تصطدم جهود رئيس الحكومة العراقية، “مصطفى الكاظمي” في استعادة سيادة البلاد وقراراتها، بسلسلة من العقبات، التي لا تنحصر بحسب محللي مرصد مينا، بالجانب العسكري والأمني، وإنما تمتد أيضاً إلى الجانب السياسي والواقع الدستوري، الذي لعب دوراً في ترسيخ التبعية لإيران، طيلة عقدين ماضيين تقريباً، على حد قولهم.
وكانت الحكومة العراقية قد اتخذت خلال الأشهر القليلة، التي تبعت تشكيلها، عدة خطوات للحد من سلاح الميليشيات وتوغلها في مفاصل الأجهزة العراقية، مع إقالة رئيس هيئة الحشد الشعبي، “فالح الفياض” من منصبي رئيس الاستخبارات الوطنية ومستشار الأمن الوطني، بالإضافة إلى شن الجيش العراقي حملة عسكرية ضد انتشار السلاح في مدينة البصرة.
لا سيادة بأحزاب خارجية..
على الرغم من كافة الإجراءات العسكرية والأمنية، التي تقوم بها حكومة “الكاظمي”، في ملف السيادة، والدعم الأمريكي والدولي والإقليمي المقدم لها، إلا أن المحلل السياسي، “علي الدليمي”، يؤكد أن كل تلك الجهود ستبقى منقوصة في حال لم تعمد الدولة العراقية إلى تحديث الواقع السياسي وفتح المجال أمام ظهور أحزاب عراقية جديدة على أسس سياسية بعيدة عن الارتباطات الدينية والمذهبية السائدة حالياً، مشدداً على ضرورة تفكيك المنظومة الحزبية الحالية، التي قال إنها ولدت من رحم المحاصصة والمذهبية والتبعية للخارج.
وبحسب نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، تسيطر الأحزاب العراقية المدعومة من إيران، لا سيما التيار الصدري وأحزاب الفضيلة والدعوة والحكمة الوطني ومنظمة بدر وعصائب أهل الحق، التي تعتبر الجهة الأكثر قوة داخل البرلمان.
كما يذهب الدليمي، إلى أن بقاء نظام المحاصصة الطائفية السياسية سيبقي حالة تشكيل الأحزاب على أسس طائفية، والبحث عن الدعم الخارجي للوصول إلى السلطة كما هو الحال اليوم، لافتاً إلى أن كافة زعماء الأحزاب العراقية الموجودة حالياً، “كالصدر” و”عمار الحكيم” و”نوري المالكي” و”فالح الفياض” وغيرهم، نشأوا وترعرعوا في كنف النظام الإيراني، طيلة 40 عاماً، ما يفرض ضرورة إقصاءهم من الحياة السياسية، على حد تعبيره.
في السياق ذاته، يشدد الباحث في الشؤون العراقية، “معتز الجنابي”، على ضرورة اجتثاث الأحزاب الموجودة حالياً، على اعتبار أن الانتخابات القادمة قد لا تكون كافية لإقصائهم من المشهد السياسي، لا سيما مع امتلاكهم عدداً من الموالين لهم، لافتاً إلى أهمية أن تركز الدولة العراقية على إصدار قانون أحزاب مدني، يحظر تشكيل الأحزاب على أسس طائفية.
حصان طروادة..
التعامل مع الأحزاب القائمة حالياً، يجب أن يتم وفقاً لما يراه “الجنابي” في حديثه مع مرصد مينا، على أساس أنها حصان طروادة في العراق، ليس فقط فيما يتعلق بالسيادة والتبعية الإيرانية، وإنما في دورها بتنمية الفساد والمحسوبية ومنع قيام نهضة اقتصادية في العراق، صاحب أعلى ثاني مخزون نفطي في العالم، لافتاً إلى أن محاسبة الأحزاب تضم كل مر به العراق طيلة 17 عاماً.
وكانت منظمات عراقية شبه رسمية، قد أشارت إلى أن حجم الفساد في العراق، بلغ ما يتراوح بين 500 إلى 1000 مليار دولار منذ عام 2003 وحتى مطبع 2020، وهو ما يتجاوز ميزانيات دول مجتمعة، على حد وصف تلك المنظمات.
أما المحلل “الدليمي”، فيعود لربط قضايا الأحزاب بالطائفية والمحاصصة، مشيراً إلى أن أثر الطائفية على العراق، لم يتوقف عند حد ضرب السيادة، وإنما في خلق طبقة حماية للفاسدين من خلال تصوير الأحزاب نفسها على أنها ممثلة للطوائف العراقية وأن أي استهداف لها يمثل استهداف الطائفة ككل، ما شكل بطانة للفاسدين؛ مكنتهم من التوغل أكثر في عمليات الفساد، معتبراً أن أولى الحلول لأزمات العراق هي قيام الأحزاب على أسس وطنية، تجعل منها ممثلة لكافة أطياف الشعب.
ويوزع الدستور العراقي، الذي تمت صياغته بعد سقوط النظام السابق، السلطات على الكتل الحزبية، على أساس طائفي، حيث يتولى الشيعة رئاسة الحكومة والسنة رئاسة مجلس النواب والأكراد رئاسة الجمهورية.
حكومات وليس لوبيات..
قيام الجمهورية العراقية بمعناه الحقيقي، يربط المحلل السياسي، “عمر السامرائي” بتشكيل حكومات على أساس سياسي وطني ذات برامج إنمائية، وليس الانتماء الطائفي أو العرق، الذي يجعل منها ممثلة للوبيات ولقوى سياسية معينة، لافتاً إلى أن كافة الجهود المبذولة حالياً لن تقود إلى تشكيل حكومات ذات كفاءة وفعالية، على اعتبار أن نزع السلاح والترسيخ الأمني، لن يمنع القوة السياسية للأحزاب الحاكمة حالياً، كما أن استمرار النظام الطائفي، سيضع العراق أمام خطر عودة الحكومات المشكلة في طهران.
إلى جانب ذلك، يستشهد “السامرائي” بأزمة تشكيل الحكومة الأخيرة، التي تمكنت خلالها الأحزاب الموالية لإيران من عرقلة تشكيل حكومة اختصاصيين بعيداً عن الانتماءات الحزبية، مشدداً على أن تلك القوى ستحتفظ بقوتها السياسية التي تجعل العراق رهينة لعمليات الفساد والفقر والجوع والبطالة.
ويشهد العراق منذ تشرين الأول الماضي مظاهرات في عدد كبير من المدن العراقية، لا سيما في المدن الجنوبية، احتجاجاً على ارتفاع معدلات البطالة والفقر إلى اكثر من خمس الشعب العراقي وتعمق الفساد وتجذره في الدولة العراقية، وسط انقطاع تام للخدمات عن شت المدن العراقية.