البعد الايراني في احتدام القتال في ناغورنو كاراباخ كان مادة لبحث نشر على الموقع الالكتروني لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، بدءًا من الموقع الجغرافي الذي يربط إيران مع أذربيجان وأرمينيا وتجمعها معهما علاقات وطيدة بشكل عام، انطلاقًا من الجغرافية ينطلق الباحث فرزين نديمي في بحثه للقول “لذلك لديها مصلحة كبيرة في رؤية البلدين يخففان من حدة التصعيد الأخير في الأعمال العدائية حول منطقة ناغورنو كاراباخ المتنازع عليها ويعودان إلى الوضع الاعتيادي السابق”.
لكن في الوقت الحالي، تبدو طهران منشغلة للغاية بقضايا أخرى وعاجزة عن التأثير على الصراع. ولطالما افتقرت وزارة خارجيتها إلى المهارات اللازمة للتوسط في مثل هذه النزاعات – فقد كانت آخر جهود بذلتها لوقف إطلاق النار في عام 1992، لكن ذلك الاتفاق اندثر فور توقيعه. وبالمثل، لا يرغب «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني بالانخراط عسكرياً، على الأقل في الوقت الحالي. وبالتالي كان سؤال الباحث هو:” كيف سيكون رد إيران إذا استمرت الأعمال العدائية – أو إذا وُفِّرت لها فرصاً جديدة لتعزيز مصالحها”.
على سبيل المثال، تقلق طهران من أنه إذا استعادت أذربيجان مساحات شاسعة من ناغورنو كاراباخ بدعم فعلي من تركيا، فقد يؤدي ذلك إلى إثارة انشقاق كبير في أوساط الأذريين الإيرانيين الذين لديهم إحساس قوي بالهوية العرقية أو الميول الانفصالية. وشهدت المناطق ذات الأغلبية الأذرية في شمال غرب إيران أساساً احتجاجات ودعوات لإغلاق معبر نوردوز الحدودي مع أرمينيا، الأمر الذي من شأنه وقف شحنات البضائع وعبور الشاحنات العسكرية الروسية”.
ورداً على ذلك (والكلام لفرزين نديمي) ، أصدر الممثلون المحليون للمرشد الأعلى علي خامنئي بياناً مشتركاً نادراً يدعم سيادة أذربيجان على ناغورنو كاراباخ، في محاولة واضحة لنزع فتيل القلق الأذري في الداخل. وبالمثل، شدد بيان وزارة الخارجية الإيرانية في 5 تشرين الأول/أكتوبر الذي دعا إلى وقف فوري لإطلاق النار، على أهمية “احترام وحدة أراضي أذربيجان”، وحث أرمينيا على الانسحاب من “الأراضي المحتلة لأذربيجان” من دون ذكر ناغورنو كاراباخ على وجه التحديد. (قوات يريفان تسيطر أيضاً على أجزاء من أذربيجان تقع بين المنطقة الانفصالية وحدود أرمينيا).
تتماشى مثل هذه البيانات وفق الباحث مع حرص إيران المتزايد على تعزيز علاقاتها الاستراتيجية مع باكو، لأسباب ليس أقلها أن البلدين يتشاركان في أكثر من 200 كيلومتر من الحدود البحرية في بحر قزوين الغني بالموارد الهيدروكربونية والتي من الضروري تحديدها. وفي شباط/فبراير 2018، زار وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي أذربيجان لمناقشة توثيق التعاون بين قطاعي الدفاع في البلدين. وبعد عام، تبادل رئيسا القوات المسلحة في البلدين الزيارات لتعزيز هذه الروابط، وعقدت “اللجنة العسكرية المشتركة” في شباط/فبراير 2020 اجتماعها الثاني. كما بحث جيشا البلدين توثيق علاقات التدريب وتبادل الطلاب، بالإضافة إلى إجراء مناورات بحرية مشتركة بين الحين والآخر قبالة شواطئ بحر قزوين، حيث تقع كلتا الأكاديميتين البحريتين الإيرانيتين. فضلاً عن ذلك، لا تخفي إيران نيتها في أن تصبح مزوّداً رئيسياً للأسلحة إلى باكو – ففي أيلول/سبتمبر، بدأت بالمشاركة في “معرض أذربيجان الدولي للصناعات الدفاعية” (“أديكس”). يُذكر أن رفع الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على توريد الأسلحة في 18 تشرين الأول/أكتوبر سيفتح فرصاً إضافية لتعميق كافة هذه الروابط العسكرية.
شعرت طهران أحياناً بأنها مضطرة للانحراف عن علاقاتها التقليدية الجيدة مع أذربيجان من أجل انتقاد العلاقات العسكرية والأمنية المتزايدة للبلاد مع إسرائيل. بل أنها اتهمت باكو بشكل غير مباشر بالسماح للطائرات الإسرائيلية بدون طيار بالتجسس على منشآت نووية في عمق إيران. وفي عام 2014، ادعى «الحرس الثوري» الإيراني بأنه أسقط إحدى هذه الطائرات بدون طيار قرب محطة نطنز (نانتز) لتخصيب اليورانيوم على بعد 600 كيلومتر تقريباً من حدود أذربيجان – على الرغم من أن الصور التي نشرها «الحرس الثوري» أشارت إلى أن الطائرة بدون طيار كانت في الواقع نموذجاً إيرانياً.
