«صرف صرف… change» هكذا يردد عدد من سماسرة العملة في الشارع الأكبر والأكثر حيوية في تونس وهو باب بحر، غير عابئين بالرقابة الأمنية المكثفة. وما يثير الانتباه أن سماسرة العملة يصرفون ويستبدلون الدينار التونسي بالعملات الأجنبية بكل أريحية. ولعل اختيارهم لهذه المنطقة يعود إلى أنها منطقة عبور للعديد من السياح الذين يزورون المدينة العتيقة وكذلك وجود محطة لسيارات الأجرة خاصة بالمسافرين من وإلى الجزائر.
هؤلاء السماسرة، يقومون بالتنسيق مع عدد من العاملين في المقاهي بشارع الحبيب بورقيبة، فعندما ينتبه النادل إلى أن الحريف أجنبي يقترب منه ويسأله إن كان يريد صرف العملة وخاصة الدولار واليورو باعتبار القيمة المرتفعة لهذه العملات مقابل الدينار التونسي. وغالبا ما تتم عملية الصرف بقيمة تفوق قيمة الصرف في السوق المنظم أيّ لدى البنوك المخولة قانونا للقيام بهذه العمليات المالية حيث يتراوح هامش الربح بين 10و 20 بالمائة.
محلات تجارة لإخفاء تجارة العملة
كما أن الكثير من السماسرة يستعملون محلات تجارة الملابس والأحذية كواجهات لإخفاء نشاطها الحقيقي في تجارة العملة. هذه الظاهرة انتعشت بصفة مكثفة في السنوات الأخيرة لعدة عوامل أهمها تفاقم الاقتصاد الموازي الذي أصبح يمثل ما يزيد عن 53 بالمائة من حجم الاقتصاد التونسي، وأيضا الانتعاش غير المسبوق لعمليات التهريب وهذا النوع من الاقتصاد يعتمد على المعاملات المالية نقداً.
وفي هذا السياق، صرح الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان، أنه لا يمكن الحديث عن سوق موازية للصرف دون ربطها بالسوق الموازية للسلع التي اجتاحت كل الاسواق بمختلف أنحاء الجمهورية التونسية. مضيفا أن المصدر الأساسي لتزويد هذه السوق هو التهريب وبالتالي التعامل نقدا سواء بالدينار التونسي أو بالعملات الأجنبية. كما أن تحديد قيمة الدينار مقابل هذه العملات يخضع أساسا لقاعدة العرض والطلب فاذا تقلص توفر الدولار أو الأورو في السوق الموازية، فإن قيمته سترتفع ويعود إلى مستوياته العادية إذا ما توفرت العملات بكثرة خاصة في فترة الصيف أمام عودة المقيمين بالخارج حيث تشهد سوق الصرف انتعاشة ملحوظة سواء في المسالك القانونية أو غير القانونية.
ويقول سعيدان، إن محاصرة ظاهرة الصرف الموازي لا تتم إلا بالسيطرة على الاقتصاد الموازي وتقليصه إلى نسب معقولة لا تتجاوز 10 أو 15 بالمائة من حجم السوق الاقتصادية، زيادة الى التصدي لظاهرة التهريب.
المعابر الحدودية بورصة لتصريف العملة
وتعتبر المعابر الحدودية وخاصة منطقة بن قردان أكثر الأماكن التي يتعامل معها الكثير على أنها بورصة حقيقيّة لتصريف العملة. ورغم تراجعها في السنوات الأخيرة بعد المشاكل التي أدت الى غلق المعبر الحدودي ببن قردان بين تونس وليبيا إلا أنها ما تزال تمثل فضاء غير رسمي للتعاملات المالية التي يقدر عددها بالمليارات خلال اليوم الواحد. وهذه الفضاءات لاستبدال العملة معروفة لدى الجميع أين يتم استقبال المارة من المواطنين عند الوصول للمنطقة المذكورة حاملين الأوراق النقدية بمختلف عملاتها كما أن عملية بيع وشراء العملة الصعبة تتم في إطار غير قانوني وعلى مرأى الجميع. وأحيانا تجد من يبيع ويشتري العملة الصعبة أمام البنوك أو امام القباضات المالية.
وكانت جمعية الاقتصاديين التونسيين، قد أعدت دراسة حول هذه الظاهرة بمدينة بن قردان تبين من خلالها وجود ما يقارب خمسة نقاط كبرى للصرف وتسمى “الصرافة ” ويتفرع عن تلك النقاط الخمس ما يفوق 250 عون صرف يتمركزون داخل محلات صغيرة اشبه بالأكشاك ويوفرون شتى انواع العملة. كما بينت الدراسة أن التحويلات المالية غير القانونية من العملة الصعبة في بن قردان تقدر بحوالي 750 مليار دينار سنوياً أي بمعدل 2 مليون دينار يومياً. كما رصدت الدراسة أن بعض تجار العملة يمتلكون آلات حاسبة للأموال كالتي توجد في البنوك ولهم علاقات كبيرة مع المهربين ولهم ثروات تفوق الوصف بنيت على العيش في خطر حقيقي مقابل مردود مالي وفير.
بارونات التهريب
ويمكن القول إن المؤسسات الرقابية في تونس، لا تقوم بواجبها كما ينبغي لمحاصرة هذه الظاهرة. ويرى العديد من الخبراء أن هناك علاقة بين عمليات الصرف خارج إطار القانون وبارونات التهريب. معتبرين أن المسألة تتجاوز قدرة البنك المركزي لأنها تتجاوز الإطار التنظيمي والقانوني، وتدخل تحت طائلة الجرائم المالية. ومن أهم التداعيات السلبية لتحول عمليات الصرف من البنوك الى الشوارع هي اختلال التوازنات المالية في القطاع المصرفي بمختلف مؤسساته المالية التي تعاني من صعوبات كبيرة منذ سنوات.
ويرى خبراء أن محلات الصرف خارج البنوك موجودة بجل دول العالم وتعمل وفق القانون وتحت رقابة الدولة. ويتم اعتمادها لتسهيل معاملات الراغبين في صرف العملات خاصة من السياح، خاصة وأن السائح يجد نفسه مجبراً على إجراء عمليات الصرف فقط في توقيت عمل البنوك أو بالنزل. فيما تتوفر محلات الصرف في العديد من البلدان بالشوارع الرئيسة وبالمراكز التجارية. وهو ما يطرح إمكانية تقنينها لتسهيل مراقبتها واحتوائها للتحكم فيها.