تقدير موقف
لا يمكن فصل ما يحدث في لبنان اليوم عن مسألة بدأت تبرز مؤخراً على ساحة العالم، ونعني بها مسألة عودة الاستعمار بطريقة مختلفة عما كان سابقاً.
فإذا كان العرب في مرحلة الاستقلال قد طردوا الاستعمار الذي عمل على الحكم بالوكالة عبر حكومات وسلطات داعمة له ومحققة لمصالحه مقابل إسباغ الحماية عليها في المحافل الدولية، فإننا عملياً منذ حرب الخليج نشهد عودة القوى الغربية إلى المنطقة تحت حجج متعددة، تبدأ من حماية النفط ولا تنتهي عند محاربة الإرهاب أو مواجهة إيران أو غيرها، ولعل ما نشهده اليوم في الساحات العربية من وجود التركي والإيراني والأمريكي والروسي ناهيك عن المرتزقة من كل أنحاء العالم، سواء من خلال داعش أو الشركات الأمنية الروسية والغربية، ناهيك عن التدخلات العربية في دول أخرى، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، بما يؤكد أننا نشهد نوعا من عودة الاستعمار بطريقة خفية أو لنقل انتداب مخفف وواضح بعد أن كان يتستر سابقاً خلف الدبلوماسية.
والطامة الكبرى اليوم، أن هذا الانتداب/ الاحتلال بات يحظى بتوافق وإرادة وطلب الداخل، حيث بات لكل فئة الحامي الخاص بها، والذي تطالب بتدخله وترى أن تدخله شرعياً، ما يشير إلى أن نموذج الدولة العربية بشكله القائم قد استفذ وجوده أيضاً، وبدل الذهاب نحو دول ديمقراطية كما أرادت الثورات العربية، نعود إلى الخلف إلى زمن الاستعمار، لنصبح مجرد بيادق على رقعة الشطرنج.
هذا حالنا في سورية والعراق واليمن وليبيا وغيرها، وذلك وسط صراع قوى متعددة وكثيرة طامحة لوارثة الدور الأمريكي في المنطقة، فنحن أمام واقع جديد عبّرت عنه حنين غدار في مسألة لبنان، إذ قالت: “هناك فرق رئيسي. في عام 2005، كان البيت الأبيض مستعداً وقادراً على لعب دور ذكي وفعال في نهاية المطاف، لمساعدة الناشطين المحليين على ترجمة مشاعرهم الحقيقية ورغباتهم إلى إجراء انتخابات جديدة وتشكيل حكومة جديدة. لكن اليوم، تكتفي واشنطن بالاضطلاع بدور ثانوي تاركةً القيادة لرئيس فرنسي نشط ولكن متردد – وهو ترتيب لن ينتج عنه بالتأكيد التغيير الذي يتوق إليه معظم اللبنانيين. ويضغط الفرنسيون من أجل المصالحة والتوافق بين جميع الأطراف، مع تشكيل حكومة وحدة وطنية من نوع ما، من شأنها فقط أن تحافظ على الوضع الراهن وتقدّم كبش فداء – مثل حكومة حسان دياب، التي استقالت بشكل جماعي في العاشر من آب/أغسطس – لتهدئة الشوارع.
ومع ذلك، يحتاج اللبنانيون إلى حل أكثر جذرية. ولن تؤدي استقالة الحكومة إلى تغيّر النظام طالما تحتفظ البيوت السياسية نفسها بصلاحياتها وسلطتها على المؤسسات الأخرى”، الأمر الذي يشير إلى أن هدف الخارج يتقاطع مع مصالح النخب الحاكمة في نهاية المطاف، فهم ليسوا غاضبين لأن الانفجار حصل بل لأنهم لا يعرفون كيف يحافظون على المصالح الغربية في المنطقة، وهو ما استدعى عودة الاستعمار بالصيغ التي نجدها اليوم، لأن وكلاء الاستعمار فشلوا في إدارة ما أتمنوا عليه لصالح القوى الغربية، فبات لزاماً على هذه إعادة تشكيل المشهد من جديد ولو اضطر الأمر عودتها.
