عاد أكثر من مليونين و215 ألف تلميذ إلى المدارس والمعاهد التونسية بشكل تدريجي بعد انقطاع دام لستة أشهر، وفي وقت تشهد فيه البلاد ظرفا صحيا استثنائيا بسبب تفشي العدوى بفيروس كورونا المستجد.
مئات الآلاف من الأسر التونسية، انتابها القلق بشأن مخاطر العدوى بهذا الفيروس، رغم تأكيدات الحكومة على توفر كل ظروف السلامة للعودة المدرسية. وأن وزارة التربية، قد أقرت جملة من الإجراءات الصحية أكدت أنها كفيلة بالتوقي من هذا الفيروس، إلا أن عدد هام من الأولياء والأساتذة اعتبروها غير كافية للحيلولة دون تفشي الجائحة خاصة بعد تسجيل ارقام قياسية في عدد المصابين يومياً.
عدم جاهزية بعض المدارس
ومن بين هذه الإجراءات اعتماد نظام الأفواج حتى لا يتجاوز عدد التلاميذ الحاضرين بقاعة الدرس الواحدة 18 تلميذاً بعد أن كان معدل عددهم يصل إلى 38 تلميذاً. ويهدف هذا الإجراء الذي سيتم تطبيقه بمؤسسات التعليم العمومي والخاص الى احترام التباعد الجسدي كما أكدت الوزارة حرصها على توفير مستلزمات الوقاية من أجل حماية صحة التلاميذ والإطار التربوي.
وسيتم قسم الفصل إلى فوجين واعتماد نظام الدراسة يوما بيوم عبر التناوب بين الأفواج، على أن يتم التقليص من أيام العطل المدرسية بثلاثة أيام من عطلتيّ نصف الثلاثي الأول ونصف الثلاثي الثاني وبأربعة أيام من عطلتي الشتاء والربيع، لتنتهي السنة الدراسية يوم 30 جوان 2021. وستخصص فترة تتراوح بين 4 و6 أسابيع للتدارك بالنسبة لجميع المستويات الدراسية باستثناء السنة الأولى ابتدائي التي سيقع الدخول مباشرة في البرامج المخصصة لها.
ويزداد الوضع تعقيداً خاصة أمام التباين في مستوى جاهزية المؤسسات التربوية اذ يرى الخبراء في المجال أن توفر كل مستلزمات الوقاية لا يعني بالضرورة صفر مخاطر لكن محدودية الجاهزية لدى عدد من المدارس والمعاهد من شأنها أن تزيد من مخاطر العدوى بالفيروس. وقد أظهرت الزيارة التي اداها رئيس الحكومة، هشام المشيشي، نهاية الأسبوع الماضي، إلى عدد من المدارس في بعض المناطق المتاخمة للعاصمة تأخر الاستعدادات وانعدام المرافق ونقص التزود بالمياه في هذه المؤسسات ما يجعل الحديث عن الاستعدادات لمواجهة جائحة كوفيد – 19 ينتفي في ظل اوضاع كارثية تعيشها المدارس العمومية.
وتشكو عديد المدارس في تونس من اهتراء البنية التحتية وعدم توفر المياه الصالحة للشرب، وتقع غالبية هذه المدارس في المناطق الريفية والجبلية والمناطق النائية، وذلك بحسب تأكيدات العديد من الهياكل الحكومية ومنظمات المجتمع المدني.
غياب الماء واهتراء البنية التحتية
كما يشكو عدد هام من المدارس والمعاهد في تونس من انقطاع الماء، وأكد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن 175 مدرسة بجهة القيروان فقط من جملة 313 لا يتوفر فيها الماء… وإجمالا هناك 660 مدرسة تفتقر للماء الصالح للشراب، بينما هناك 2200 مدرسة بها ماء ولكن بصفة غير منتظمة. كما ان أكثر من أربعة آلاف مدرسة تعاني من مشاكل في بنيتها التحتية ورغم تدخل بعض الجمعيات ومكونات المجتمع المدني في عدد من المدارس قصد صيانتها، إلا أن حوادث تساقط الاسقف وتصدع الجدران، تتكرر بشكل متواتر والحالة تزداد سوء من سنة إلى أخرى..
وحسب نقابة التعليم الأساسي فإن هناك مدارس عدة في عدد من الجهات تشكو من نقص في التجهيزات والمعدات وخاصة تشكو من عدم صيانتها واعادة تأهيلها لتكون صالحة للتدريس. وذكرت النقابة أن هناك بعض المدارس أغلقت عدداً من قاعاتها لأنها آيلة للسقوط وغير صحية بالمرة. وقال عضو النقابة توفيق الشابي أنه على المستوى اللوجستي الوزارة تتكلم اكثر مما تفعل فالمدارس تعاني من بنية تحية كارثية زاد في تعقيدها فيروس كورونا كما أدت الأمطار الأخيرة الى انهيار اسقف مدارس وتسرب المياه إليها على غرار مدرسة المرجى بالسرس من ولاية الكاف والتي تسربت اليها المياه منذ الأسبوع الماضي، ومع ذلك لم تقع تهيئتها وهو ما يجعلها غير قادرة على استقبال التلاميذ، مدارس لم تنته الأشغال فيها إلى اليوم، مدارس دون أعوان خدمات… وأكد الشابي أنه في صورة عدم إيفاء الوزارة بتعهداتها بتوفير وسائل التعقيم والنظافة فإن النقابة لن يكون لها استعداد للتضحية بالتلاميذ والمعلمين، وأن النقابة لا تريد أن تكون عودتهم إلى المدارس عملية انتحارية.
