سياسة الحرق والتعذيب وانتهاك الحقوق والاضطهاد، ليست جديدة على عدد ممن قست قلوبهم في مجتمع طغت عليه الحروب الأهلية وأصوات السلاح المدوية، ما جعل عملية حرق مهاجر حتى الموت في العاصمة الليبية طرابلس، ليست الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة، ما لم يستتب الأمن في البلاد ويعم السلام بين أحفاد المجاهد الأكبر، “عمر المختار”.
في السياق ذاته، صدم العالم بأسره أول أمس بخبر إقدام ثلاث ليبيين على اقتحام مصنع في حي تاجوراء والاعتداء على عمال من المهاجرين الافارقة واحتجاز نيجيرياً وسكب البنزين عليه واضرام النار فيه مما تسبب في وفاته.
وفقاً لبيان أصدرته وزارة الداخلية الليبية التابعة لحكومة الوفاق الليبية، فقد عانى ثلاثة مهاجرين أيضا من حروق؛ ويتلقون العلاج في مستشفى قريب من مكان الحادثة، في حين اعتقل الأمن المهاجمين المشتبه بهم، وجميعهم في الثلاثينيات من عمرهم، وأحيلوا للتحقيق، ولم يتم بعد الإعلان عن دوافع هذه الجريمة المروعة.
جرائم نكراء ضد المهاجرين
حادثة حرق المهاجر النيجيري، تعيد الى الاذهان أيضا عدة حوادث من هذا النوع حصلت في ليبيا، خلال الفترة الماضية، حيث شهر قتل مهاجرين سودانيين على يد السلطات الامنية، في بلدة الخمس الساحلية غرب البلاد، والتي قالت إنهم حاولوا الفرار بعد اعتراض خفر السواحل الليبية لهم في البحر المتوسط، وإعادتهم إلى الساحل.
وقبلها هاجمت عائلة مهرب ليبي قتيل، مجموعة من المهاجرين خلال شهر مايو الماضي، في بلدة مزدة الصحراوية واطلقت النار على 30 مهاجراً على الأقل وقتلتهم جميعاً، وكان اغلبهم من بنغلاديش وفقاً للمنظمة الدولية للهجرة.
عادة ما يعبر المهاجرون ليبيا إلى أوروبا من ساحل طرابلس المضطرب في قوارب مطاطية، ويعترض خفر السواحل الليبية، المدرب من الاتحاد الأوروبي لمنع المهاجرين من الوصول لسواحل أوروبا، الزوارق في البحر ويعيد المهاجرين إلى ليبيا.
في السياق ذاته، تقول جماعات حقوقية إن تلك الجهود تركت المهاجرين تحت رحمة جماعات مسلحة وحشية أو مقيدين في مراكز احتجاز مكدسة وسيئة تفتقر للطعام والشراب، فوفقاً لتقارير أممية؛ يتعرض المهاجرون واللاجئون لأهوال لا يمكن تخيلها منذ اللحظة التي يدخلون فيها الى ليبيا وطوال فترة اقامتهم هناك، حيث يعيش هؤلاء جملة من الانتهاكات والاعتداءات على ايدي موظفين في الدولة وافراد المجموعات المسلحة والمهربين وتجار البشر، والتي تشمل عمليات القتل خارج نطاق القانون والتعذيب والاحتجاز التعسفي والاغتصاب الجماعي والرق والابتزاز.
اغتصاب جماعي
وفقا للتقارير سالفة الذكر، فإن المناخ الذي يسوده الانفلات الأمني في ليبيا يوفر أرضاً خصبة لانتعاش الأنشطة غير المشروعة من قبيل الاتجار بالبشر وشبكات التهريب الإجرامية، ما يترك المهاجرين واللاجئين تحت رحمة عدد لا يحصى من المتربصين، الذين يعتبرونهم سلعا سهلة للاستغلال والابتزاز، على حد وصف التقارير، التي أكدت ان الغالبية العظمى من النساء والفتيات المراهقات اللواتي قابلتهن بعثة الأمم المتحدة في ليبيا أفدن بأنهن تعرضن للاغتصاب الجماعي من قبل المهربين و تجار البشر.
كما أجرى موظفو الأمم المتحدة زيارات إلى 11 مركز احتجاز يقبع فيها آلاف المهاجرين واللاجئين، وقاموا بتوثيق التعذيب وسوء المعاملة والسخرية والاغتصاب من قبل الحراس، وأفادوا بأن النساء غالباً ما يُحتجزن في مرافق ليس فيها حارسات من الإناث، ما يفاقم من خطر التعرض للاعتداء والاستغلال الجنسي، وإنه كثيرا ما يتم إخضاع المحتجزات إلى عمليات تفتيش يقوم بها حراس ذكور بعد تعريتهن.
أما أولئك الذين ينجحون في نهاية الأمر في محاولاتهم المحفوفة بالمخاطر لعبور البحر المتوسط، فيتم اعتراضهم في البحر أو إنقاذهم من قبل خفر السواحل الليبي الذي ينقلهم مرة أخرى إلى ليبيا ليتعرض العديد منهم إلى نمط الانتهاكات والاعتداءات التي هربوا منها للتو، بحسب التقرير.
تواطئ بعض الأطراف الحكومية في عمليات الانتهاك
تتسم مراكز الاحتجاز بالاكتظاظ الشديد ونقص التهوية والإضاءة وعدم كفاية مرافق الاغتسال والمراحيض. فبالإضافة إلى الإساءات والعنف المرتكب ضد المحتجزين هناك، يعاني العديد منهم من سوء التغذية والتهابات الجلد والإسهال الحاد والتهابات الجهاز التنفسي وأمراض أخرى، فضلا عن عدم كفاية العلاج الطبي فيما يتم احتجاز الأطفال مع البالغين في نفس الظروف المزرية.
إلى جانب ذلك، تشير التقارير الاممية إلى التواطؤ الجلي لبعض الأطراف الحكومية، بمن فيهم الموظفون المحليون وأفراد المجموعات المسلحة المدمجة رسميا في مؤسسات الدولة وممثلو وزارة الداخلية ووزارة الدفاع، في تهريب المهاجرين واللاجئين أو الاتجار بهم. كما يتم احتجاز العديد من الأشخاص في مراكز غير رسمية وغير قانونية تديرها مباشرة المجموعات المسلحة أو العصابات الإجرامية. وكثيرا ما يُباع هؤلاء الأشخاص من مجموعة إجرامية إلى أخرى ويُطلب منهم دفع فدية عدة مرات.
وقد فقد عدد كبير من المهاجرين واللاجئين حياتهم أثناء الأسر من قبل المهربين بعد إطلاق النار عليهم وتعذيبهم حتى الموت، أو تُركوا ببساطة ليموتوا من الجوع أو الإهمال الطبي.
من جهتها، قالت رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، “ستيفاني ويليامز”: “هناك إخفاقا محليا ودوليا في التعامل مع هذه الكارثة الإنسانية الخفية التي لا تزال تحدث في ليبيا”، في حين وصفت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، “ميشيل باشليت”، الوضع بأنه مروعّ للغاية، لافتةً إلى أن التصدي لظاهرة الإفلات من العقاب المتفشية لن ينهي معاناة عشرات الآلاف من المهاجرين واللاجئين من النساء والرجال والأطفال الذين يسعون إلى حياة أفضل فحسب، بل سيقوّض الاقتصاد الموازي غير المشروع والقائم على استغلال هؤلاء الأشخاص ويساعد على إرساء سيادة القانون والمؤسسات الوطنية.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مركز أبحاث ودراسات مينا©