تشير هذه الحقائق وغيرها، بما يتعلق بمسألة لبنان أن لا أحد من كل دول الإقليم والعالم يريد فعلاً أن يكون لبنان حراً ومستقلاً وسيداً، بل هم يريدونه أن يكون ساحة صراع لهم، أو خاصرة رخوة في المنطقة، أو بتعبير آخر هو سوق سوداء للمنطقة، لتقوم كافة الدول بأعمالها غير الشرعية من خلاله، فمرفأ بيروت مثلاً، ومرافئ لبنان عموماً، ليس حزب الله من يستخدمها فقط، بل أيضا هذه الدول، سواء عبر صفقات من تحت الطاولة مع حزب الله نفسه أو عبر أدواتها التي تزرعها هي الأخرى في مرافئ لبنان ومطاراته ومؤسساته، لنكون أمام حقيقة مرة، تقول بأن هذا التباكي الذي نشهده حول لبنان، لا يهدف إلا لإبقاء لبنان خاصرة رخوة، فكل منهم يريد إزاحة خصمه من حكم هذه الخاصرة ليضع رجاله لا أكثر ولا أقل، لأن مسألة لبنان في نهاية المطاف مرتبطة بالجغرافيا التي لا يستطيع أحد الخروج منها، فإما ديمقراطية المنطقة ككل وهو ما يبدو مستبعدا اليوم أو بقاء لبنان ساحة إلى أن يأتي يوم تتحول فيه دول الجوار نحو دول ديمقراطية.
حول الانفجار
فرضيات كثيرة قيلت حول سبب انفجار مرفأ بيروت، ألا أن فرضيتين اثنتين تحظيان منهما بإمكانية النقاش الجاد، أولهما: إن السبب يعود إلى الفساد القائم في عمق الدولة اللبنانية ونخبتها السياسية والتي وصلت حداً من اللامبالاة يستطيع فعلاً تفسير ما حدث لمن يعرف لبنان وطبيعة حكامه.
وثانيهما: يتعلق باحتمال وجود أسلحة أو مستودعات سلاح لحزب الله في المرفأ! مما أدى لحصول استهداف إسرائيلي عن طريق الجو أو عن طريق عملاء لمخازن الأسلحة؛ مع احتمال أن يكون الأمونيوم نفسه بتصرف حزب الله أيضاً، حيث تشير دلائل كثيرة إلى وجود علاقة ما بين حزب الله والأمونيوم المتهم باقتنائه وحيازته في أكثر من بلد في العالم.
أمام محاولة القراءة العلمية الباحثة عن دليل، فإن الفرضيتين لهما نفس درجة القوة، بحيث يمكن أن يكون كلاهما صحيحاً، لوجود أدلة منطقية عليه، ففي الحالة الأولى باحتمال أن الفساد واللامبالاة والإهمال هو سبب ما حصل ثمة مؤشرات كثيرة في لبنان تقول ذلك، لأن النخبة الحاكمة للبنان منذ اتفاق الطائف لا يبدو أنها تتعامل مع لبنان باعتباره بلدها، بقدر ما هو محطة للنهب والفساد ومراكمة المال على حساب الشعب اللبناني الذي يعاني الويلات، ولعل ملفات الزبالة والفساد والكهرباء والمياه والأنترنت، وهي أبسط حقوق المواطن، عجزت هذه النخبة الحاكمة عن إيجاد حلول لها منذ انتهاء الحرب الأهلية.
كما أن التطورات الأخيرة التي حصلت في لبنان قبل مسألة انفجار المرفأ، مثل الانتفاضة اللبنانية والانهيار الاقتصادي وحجز أموال المودعين من قبل البنوك وسط لامبالاة النخبة الحاكمة، رغم أن كل المؤشرات تشير وبقوة أن لبنان ذاهب إلى الحضيض، في حين أن أفراد هذه النخبة كانوا يواصلون الصراع فيما بينهم على المصالح والمكاسب؟! بينما الشعب يجوع بالمعنى الحرفي للكلمة.
أمام واقع كهذا، ليس من المستبعد أن يكون الإهمال وصل حداً أن يتم وضع هذه الأطنان من الأمونيوم ثم العجز عن إيجاد حل لها، في بلد لا يستطيع تشكيل حكومة أو تغيير وزير إلا بعد موافقة الخارج وتوافق طوائفه وتياراته، وفي بلد يتحول فيه تعيين أي مدير في مؤسسة عادية إلى مسألة تحتاج إلى توافق طائفي!
