راج خلال اليومين الماضيين على مواقع التواصل الاجتماعي، مقطع فيديو يظهر فيه أحد التونسيين وهو من ساكني ولاية سوسة، يعنف أحد الأفارقة. وحسب الفيديو فإن الرجل الأفريقي وقد اتضح انه من الكوت ديفوار، كان يطالب بمستحقاته المالية من صاحب مقهى تونسي، وكان هذا الأخير يشتمه ويعتدي عليه بالضرب طالبا منه المغادرة.
موجة من التعاطف، حظي بها الكوت ديفواري ليصل الأمر إلى حد المطالبة بإيقاف رجل الأعمال التونسي من أجل تصرفاته العنصرية. ولم يمض يومان على الحادثة حتى أعلن الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية بسوسة هيثم بوبكر فتح بحث في القضية، وقد تم سماع المعتدي والأبحاث جارية الآن لمعرفة تفاصيل ما حصل.
هذه الحادثة جعلتنا نفتح ملف المهاجرين الأفارقة الموجودين في تونس، وضعياتهم؟ سلوكهم؟ علاقاتهم بالتونسيين؟ وما إلى ذلك من أمور.
شبكات للاتجار بالبشر
وقد صدمنا خلال إجراء هذا التحقيق أنه توجد في تونس شبكات للاتجار بالبشر يقودها تونسيون، وضحاياهم هم الأفارقة القادمين إلى تونسـ وخاصة أولئك الذين دخلوا بلادنا بطرق غير نظامية، إذ تفيد المعطيات المتوفرة أن عددا كبيرا من الأفارقة وقعوا ضحايا تجار البشر، وسماسرة العمال. إذ يتوسطون للأفارقة في شغل ثم يقبضون أجرتهم من المشغل على أساس أنه هو من يتكفل بخلاص أجورهم مع الاحتفاظ لنفسه بالعمولة، لكنه يحتفظ بكل المبلغ ولا يسلم للأجير أي مليم.
وحسب الجمعية التونسية “قلب الأسد من أجل الإنسانية” التي تعنى بالدفاع عن حقوق مهاجري دول جنوب الصحراء، فان 50 مهاجرا إفريقيا وقعوا ضحايا شبكات الاتجار بالبشر خلال السنة المنقضية. وحسب الجمعية فإنه يتم استقطاب الضحايا من خلال وسطاء في بلدانهم، وعند وصولهم إلى تونس تستقبلهم شبكات مكونة من تونسيين وأفارقة، تخدعهم وتجبرهم على العمل القسري وأشكال مختلفة من العبودية، وبعضهم يحتمل، أملا في تحقيق، رغبتهم بالسفر إلى أوروبا أو لإرسال المال لعائلته. وغالبا ما يصل الافارقة الى تونس من بلدهم في رحلة برية عبر مسالك غير رسمية تربطها بالنيجر ثم ليبيا وصولا الى مدينة مدنين.
الاستغلال الجنسي
ويطمح هؤلاء في الوصول إلى إيطاليا، لكن تتبخر أحلاهم في أغلب الأحيان فيجدون أنفسهم تائهين في مدن تونس يستغلهم السماسرة ورجال الأعمال. وحسب الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر فإن عدد حالات الاتجار بالبشر في تزايد منذ ثلاثة أعوام، إذ توصلت الهيئة إلى 1313 حالة في 2019، و780 حالة في 2018 و742 حالة في 2017.
وقد أكدت روضة العبيدي، رئيسة الهيئة، أن 57% من حالات الاتجار في العام الماضي كانت لنساء، و48.1% لأجانب من 17 جنسية، من بينها ساحل العاج ومالي والسنغال والسودان وليبيا، موضحة أن 76.2% من إجمالي حالات الاتجار بالبشر في العام الماضي، جرى تشغيلهم قسريا، و10.8% تعرضوا للاستغلال الجنسي.
وبلغ عدد المتهمين في قضايا الاتجار بالبشر 841 متهما، منهم 346 امرأة تونسية بنسبة 41.1 %، مقابل 495 من الذكور، وتورطت 185 امرأة في التشغيل القسري مقابل 288 من الرجال، و130 تورطن في الاستغلال الاقتصادي مقابل 179 من الرجال و29 في الاستغلال الجنسي مقابل 16 رجلا.