من جهتها حمّلت الجامعة العامة للتعليم الثانوي في بيان لها الحكومة ومختلف مصالحها المعنية كامل المسؤولية عما يمكن ان يترتب عن واقع المؤسسات التربوية من استتباعات على صحة كافة أعضاء الأسرة التربوية وسلامتهم وعلى مسار السنة الدراسية الذي قالت انه مهدد جديا بكل الاحتمالات والمخاطر.
تطبيق البروتوكول الصحي
ودعت الحكومة إلى الإسراع بتفعيل ما نص عليه اتفاق 9 فيفري 2019 من ترفيع بنسبة 20 % في ميزانيات المؤسسات التربوية الى جانب توفير كل ما يمكن أن يسد النقائص الموجودة والانكباب الجدي على ما يلزم من حلول على رأسها العودة العاجلة إلى مسار الاصلاح التربوي الجدي والمسؤول على قاعدة برنامج وطني يرتقي بالمنظومة التربوية العمومية. واعتبرت النقابة أن جائحة كورونا عرّت ما بقي مستتراً من نقائص المنظومة التربوية العمومية وأنها كشفت عما أصابها من اهتراء وتدمير وصفتهما بـالممنهج مؤكداً أن ذلك كان نتيجة السياسات التي تصر عليها جميع الحكومات المتعاقبة منذ ما قبل الثورة.
وأضافت ان تخبط سياسات الحكومة في التعاطي مع الجائحة انعكس على الاستعدادات المطلوبة من وزارة التربية لضمان عودة مدرسية تحقق جدلية التلازم بين الحق في التعليم والحق في الصحة وهو ما يترجم استحالة تطبيق اي بروتكول صحي في ظل إحجام الدولة عن رصد ما يكفي من امكانات مادية ولوجستية وصحية لمجابهة الجائحة وذروة انتشارها المرتقبة وهو ما يفقد كل الإجراءات المتخذة جانبا هاما من جدواها وفاعليتها.
من جهته، قال نورالدين الشمنقي، الكاتب العام للنقابة العامة لمتفقدي المدارس الابتدائية بالاتحاد العام التونسي للشغل، إن وزارة التربية تأخرت في طرح مسألة العودة المدرسية وتم الحديث في الموضوع نهاية شهر أوت وتم الاتفاق على نظام الأفواج والتي تهدف الى ضمان الشروط الصحية في المدرسة من تعقيم وكمامات. وأضاف الشمنقي أن وضعية البنية التحتية للمدارس اليوم غير جيدة كما أن عديد المناطق والعائلات غير قادرة اليوم على ضمان توفير الكمامات وتطبيق البروتوكول الصحي بصفة تامة وهو ما تعهدت به الوزارة من توفير الكمامات لبعض للعائلات في عديد من المناطق. وأكد أن هناك عديد السيناريوهات المطروحة اليوم لتنظيم الدراسة مع ضمان السلامة الصحية والتباعد الجسدي وضمان استمرارية التعليم كما أن النقابة ترفض الغاء بعض المواد الفنية.
الوزارة تتحرك
وتجدر الإشارة إلى أن رئيس الحكومة هشام المشيشي، كان قد أعلن يوم الإثنين 14 سبتمبر، إجراءات عاجلة لمعالجة البنية التحتية في مئات المدارس الابتدائية والثانوية، بعد زيارته يوم الأحد مؤسسات تربوية، عاين فيها إخلالات ونقائص قال إنها لا تليق بتونس. وتشمل القرارات تخصيص مبلغ 32 مليون دينارٍ، للانطلاق الفوري في صيانة 400 مؤسسةٍ تعليميةٍ ومعالجة نقص المرافق والتجهيز، على أن تنتهي الأشغال خلال النّصف الأوّل من شهر أكتوبر كحد أقصى.
وأفاد البلاغ الصادر عن رئاسة الحكومة، أنه سيتم تكليف المقاولات الصغرى المحدثة، بأشغال تعهد وصيانة وتوسعة المؤسسات التربوية، لتشمل صيانة دورات المياه وتوفير الماء الصالح للشراب بعد مصادقة رئيس الحكومة على كرّاس الشروط المتعلّق بممارسة نشاط المقاولات الصّغرى.
وأعلنت رئاسة الحكومة في السياق ذاته، عن استئناف مشاريع صيانة وتوسعة المؤسّسات التربوية والتسريع في نسقها، والتي تحظى بدعم المانحين الدوليين واعتماداتٍ مرصودةٍ لهذا المجال، وذلك بعد رفع العراقيل الإجرائية التي حالت دون استغلالها.