أكد الخبير التونسي لدى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، المتعاون مع الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية محمد العامري، أنه “يتم رصد سنوياً 50 مليون دينار (قرابة 17 مليون دولار) لاقتناء السيارات، وقد تم رصد المبلغ في ميزانية هذه السنة “. كما قال إنه يتم سنوياً في وسائل المصالح تخصيص مبلغ حوالي 500 مليون دينار لإصلاح السيارات واقتناء المحروقات”، مشدداً على أن هذا الرقم كبير جدا، حسب تعبيره.
وهذه المعطيات تفيد أن هدر المال العام، التسيب والسرقة، يساهم في انتشار الفساد أمام غياب تام لكل أشكال المحاسبة التي بقيت فقط مجرد كلمة يستعملها المسؤولون والسياسيون في خطبهم الرنانة. ويطالب الخبراء بضرورة دعم أجهزة الرقابة ومراجعة التشريعات والقوانين الموروثة عن النظام السابق لمكافحة ظاهرة الفساد إلى جانب ترسيخ ثقافة مقاومة الفساد لدى المواطنين. حيث تعددت أشكال الفساد وتنوعت ولعل أبرزها انتشار صور على مدى السنوات الماضية توثق استغلال السيارات الإدارية للاستعمالات الشخصية وهو ما أثار جدلاً كبيراً في صفوف التونسيين. فالجميع يقر بوجود تجاوزات في استعمال السيارات الإدارية يقابلها تهاون من قبل السلطات المعنية بمراقبة الأسطول الإداري والسعي للحد من هذه الظاهرة التي انتشرت في شوارعنا.
مشروع لتنظيم استعمال السيارات الإدارية
ويبلغ أسطول السيارات والعربات الإدارية إجمالا 73 ألف عربة باستثناء السيارات الأمنية، تمثل السيارات الوظيفية 3٪ أي ما يناهز 2150 سيارة تسند فقط إلى كتاب الدولة بالوزارات ورؤساء الدواوين والمديرين العامين للإدارات المركزية. أما سيارات المصلحة ذات الاستعمال المزدوج (مهني وشخصي بصفة ثانوية) فتسند لبعض الإطارات والمديرين والفنيين مقابل خصم المنحة الكيلو مترية وعددها 3650 سيارة والنسبة الهامة للسيارات هي سيارات وعربات المصلحة التي لا تستعمل سوى للمصلحة ويمنع استعمالها بصفة شخصية أو دون تراخيص وأذون مسبقة. وأسطول هذه السيارات يضم 67.200 عربة تقريبا وترتكب أغلب المخالفات في هذا الصنف. وغالباً ما يحدث خلط في ذهن المواطن بين هذه الأصناف الثلاثة التي يسمح في اثنين منها للموظف باستعمالها بصفة شخصية (الوظيفية وسيارات المصلحة المزدوجة). ومن المنتظر أن يتم طرح مشروع جديد للمصادقة عليه ينظم استعمال السيارات الإدارية ، حيث سيكون لكل صنف من هذه الأصناف لونا مميزا بالنسبة للوحة تسجيل السيارة الإدارية وهي حاليا بيضاء مكتوبة بالأحمر، وهو ما يجعل السيارة المخالفة معروفة ويمكن التعرف عليها من المواطنين والمراقبين بسهولة.
وفي دراسة قامت بها الجمعية التونسية لمقاومة الفساد، قدرت النفقات التقديرية الدنيا السنوية للسيارات الإدارية بـ760 مليارا كما أشارت الدراسة أيضا إلى حجم التسيب وإهدار المال العام والفساد في كيفية استغلال اكثر من 70 ألف سيارة إدارية.
استغلال غير مسؤول
رئيس الجمعية التونسية لمكافحة الفساد ابراهيم الميساوي، قال إن الجمعية سجلت استغلالا لا مسؤول للسيارات الادارية وإهدار للمال العام في ظل غياب تام للمراقبة أو تطبيق القانون ومحاسبة المخالفين، وقال إنه إذا كانت “كل سيارة تستهلك 10 دنانير من البنزين يومياً، فإننا سنجد أن التكلفة ستصل إلى حوالي 840 ألف دينار يوميا من المصاريف وتصل 60 مليارا من المليمات في الشهر و242 مليارا في العام هذا دون احتساب السيارات الأمنية والعسكرية”، أما إذا كان معدل استهلاك السيارات يكلف 540 ملياراً من المليمات سنويا محروقات فهذا يعني أن 64 بالمائة من نسبة المحروقات المخصصة من الدولة تذهب إلى السيارات الإدارية.
