيقة عن نسبة استقطاب سجناء الحق العام في السجون التونسية والتحاقهم بالجماعات المتشددة. غير أن المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية يرجّح في دراسة له أن تكون نسبة استقطاب سجناء الحق العام ما بين 30 و40% “أخذا بالاعتبار الهشاشة النفسية ومحدودية المستوى العلمي لهذه الفئة من المجتمع. وتفيد مصادر من وزارة العدل المشرفة على السجون إن عمليات الاستقطاب عرفت ذروتها في السنوات الخمسة الأولى التي تلت الثورة في تونس.