فيما يخص الاحتمال الثاني، فإن تاريخ وعلاقة حزب الله مع لبنان والسلطات اللبنانية، تشير إلى أن حزب الله، وهو أمر معلن على لسان الأمين العام للحزب في كافة خطاباته، يخزن السلاح في كل مكان يستطيع الوصول إليه، وهو يومياً يهدد إسرائيل بترسانته من السلاح، بل أبعد من ذلك، ثمة إشارات كثيرة في خطب الأمين العام للحزب إلى الأمونيوم تحديداً، ناهيك عن تورط خلاياه في العالم في تخزين واقتناء وشحن الأمونيوم كما أشارت تقارير كثيرة.
يُضاف إلى ذلك كله، سيطرة حزب الله على كافة الحدود والمرافئ والمطارات في لبنان، ومعرفته بكل ما يدخل ويخرج إلى لبنان، وهو ما عبّرت عنه بوضوح “حنين غدار” من معهد واشنطن، حين قالت في تقرير لها بعد الانفجار: “لم يتغير الكثير خلال العقود الأربعة الماضية. فوفقاً لـ تقرير “وكالة الاستخبارات المركزية” الأمريكية من عام 1987 عن الموانئ اللبنانية، فإن “معظم العمليات في مرافئ لبنان غير قانونية وخارجة عن سيطرة الحكومة”.
وعلى الرغم من تركيز التقرير على الفصائل الفلسطينية خلال الحرب الأهلية اللبنانية ودور النظام السوري، إلا أن ديناميكيات السيطرة أفادت حزب الله، حيث يبدو أنه ورث سيطرة النظام السوري والفصائل الفلسطينية على مرافئ لبنان.
وليس سراً أن حزب الله يتمتع بالنفاذ إلى جميع مداخل لبنان والسيطرة عليها: الحدود السورية-اللبنانية والمطار والمرفأ. كما ليس سراً أن “الحزب” كان يهرّب أسلحة عبر المرفأ لتخزينها في لبنان ونقلها إلى سوريا”.
ناهيك عن امتلاكه جهاز استخبارات خاص به، إضافة إلى تواصله وعلاقته الجيدة وتنسيقه الدائم مع أجهزة استخبارات إقليمية بما يضعه على اطلاع على كل ما يحدث في المنطقة وليس في لبنان فحسب، لهذا فإن احتمال تورطه في مسألة مرفأ بيروت تبقى قائمة، وما يزيدها احتمالا، هو النفي الذي قام به الأمين العام للحزب حين ادعى عدم معرفته بما يوجد في المرفأ، وهو الذي كان حتى قبل أيام يتباهي بمعرفته بما يوجد داخل إسرائيل نفسها ويهدد ويتوعد!
عودة إلى ما قيل سابقاً
سبق لوزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس السابقة أن قالت خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان في تموز ٢٠٠٦ أننا على أبواب شرق أوسط جديد. لم تنجح الاستراتيجية الأميركية في ذلك الحين، ولكن هل توقف السعي الأمريكي/ الإسرائيلي لحدوث ذلك؟
لن نجيب على هذا السؤال الافتراضي الذي نبدأ به تحليلنا هذا، ولكننا نريد أن نتركه في خلفية المشهد ونحن نناقش ما حصل في بيروت خلال انفجار المرفأ الذي دمر مدينة بيروت وأنكبها، لنعود له في النهاية ونحاول أن نقرأ على ضوئه تحولات المنطقة بأكملها منذ ذلك التاريخ حتى اليوم حتى لحظة انفجار المرفأ وما بعده.
حتى لو صدقنا نصر الله؟
لو صدقنا ادعاء حسن نصر الله بأنه لم يكن يعرف بما يوجد في العنبر رقم ١٢، وأن لا علاقة له من قريب أو من بعيد بما يجري في المرفأ حقاً، فإن الواقع اليومي والحقائق تشير إلى أن حزب الله هو الحاكم الفعلي للبلد، وهو المهيمن على كافة الحدود، وهو المالك قرار السلم والحرب، وهذا أمر تثبته الوقائع اليومية، حيث يحتفظ الحزب بسلاحه الذي لم يتورع عن استخدامه في الداخل، وذهب للقتال في سورية والعراق واليمن متجاوزاً قرار الدولة اللبنانية، وهذا أمر لا يمكن أن يفعله إلا حزب قوي يقدم نفسه بأنه الحاكم وأنه الحامي الأساسي “للعهد” كما يسميه، ما يعني واستنادا لبياناته وتصرفاته وخطب الأمين العام، فإن الحزب وحده يتحمل المسؤولية السياسية الكاملة عما حصل، فهو متهم إلى أن يثبت العكس، والمسؤولية السياسية تقع عليه وحده، بانتظار أن يقول القضاء كلمته، وهو القضاء الذي يهيمن عليه حزب الله الذي يعارض تشكيل محكمة دولية للتحقيق فيما حصل، بما يعني صعوبة الوصول إلى الحقيقة التي يعرقلها الحزب نفسه، وهو ما يعيد ويؤكد الشكوك المثارة حوله، دون أن ننسى أن الانفجار حصل قبل موعد نطق المحكمة الدولية لاغتيال الحريري بقرارها، وهو القرار الذي كان متوقعاً أن يدين قادة حزب الله.
