لا يمكن فصل الزيارة الأخيرة لوزير الدفاع الأمريكي، مارك إسبر، إلى الرباط عن بقية جولته المغاربية خلال الأيام الماضية في مستوى أول ضمن المساعي الأمريكية وخطط تأمين منطقة الساحل والصحراء.. يضاف لها أبعاد خاصة تتعلق بالمغرب نفسها عززت من أهمية حيثيات زيارة إسبر ومخرجاتها..
فواشنطن التي تصنف كـ أهم مورد سلاح للمملكة المغربية، خصوصًا خلال العشرين سنة الماضية، ساهمت في تقوية ترسانة الجيش المغربي خلال العقدين الأخيرين بشكل عزز من قدرات الردع في زمن تزايدت فيه التهديدات بشكل ملحوظ فرض الحصول على كافة الإمكانيات لمواجهتها بما يدعم الأمن والاستقرار في المملكة والمنطقة التي باتت بؤرة توتر أمني عالمي في عموم الساحل والصحراء.. والتي تسعى الرباط لدعم دورها الإقليمي هناك.
لتأتي زيارة وزير الدفاع الأمريكي للرباط كنقطة مهمة لتعزيز تلك التوجهات ودعم العلاقات الاستراتيجية العسكرية بين واشنطن والرباط بشكل يدعم مخططات وغايات كلا الطرفين.
خريطة طريق ومحاولات تصميع
اللافت أن محادثات التي ضمت كبار مسؤولي المغرب العسكريين، مع وزير الدفاع الأميركي، مارك إسبر، خلال التوقيع على وثيقة خريطة طريق لآفاق التعاون العسكري في مجال الدفاع بالنسبة إلى العشرية المقبلة (2020 ـ 2030)، قبل أيام.. أظهرت – لأول مرة – سعيًا مباشرًا من الرباط يهدف لتوسيع مجال هذا التعاون ليشمل التصنيع العسكري.. مما يعني جديّة توجه الرباط لتفعيل خيار تصنيع السلاح على أراضيها بعد دعوة سابقة أطلقها العاهل المغربي في هذا السياق..
يضاف لذلك أن مضامين الاتفاق العسكري الجديد الموقع بين المغرب والولايات المتحدة، توحي أن من بين مساعيه.. توطيد الأهداف الأمنية المشتركة، خصوصًا تحسين درجة الاستعداد العسكري، وتعزيز الكفاءات، وتطوير قابلية التشغيل البيني للقوات وفق مؤشرات ذلك الإتفاق.
وبناء على تلك الأهداف، سعت الرباط لاقتراح تعزيز التعاون العسكري مع واشنطن عبر النهوض بمشاريع مشتركة يستثمر فيها المغرب في قطاع صناعة الدفاع.. في مسعى من المغرب لتحفّيز على نقل التكنولوجيا والبناء التدريجي للاستقلالية الاستراتيجية للمغرب في هذا المجال.. وفق دعوة الملك المذكورة.
لم تسرّب الولايات المتحدة أو المغرب المحتوى المحدد بدقة لـ “خريطة الطريق” التي ستربط بينهما في السنوات العشر المقبلة.. في حين يؤكّد عدد من الخبراء الدّوليين أنّ هذه الاتّفاقية ستسمحُ بتطوير العتاد المغربي وانفتاحه على السّوق الأمريكية.
مضامين متوقعة
بموجبِ الاتّفاق العسكري مع الولايات المتّحدة، يستفيد المغرب من امتيازات عديدة.. يأتي على رأسها ضمانُ “حصرية” الإمدادات العسكرية الأمريكية لصالح القوّات المسلّحة الملكية، خاصة في ما يتعلّق بطائرات F-16 التي تعمل الولايات المتّحدة على إدخال مجموعة من التّعديلات التّقنية والتّكنولوجية عليها.
حيث تخضع طائرات “F16” التابعة لسلاح الجو المغربي، لعمليات الصّيانة في مدينة “فورت وورث” الأمريكية بولاية تكساس، وينتظر أن يتسلّم الجيش المغربي سربًا جديدًا من هذه الطّائرات النّفاثة التي تمّ تطويرها وإخضاعها لعدد من التّجارب الحربية.
كذلك ينتظر أن يحصل المغرب على مجموعة من الآليات العسكرية الأمريكية؛ خلا الطّائرات النّفاثة.. من بينها دبابات “أبرامز”، وطائرات “أباتشي” المروحية، ورادارات متطوّرة لحماية سماء المملكة.