كما أكد الميساوي، أن عدد السيارات الإدارية يعتبر مرتفعا جدا مقارنة بعدد الموظفين الذي يبلغ 700 ألف موظف، خاصة وأن تونس تعيش على وقع تراجع اقتصاديا وكثرة القروض والديون الخارجية، مضيفاً أن المواطن يتعامل مع أملاك الدولة بأسلوب الثأر والانتقام خاصة عندما يجد الأرضية الملائمة للتمادي في الفساد وغياب تام للرقابة من قبل وزارة أملاك الدولة مشيرا أن هناك 11 فريق يقوم بالرقابة وكل فريق به 2 مراقبين فقط وهو عدد قليل جدا لمراقبة الأسطول الضخم للسيارات الادارية.
رئيس الجمعية التونسية لمكافحة الفساد، أكد أن فساد المسؤولين وعدم تعرضهم للمحاسبة على مدى سنوات عمق هذه الظاهرة. وقد تناولت دائرة المحاسبات في تقاريرها ملف السيارات الإدارية في تونس من زاوية كلفتها وذلك بمناسبة التعرض لمنظومة التحكم في الطاقة في تونس.
وقدرت دائرة المحاسبات قيمة الوقود الممكن اقتصاده بـ3 مليون دينار في حال تم تعميم تجربة متابعة أسطول السيارات الإدارية عن بعد وذلك دون اعتبار السيارات التابعة للمؤسسات العمومية والبلديات.
في الأثناء، بينت أرقام الدائرة إلى بلوغ قيمة الاعتمادات المخصصة لمصاريف الصيانة للسيارات الإدارية نحو 12 مليون دينار، نتيجة ارتفاع عدد السيارات الإدارية علاوة عن تنامي عدد السيارات التي يفوق عمرها 10 سنوات، وما يعنيه ذلك من قدم وتهرم الأسطول.
ودعت دائرة المحاسبات، ضمن توصياتها، الهيئة، ونظرًا لتواتر الممارسات المخلة بحسن التصرف في أسطول السيارات الإدارية، بالتفويت في السيارات التي يفوق عمرها 10 سنوات للحد من المصاريف التي تثقل كاهل الدولة، داعية أيضًا إلى تجديد أسطول الدولة باستعمال جزء من المبالغ المرصودة لصيانة السيارات.
الضغط على المصاريف
ولعله من أجل كل هذا، جاء قرار سحب السيارات الادارية والتفويت فيها مع تمكين المنتفع بها من منحة تنقل شهرية. حيث تتجه النية الى الضغط على مصاريف نفقات التسيير والتي من ضمنها السيارات الادارية وما تستهلكه من محروقات وما يتم انفاقه عليها من اموال للصيانة والإصلاح.
وحسب الاتحاد التونسي للمرفق العام وحياد الإدارة، فان قرار سحب السيارات الوظيفية يهم فقط 2000 سيارة من جملة عشرات الالاف من السيارات الإدارية. وانتقد الاتحاد هذا القرار، معتبرا أنّ الموظفين والإطارات العليا في الإدارة التونسيّة يساهمون اختيارياً أو قصرياً في الأعباء الجبائية من خلال الخصم من مرتباتهم، وهم أفضل من أصحاب المهن الحرة في دفع الجباية. ويعتبر هذا القرار خاطئ لأنّه لا يمكن سحب بعض السيارات خاصّة في الوزارات الفنية على غرار وزارات الداخلية والدفاع والخارجية. ولعله كان من المفروض تشريك الأعوان والإطارات في الإدارة التونسيّة في مثل هذه القرارات التي تعنيهم، وكان يمكن التوصّل إلى إجراءات أخرى تقشفية أفضل لتعبئة الموارد من قرار سحب السيارات وليتمّ حصر مصادر التبذير ومراجعتها. والحكومة مطالبة بحد ادني من الوعي ودراسة تداعيات هذا القرار اقتصاديا.
ودعا الاتحاد التونسي للمرفق العام وحياد الإدارة إلى استهداف مصادر التبذير، مقترحاً تفعيل أجهزة الرقابة المصاحبة التي أثارت حفيظة العديد من المسؤولين والسياسيين لأنّهم يعتبرونها “العصا الغليظة ومن بقايا النظام السابق. كما اقترح أيضا تجهيز سيارات المصلحة بجهاز متابعة GPS ووضع شخص مراقب في المآوى التابعة للمؤسسات العموميّة “عندها فقط سيتم تحديد المبذرين”، مؤكّدا أنّ السيارة الوظيفية هي مكمّلة للأجر وهي على ملك المتمتعين بها طالما مازالوا في الوظيفة ومن حقّهم التصرف في السيارة كما يرغبون”.