عطب النموذج اللبناني
بعيدا عن الانفجار الذي حصل في لبنان، إننا منذ اغتيال رفيق الحريري ولبنان يقف على كف العاصفة، إذ بعد ١٥ سنة من الاستقرار الهش الذي فرضه اتفاق الطائف عادت الأزمات لتعصف بلبنان كما كان منذ لحظة تأسيسه، فبعد اغتيال الحريري وخروج الجيش اللبناني انكسر التوافق العربي الإقليمي الدولي الذي كان راعيا لاتفاق الطائف وتحوّل لبنان ساحة لحروب وصراعات الأخرين وهو ما انعكس على لبنان في حرب تموز ثم استخدام حزب الله سلاحه في الداخل ثم انهيار الحكومات واحدة تلو الأخرى ليعيش لبنان مسألة الأزمة المستمرة، والتي هددت بتحوله إلى دولة فاشلة وفق ما صرح وزير الخارجية اللبناني الذي استقال قبل أيام من انفجار مرفأ بيروت، ولتتحول نبوءته واقعاً بعد استقالته، حيث حدث الانفجار الذي أوصل لبنان إلى قاع النفق، أي إلى دولة فاشلة بالمعنى الحرفي للكلمة، وهو ما شهدت عليه زيارة إيمانويل ماكرون وتجوله في بيروت وكأنه مندوب سامي جديد، وفي الطريقة التي بات العالم كله ينظر فيها إلى لبنان، خاصة بعد الطريقة التي تعاملت بها أجهزة الأمن مع المحتجين، لنكون أمام سلطة سوريالية بكل ما تعني الكلمة من معنى، سلطة عجزت عن حماية الناس وسرقت مدخراتهم ودمرت بيوتهم ولم تهرع لإنقاذهم، ثم تجد الوقت لقمع الغاضبين الذين لم يعد لديهم بيوت أو طعام حتى، أي سوريالية أكثر من هذا؟
ولكن إلام يشير هذا الواقع السوداوي؟
في حقيقة الأمر، إن لبنان اتفاق الطائف وفق الصيغة التي تشكل بها، استنفذ وجوده، ما يعني أننا نشهد عملياً انهيار النموذج اللبناني، وهو أمر عبرت عنه بوضوح الباحثة مها يحيى من معهد كارنيغي في مقال لافت لها كتب قبل انفجار المرفأ وكأنها تتنبأ أيضاً بما هو قادم، وحمل المقال عنوان “كل شيء يتداعى”، جاء فيه: “تنهار اليوم أربعة من خمسة أركان أساسية للبنان الحديث: يتمثّل الركن الأول في أن ترتيبات تقاسم السلطة التي ميّزت البلاد منذ تأسيسها، لم تعد فاعلة، وتُعاني من الشلل السياسي المتواصل والمُنهك. يعتمد نظام تقاسم السلطة على محاصصة للمناصب الحكومية بين مختلف طوائف البلاد. كما أنها ترتكز على النفي الثنائي “لا شرق” و”لا غرب”، الذي يتوقف بموجبه المسيحيون عن السعي لتدخل غربي في الشؤون اللبنانية، ولا يطلب المسلمون الاندماج في المحيط العربي”.
وتضيف يحيى لما سبق، “دور لبنان كجمهورية تجارية يتمحور اقتصادها حول المصارف والخدمات، وصل إلى خواتيمه”، إضافة إلى أن العديد من سكان الطبقة الوسطى في لبنان أصبحوا في “عداد الفقراء، ويقدّر البنك الدولي أن زهاء 50 في المئة من اللبنانيين يعيشون حالياً تحت خط الفقر”، فيما الحريات التي عرف بها لبنان هي أيضاً تتداعى، حيث بات لبنان يتجه نحو مناخات شمولية لم يعرفها تاريخه المعروف بأنه طالما كان ملاذاً للهاربين من بطش سلطاتهم فيما هو اليوم يبطش بأبنائه.