يضاف لذلك خضوع الضّباط المغاربة – ضمن خطط التّعاون العسكري – إلى تدريبات مكثّفة لتنمية مهاراتهم وتطوير قدراتهم القتالية وصقلها.
ونقل منتدى القّوات المسلّحة الملكية، أنّ “الاتفاقية العسكرية تهدفُ إلى “تقوية القدرات الدفاعية وتحسين الاستعداد العسكري للمملكة بدعم مخططات تطوير ترسانتها ومكوناتها الممتدة إلى سنة 2030″، بالإضافة إلى “تطوير الشراكة والتعاون القوي بين البلدين في محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة والعابرة للحدود عبر تبادل المعلومات الاستخباراتية وتقوية التنسيق الميداني.
كما سيشمل الاتّفاق تقوية التنسيق والإعداد للتمارين والتدريبات المشتركة بين البلدين لفائدة قوات الدول الصديقة والشقيقة لتعزيز قدرتها على مواجهة الأخطار المتنامية المهددة لأمن واستقرار القارة، كما سيلتزم الجانب الأمريكي لخدمة ودعم مجهودات المملكة لبناء صناعتها العسكرية لخلق اكتفاء ذاتي في ميادين عديدة في هذا الشأن.
خطوات مغربية مدروسة
أقرّت المملكة في شهر يوليو تموز الماضي، قانونًا يسمح بالشروع في تصنيع الأسلحة ومعدات الدفاع.. مع منح تراخيص تسمح بتصنيع الأسلحة والمعدات العسكرية والأمنية المستخدمة من قبل القوات المسلحة وقوات الأمن. ويسمح أيضاً في تصديرها إلى دول أخرى.
قانون صنف كـ “مؤشر قوي” على توجه المملكة نحو بناء صناعة عسكرية وطنية كخيار استراتيجي يمكنها من تحقيق اكتفاء ذاتي ويستجيب لاحتياجاتها في مجال المعدات والذخائر وقطع الغيار، ويجنّبها ثقل تكاليف الصفقات العسكرية.
في حين ربط مراقبون بين تهديدات الأمن القومي للمغرب، في ظل الأوضاع غير المستقرة التي تعرفها منطقة شمال أفريقيا ومنطقة الساحل الأفريقي وجنوبي الصحراء، وبين تبني استراتيجية دفاعية تقوم على أساس اقتناء أسلحة متطورة، وتنويع مصادر التسليح حفاظاً على نوع من الاستقلالية.
يضاف لذلك العمل على تطوير صناعة عسكرية محلية بتصنيع بعض الأسلحة المعينة، وخفض تكلفة الصيانة بإنشاء مواقع عديدة لصيانة المعدات العسكرية.
هذا وتوجه المغرب مؤخرًا لتوقيع العديد من الاتفاقيات لشراء براءات اختراع من بعض الشركات والمركبات الصناعية من دول أوروبية وروسيا والصين والهند، بهدف صناعة وتطوير بعض الأسلحة.
لكن يعدل ذلك كله، التوجه الجديد للتعاون العسكري مع الولايات المتحدة من خلال النهوض بمشاريع مشتركة للاستثمار بالمغرب في قطاع صناعة الدفاع، سيسهم، برأي المراقبين، في فتح أبواب التصنيع العسكري في البلاد.
تعزيز التموضع الإقليمي
اعتبر محمد شقير، الباحث في الشؤون العسكرية والأمنية، في تصريحات لمواقع إعلامية، أن تشجيع المستثمرين المحليين والشركات الأجنبية، بما فيها الأميركية، على الاستثمار في المجال، بلا شك سيعمل على تخفيض فاتورة استيراد بعض الأنواع من الأسلحة، بالتوازي مع بلورة نواة صناعة عسكرية قد تزيد من تقوية وضع المغرب كقوة إقليمية في المنطقة.
ليعلن شقير اعتقاده أن التوقيع على اتفاق عسكري يمتد من عام 2020 الى عام 2030 لا يشمل فقط مجال التدريب والتمارين العسكرية، وعلى رأسها مناورات “الأسد الأفريقي” أو التزود بالأسلحة، بل أيضاً مجال الاستثمار في مجال الصناعة العسكرية.
ما يعطي مؤشرات أن أعلى سلطة في البلاد ترغب في تقوية تلك الصناعة، مع ملاحظة أن الولايات المتحدة تعتبر المغرب مكوّنًا أساسيًا في الشراكة الأمنية والعسكرية التي تجمعهما، كما أنه يشكل في استراتيجيتها العسكرية البوابة الرئيسية نحو أفريقيا.