المصدر: أحوال
تتحدث تقارير سورية عن تولي تركيا تجنيد المئات من المرتزقة السوريين ضد أرمينيا في منطقة قرة باغ الانفصالية التي ترفض غالبيتها سلطة أذربيجان، في خطوة توحي بأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بات يورّط بلاده في بؤر توتر مختلفة للتغطية على الأزمات الداخلية المتراكمة.
وقد نُشرت أخبار نقل المرتزقة السوريين إلى قرة باغ على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأسبوع الماضي وتداولها اللاجئون والمعارضون السوريون وغيرهم ممن يراقبون التطورات في المنطقة ككل.
وساعدت وسائل الإعلام التركية واليونانية في تأجيج الشائعات حول هذا الموضوع. فقد صعّدت تركيا من خطابها ضد أرمينيا في الأيام الأخيرة، واتهمتها بأنها “تلعب بالنار” وأنها قد جندت “إرهابيين”. ويبدو الخطاب الجديد وسيلة أنقرة لتبرير أزمة جديدة والتدخل في القوقاز، مما قد يؤدي إلى تجنيد سوريين كما رأينا في حربها الأخيرة في ليبيا.
وفي أواخر يوليو، تعهد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار بـ”الانتقام” للجنود الأذريين الذين قتلوا في اشتباكات مع أرمينيا.
وطالب وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، في الـ22 من سبتمبر، أرمينيا بوقف “عدوانها” على أذربيجان.
وقال إن “أنقرة تقف جنبا إلى جنب مع أذربيجان… ورحم الله الجنود الذين سقطوا مؤخرا”.
ولسنوات، حرصت تركيا على تجنيد المتمردين السوريين كوسيلة لتحويل الوضع في سوريا لخدمة سياستها الخارجية. في البداية، انشأت مجموعات مثل فيلق الشام ثم الجيش السوري الحر والجيش الوطني السوري ودعّمتها. وجمعت الآلاف من السوريين الفقراء للقتال في جرابلس (في محافظة حلب) في 2016. ثم أرسلت الآلاف الآخرين للقتال ضد الأكراد السوريين في عفرين كوسيلة لتقسيم شمال سوريا واحتلاله.
ثم جنّدت تركيا السوريين وأرسلتهم للقتال في ليبيا أين وقّع حزب العدالة والتنمية الحاكم في أنقرة صفقة مع حكومة طرابلس المحاصرة حول الطاقة والقواعد العسكرية. والآن، يبدو أن أردوغان، الذي يخلق أزمة دولية جديدة كل شهر، يستهدف أرمينيا.
وللمفارقة، فقد خلقت أنقرة أزمات متتالية هذا العام: في إدلب في فبراير ومارس، ثم في ليبيا في أبريل ومايو، ثم قصف شمال العراق في يونيو ويوليو، وتهديد اليونان في شرق المتوسط في أغسطس وسبتمبر. والآن تتعهد بدعم أذربيجان في اشتباكاتها الأخيرة مع أرمينيا.
وقدّم مصدر سوري صورا ومقاطع فيديو لحافلات يُزعم أنها تحمل مرتزقة سوريين جندتهم تركيا لإرسالهم باتجاه أرمينيا يوم الأربعاء الـ23 من سبتمبر. وتشمل تأكيدات بأن هؤلاء السوريين الذين جندتهم أنقرة هم على صلة بمن ارتكبوا جرائم في عفرين وتل أبيض.
وقال المصدر إن هناك مجموعة من السيارات والحافلات على متنها 200 فرد من المرتزقة مرتبطة بجماعة السلطان مراد الموالية لتركيا. وشمل تسجيل نُشر على الإنترنت مجندين سوريين يزعمون أنهم أرسلوا إلى قاعدة بالقرب من الحدود مع أرمينيا.
ويقول التقرير إن الرجال الذين انضموا سيتقاضون 500 دولار شهريا. وبالطبع، يتقاضى الضباط مبالغ أكبر. ويشبه هذا الأمر، تلك الترتيبات المتخذة مع الآلاف من السوريين الذين يعانون من الفقر إذ جندتهم تركيا وأرسلتهم إلى ليبيا بشكل غير قانوني.
ويقول مراقبون إن هذا التدخلات التركية جزء من خطاب أنقرة الهادف إلى تحويل الصراع إلى قضية دينية، والساعي لاستعادة النفوذ الذي كانت تمتلكه الإمبراطورية العثمانية، وهي إمبراطورية قومية تركية نجحت في التمدد تحت شعارات دينية.
وفضلا عن استثمار التعاطف الإسلامي، واستقطاب المجموعات المتشددة لأجندتها، فإن المراقبين يلفتون إلى أن تورط تركيا في التوترات وسيلة من حكومة أردوغان لتشتيت الانتباه عن المشاكل الاقتصادية في الداخل وطريقة لتجنيد المزيد من اللاجئين السوريين الفقراء تحت راية الصراع الديني ضد “الإرهابيين” لتأجيج نيران القومية والتطرف، وهو الخطاب الذي يحاول من خلاله الحزب الحاكم في تركيا تثبيت نفوذه محليا وإقليميا.
ويشير هؤلاء إلى أن هذا المسار سيخلق مشاكل لتركيا، إذ كلما زاد عدد الدول التي تقصفها وتهددها وتغزوها، زاد احتمال توسيع حلف مواجهة العدوان والأزمات والتهديدات التي لا تنتهي.
وعلى سبيل المثال، في البحر المتوسط، دفعت تهديدات أنقرة اليونان وقبرص وإسرائيل ومصر وفرنسا والإمارات العربية المتحدة للعمل معا، وباتت أوروبا أقرب إلى اتخاذ عقوبات ردعية ضد أنقرة.
وبات أغلب السوريين مقتنعين أن الغزو والتطهير العرقي في عفرين دليل على أن أنقرة تشكل تهديدا كبيرا مثل الأسد، والأمر نفسه في ليبيا، حيث باتت اللعبة التركية مكشوفة خاصة بعد أن أعلن رئيس حكومة الوفاق فائز السراج عن استقالته وانزعاج أنقرة من هذا الخطوة، ما كشف لأغلب الليبيين أن ما يهم تركيا هو الاتفاقيات التي عقدتها وليس الأشخاص أو مسار الحل السياسي.