وتقول يحيى أيضا “يستشعر الركن الخامس في النظام اللبناني، أي الجيش وقوى الأمن الداخلي، أيضاً تبعات الأزمة الاقتصادية. فالعسكريون وعناصر قوى الأمن يرون مداخيلهم وتعويضات نهاية الخدمة تتبخّر، شأنهم في ذلك شأن سائر اللبنانيين”، الأمر الذي يضعنا بمواجهة سؤال: هل وصل النموذج اللبناني نهاياته غير السعيدة؟ هل الخطر يهدد فقط آليات الحكم في لبنان وصناعة القرار أم أنه يهدد لبنان الكبير كله؟ وهل لوصول ماكرون إلى لبنان علاقة بحماية الوليد الخديج الذي أنجبته السلطات الفرنسية عبر ولادة قيصرية بعد فصله عن سورية أو بلاد الشام؟ وهل هذا الاستنفاذ أو الانسداد يطال لبنان فقط أم أنه أصبح سمة عربية/ شرق أوسطية؟
محاولة في تفسير ما حدث
في محاولة لتحليل ما سبق على نحو أكثر عمقاً، عبر مقاطعة المعلومات وقراءة الداخل على ضوء تحولات المنطقة والإقليم والعالم والصراعات المعقدة والمتشابكة التي دخلت فيها منطقتنا، فإن تفسير ما حدث، من وجهة نظرنا، بأن ما جرى في مرفأ بيروت هو أمر متعمد ومقصود، وقد حدث بتدبير جهة ما؟ تعرف تماماً ماذا يوجد في مرفأ بيروت، وهو أمر أكبر من مسألة لبنان نفسه ومسألة حزب الله دون تبرئة حزب الله طبعاً، فهو مدان أولاً وأخيراً.
ليس لهذا القول اليوم ما يسنده، سوى ما قد تؤكده النتائج التي ستترتب على هذا الحدث، والذي هو باعتقادنا أكبر من مسألة اغتيال الحريري وتداعياتها، لأنه يأتي في وقت تتفكك فيه دول المنطقة، وفي وقت يجري فيه العمل على قدم وساق لإعادة تشكيل المنطقة ورسمها من جديد، سواء عبر التحالفات الإقليمية أو عبر الصراع الدولي القائم حاليا لملء الفراغ الأميركي في عدة مناطق من العالم، أو الصراع داخل محوري الثورة المضادة الساعية لعرقلة الربيع العربي وإجهاضه أو حتى عملية التغيير الديموغرافي التي شهدنا نماذج متعددة لها في سوريا والعراق حيث تم العمل بشكل ممنهج على ترحيل مسيحيي العراق، فيما انفجار المرفأ استهدف مناطق مسيحية لبنانية طالما شكلت استعصاء أمام حزب الله وتياره، فهل لهذا مؤشر ما؟ خاصة إذا عرفنا أيضا أن حزب الله لعب دوراً بارزاً في عملية التغيير الديموغرافي الواسعة النطاق التي جرت في سورية مؤخراً.
لكن يبقى السؤال:
هل هذه التغيرات تتم ضمن توافق دولي إقليمي محلي واسع يعمل على إعادة تشكيل المنطقة؟ أم أنه في ظل هذه الفوضى العارمة التي يعيشها الشرق الأوسط، يعمل كل طرف على تنفيذ مخططه لإيجاد موطئ قدم له على هذا الجديد الذي يولد، بما يعني ذلك أن احتمالات الخراب القادمة نتيجة صراعات هذه القوى ستكون أعنف وأشد، وهو ما تؤكده الصراعات الكثيرة التي باتت تحتويها منطقتنا: صراع تركي/ يوناني، صراع تركي/ عربي، صراع إيراني/ تركي، صراع إيراني/ عربي، صراع إسلامي/ علماني، صراع الثورات/ الثورات المضادة، تقسيم/ وحدة، فيدرالية/ لا مركزية، عثمانية/ عروبية/ فارسية/، صراعات الطاقة، الصراع الروسي التركي الإيراني الأميركي الصيني، المسألة الليبية، المسألة السورية، المسألة العراقية، الخلاف الخليجي الخليجي….إلخ الآن يضاف لها المسألة اللبنانية، مع احتمالات أن تنضم تونس وسط الصراعات والاستقطابات الجارية فيها، فهل هذا هو مخاض الشرق الأوسط الجديد الذي سبق للأمريكان الحديث عنه أم أنه شيء آخر تماماً؟