معاملات ترتقي لمستوى العبودية
على الرغم أن تونس كانت سباقة في إقرار عديد الاتفاقيات والقوانين، ومنها القانون الأساسي عدد 50 لسنة 2018 الخاص بالقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، ألا أنه ما يزال يتم انتهاك حقوق بعض مهاجري جنوب الصحراء في التشغيل القسري واستغلال ظروفهم كأنهم وسائل وآلات للإنتاج وعدم منحهم أجرهم أو معاملتهم بشكل لائق، وهي معاملات ترتقي لمستوى العبودية ولا تليق بتونس ما بعد الثورة.
وتحتل ساحل العاج المرتبة الأولى، في نسبة الفاعلين الأساسيين بالوساطة والاتجار بالبشر، بنسبة 33% والكونغو 14% وليبيا 12%، ثم الكاميرون وتونس 9%، ومصر 2% وفق ما تؤكده دراسة كمية لوضعية المهاجرين “من دول أفريقيا جنوب الصحراء إلى تونس”، أعدتها أستاذة علم الاجتماع بجامعة تونس فاتن المساكني في ديسمبر الماضي. ووفقا للدراسة، فإن 84.90% من 962 مهاجرا من دول جنوب الصحراء موجودون في مناطق بن عروس وأريانة وتونس ومنوبة وصفاقس وسوسة ومدنين (مناطق عبور المهاجرين) تعرضوا للاستغلال الاقتصادي (التشغيل القسري، والعمل بدون راتب) في تونس، و75.60% عانوا من العنصرية و20% تعرضوا للتحرش و3% للعنف و3% عانوا من تدني الأجور وظروف العمل السيئة، مؤكدة أن 17.7% من المهاجرين أفادوا أن تنقلاتهم خارج أوقات العمل خاضعة لرقابة المؤجر.
وتختار شبكات الاتجار بالبشر، من يعانون من أوضاع اقتصادية صعبة، حيث يدفع هؤلاء مبالغ مالية تتراوح بين 3 و4 الاف دينار كعمولة لوسطاء يعدونهم بإيصالهم الى تونس ومنها الى إيطاليا، ولكنهم يتخلون عنهم ويتركونهم لمصيرهم الغامض.
الصمت أو السجن والخطايا
وحسب الفصل 23 من قانون 1968 المتعلق بحالة الأجانب في تونس، فإنه يعاقب بالسجن من شهر إلى سنة وبخطية تتراوح بين ستة دنانير ومائة وعشرين دينارا الأجنبي الذي: يدخل البلاد التونسية أو يخرج منها دون ان يمتثل للشروط المنصوص عليها بالفصلين 4 و5 من هذا القانون والنصوص التي ستصدر لتطبيقه. وكذلك الشأن بالنسبة الى الأجنبي الذي لا يطلب تأشيرة إقامة وبطاقة إقامة في الأجل القانوني أو لا يطلب تجديدها عند انتهاء صلاحيتها. وايضا الأجنبي الذي يواصل إقامته بالبلاد التونسية بعد رفض مطلبه الرامي إلى الحصول على تأشيرة وبطاقة إقامة أو بعد رفض تجديدهما أو عند انتهاء صلاحيتهما أو عند سحب بطاقة إقامته. ونتيجة لمخالفة أوضاع المهاجرين للبنود السابقة، فإنهم يفضلون الصمت في حال تعرضهم للانتهاكات، خوفا من الترحيل والعودة إلى بلدانهم الأصلية التي فروا منها.
ويعتبر تجريم الاتجار بالبشر حديث العهد في تونس، ولهذا من الضروري تقوية الملاحقة المنهجية لهذه الجريمة ومعاقبة مرتكبيها. كما أنّ بعض القضاة (وخاصة وكلاء الجمهورية) يكيّفون الجريمة في مراحل مختلفة من المحاكمة بموجب قانون مكافحة الاتجار بالأشخاص، وهذا ما يطرح بالتالي المشكلة الأساسية المتمثلة في تكريس ثقافة الإفلات من العقاب بالنسبة إلى مرتكبي جرائم الاتجار، مما يثني المتقاضين عن التشكي وخلق تأثير تحرري تجاه الجناة.
هذا بالإضافة الى بطيء إجراءات التقاضي في إطار قضايا الاتجار. فطبيعة جريمة الاتجار يفترض ان تحتّم التدخل السريع ويجب أن تكون ذات أولوية وتتطلب فصلا أسرع من ذلك المتعلق بقضايا الحق العام والقضايا العادية وبالتالي فإنّ وعي السلطة القضائية بخطورة هذا النوع من الجرائم يعدّ أمرا أساسيا.