وبصرف النظر عن مزاعم طهران، تُعَد أذربيجان بلا منازع إحدى أكبر الجهات التي تشتري أسلحة إسرائيلية، بما فيها طائرات استطلاع بدون طيار وطائرات صغيرة بدون طيار محمّلة بالذخائر (مجهزة برؤوس حربية)، وصواريخ مضادة للدبابات وصواريخ مضادة للطائرات، وصواريخ مدفعية، وصواريخ شبه باليستية موجهة بدقة يصل مداها إلى 400 كيلومتر. وخلال المعارك العدائية الأخيرة، تمّ استخدام الطائرات الصغيرة بدون طيار المحمّلة بالمتفجرات والصواريخ الباليستية من نوع المدفعية البعيدة المدى (LORA) والواسعة النطاق (EXTRA) والراجمة من نوع “لينكس” على نطاق واسع وفعال.
أما بالنسبة للطرف الرئيسي الآخر في النزاع، فإن الروابط العسكرية الإيرانية مع أرمينيا هي أقل علنية لكن تاريخها طويل. فعلى سبيل المثال، لطالما استخدمت طهران شركات واجهة أرمينية لتجاوز العقوبات الدولية المفروضة على نقل الأسلحة وحركة الطيران. وفي عام 2008، اتهمت الولايات المتحدة شركة أرمينية واحدة على الأقل تجمعها علاقات وثيقة بالنخبة السياسية في يريفان بشراء أسلحة روسية لصالح إيران. وحصلت عملية الشراء المشتبه بها في عام 2003، وفي نهاية المطاف وصلت الأسلحة إلى يد الميليشيات الشيعية التي تحارب القوات الأمريكية في العراق.
وفي الآونة الأخيرة، قاد وزير الدفاع الأرميني السابق فيغين سركسيان بعثة رفيعة المستوى إلى طهران في شباط/فبراير 2017 لمناقشة الروابط العسكرية. وفي تموز/يوليو 2020، تابع سفير إيران في يريفان هذا الموضوع خلال اجتماع عقده مع وزير الدفاع الحالي ديفيد تونويان.
تدخل عسكري محتمل؟
إذا لم تتدخل روسيا في النزاع، فقد تساهم الفعالية المستمرة للمنظومات التركية والإسرائيلية في قلب التوازن تدريجياً لصالح أذربيجان، وربما تساعد قوات باكو على الاستيلاء على ما يكفي من الأراضي في الجنوب والشمال لفصل ناغورنو كاراباخ عن أرمينيا. وعلى الرغم من مصلحة إيران في منع مثل هذا الخلل، من المستبعد إلى حدّ كبير أن تُقْدِم طهران على تزويد أرمينيا بمنظومات أسلحة مهمة مثل الصواريخ الباليستية. ومع ذلك، فقد تسمح للأسلحة الروسية بالوصول إلى أرمينيا إذا قررت موسكو إرسالها عن طريق الجو على الأرجح. وعلى المدى الطويل، قد تساعد إيران أرمينيا في تطوير قطاعها الخاص لصناعة الصواريخ والطائرات بدون طيار.
وخلال العقد الماضي، تمّ استخدام الطائرات بدون طيار خلال النزاع على منطقة ناغورنو كاراباخ، لكن التبادلات الفتاكة التي شهدتها الجولة الأخيرة تعزز فعالية حرب الطائرات بدون طيار والأسلحة الدقيقة. وتعتمد أذربيجان في الغالب على إسرائيل وتركيا لبناء أسطولها من الطائرات بدون طيار، لكن قطاع الصناعة الصغير لهذه الطائرات في أرمينيا قد يستفيد من خبرة إيران الواسعة في هذا المجال. ومنذ سنوات، حصلت القوات الخاصة بمنطقة ناغورنو كاراباخ على طائرات بدون طيار إيرانية من طراز “شاهد-123″، كما شوهد ذلك خلال استعراض عسكري في ستيباناكرت عام 2011. وهذا النظام هو نفس النوع الذي استخدمه «الحرس الثوري» الإيراني في السنوات الأخيرة لتنفيذ دوريات استطلاعية في أفغانستان وسوريا؛ كما أن بحرية «الحرس الثوري» أرسلت نسخة مسلحة منها إلى الميدان.
ومع ذلك، تدرك إيران جيداً التفاوت الكبير بين المجتمعين الأذري والأرميني، اللذين يشكلان 16-24 في المائة و0.2 في المائة من سكان البلاد على التوالي. ولهذا السبب، وعلى افتراض استمرار النزاع، فمن المرجح أن يكون أي تعاون عسكري مستقبلي لإيران مع أرمينيا سرياً، ربما من خلال قيام مستشاري «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري» بمساعدة تلك البلاد في تنظيم “الميليشيات المساعدة” التي تهدف إيران الاستعانة بها بالاستناد إلى الخبرة التي اكتسبتها في العراق وسوريا. أخيراً، فإن أداء الطائرات الإسرائيلية الصغيرة بدون طيار المحمّلة بالمتفجرات والصواريخ الباليستية الموجهة في ناغورنو كاراباخ يمنح إيران دليلاً قاطعاً على قوتها، مما يزيد من شبح انتشارها في المنطقة بشكل أكبر.