تزامناً مع تأكيد وإصرار وزارة الصحة التابعة للنظام السوري، بأن عدد الإصابات بفيروس كورونا المستجد، كوفيد 19، لم يتجاوز 4673 إصابة، وأن الوفيات حتى صباح الأحد، وصلت إلى 221 حالة، تكشف مقبرة “نجها” جنوب العاصمة السورية، عن واقع مختلف تماماً للوباء، لا سيما في ظل تزايد عدد القبور فيها خلال شهري آب وأيلول الماضيين، وفقاً لما كشفته مصادر مينا.
لماذا نجها؟
وفقاً لما يقوله مصدر خاص من داخل الكوادر الطبية العاملة مع النظام، لمرصد مينا، فإن النظام خصص المقبرة واسعة المساحة والبعيدة نسبياً عن المناطق السكنية، لتكون مكان لدفن المتوفين بالوباء التاجي، مشيراً إلى أن بعدها عن المناطق المأهولة ساعده بالمزيد من التكتم على الإحصائيات الحقيقية.
إلى جانب ذلك، يوضح المصدر، المقبرة تلقت خلال شهر آب الماضي وحده، معدل دفن موتى أعلى بضعفي قدرتها الاستيعابية اليومية، والتي تقدر بما يتراوح بين 40 إلى 50 جثة يومياً، لافتاً إلى أن معدلات الدفن في بعض الأوقات وصلت إلى ما يتراوح بين 80 إلى 90 جثة في اليوم الواحد.
وكانت الإحصائيات غير الرسمية، التي أصدرتها بعض الجهات الطبية، قد أكدت أن مدينتي دمشق وحلب، هما الأكثر تسجيلاً للوفيات والإصابات بالفيروس التاجي، منذ ظهوره وحتى الآن.
في السياق ذاته، يضيف المصدر: “اختيار النظام لمقبرة نجها، يساعده على خلط الوفيات الناجمة عن كورونا بالوفيات الناجمة عن الحرب، كونها المقبرة التي خصصها خلال السنوات العشر الماضية لدفن ضحايا العمليات العسكرية”.
إحصائيات شبه رسمية ونعوات تكشف المستور
على الرغم من محاولات النظام السوري التكتم والتشديد على سرية المعلومات الطبية من خلال فرقه الأمنية الموزعة في المستشفيات الرئيسية، بحسب ما سبق لناشطين أن أكدوه لمرصد مينا، تكشف النعوات المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي، تزايد معدلات الوفاة في سوريا خلال الأشهر الأربعة الأخيرة، بحسب ما يؤكده الناشط، “أبو رامي”، مضيفاً: “خلال اليوم الواحد يظهر أمامي ما لا يقل عن 4 نعوات لأشخاص أعرفهم في سوريا، وعلى الرغم من عدم كتابة سبب الوفاة إلا أن خلال مشاركتنا في العزاء تكشف عوائل المتوفين بشكل غير مباشر عن ارتباط الوفاة بكورونا”.
كما يشير “أبو رامي” إلى أن تلك النعوات المنشورة على صفحات التواصل الاجتماعي، تثبت بشكل قاطع وجود فجوة كبيرة بين إحصائيات النظام وبين الواقع، لافتاً إلى أن أسرته فقدت أربعة من أفرادها، خلال شهري حزيران وتموز الماضيين، بسبب كورونا، في حين أخرجت سلطات النظام شهادات الوفاة بالسكتة القلبية والالتهاب الرئوي الحاد.
حديث “أبو رامي” عن النعوات ومواقع التواصل الاجتماعي، جاء متزامناً مع ما تكشفه منظمات حقوقية سورية عن إحصائيات غير رسمية، تشير إلى أن العدد الفعلي المسجل لمصابي كورونا في مناطق سيطرة النظام يصل إلى 33850 مصاباً، في حين يصل عدد الوفيات إلى أكثر من 1800 حالة، حتى مساء السبت.
لا أحد يملكها .. وكورونا قد يكون القاتل الأكبر
تعليقاً على الإحصائيات والتدهور الصحي وتفشي الوباء، يؤكد الاخصائي في أمراض الرئة، الدكتور “أحمد كسواني” أن لا أحد ولا أي جهة يمكنها تقييم حجم الكارثة في سوريا أو الأرقام الحقيقية حول الوباء، لعدة أسباب، أولها افتقار سوريا للمراكز الخاصة باختبارات الوباء والوفيات الناجمة عنه، وثانيها عزوف الكثير من المصابين عن الذهاب إلى المستشفيات أو عدم استقبالهم فيها.
إلى جانب ذلك، يوضح “كسواني” أن كافة الأعداد المقدمة غير دقيقة، ولكن الثابت طبياً بأن تسارع وتيرة الإصابات وتصاعد معدلات الوفيات، قد يجعل من كورونا القاتل الأكبر للسوريين، خاصةً إذا ما تم التزاوج بينه وبين انفلونزا الشتاء، على اعتبار أن البلاد تقترب من دخول فصل الشتاء، وأن انتشار الانفلونزا أمر عادي في سوريا، مشدداً على أن الإحصائيات الفعلية للوباء تحتاج المزيد من الاختبارات والمراكز والفرق الطبية المختصة على الأرض.
كما يلفت “كسواني” إلى أن ارتفاع معدلات الإصابة والوفيات ضمن الكوادر الطبية، والتي وصلت حتى مطلع الأسبوع الماضي إلى نحو 87 وفاة نتيجة الإصابة، تعكس حجم الكارثة الصحية في سوريا، سواء من ناحية الإحصائيات أو من ناحية مدى أهلية المراكز الطبية السورية لمواجهة المرض.
وسبق لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” أن اتهمت السلطات السورية بتعريض عمّال القطاع الصحي لخطر الإصابة بفيروس كورونا في المناطق الخاضعة لسيطرتها، بسبب حرمانهم من وسائل الوقاية، مشيرة الى أن عمّال القطاع الصحي يواجهون نقصاً خطيراً في المعدّات الشخصية الوقائية.
على أبواب المستشفيات ودائرة خطر تتسع لـ 80 في المئة
مستقبل قاتم ونهاية لا تلوح في الأفق، وأوضاع تكشف عن احتمالية أن تصل مستويات الإصابة في سوريا إلى نحو 80 في المئة من السوريين، يقول الدكتور “الكسواني” في ترجيحاته لما ستقبل عليه سوريا خلال الفترة القادمة، مضيفاً: “عندما تتحدث دولة كألمانيا وبإجراءتها الاحترازية المشددة، عن إمكانية وصول الإصابات فيها إلى 60 في المئة، فإن معدل الإصابات في دولة كسوريا قد يتجاوز الـ 80 في المئة، خاصة وأن المرض عبارة عن وباء فيروسي معدي ينتقل عبر الهواء ويبقى لفترة طويلة على الأسطح”.
في السياق ذاته، يؤيد مصدر طبي خاص بمرصد مينا، من داخل مستشفى دمشق، فرضية الدكتور “الكسواني”، لافتاً إلى أن نسبة الـ 80 في المئة، قد تكون النسبة الفعلية الحالية للإصابات، في ظل عجز المستشفيات بشقيها الخاص والعام عن استقبال الحالات المرضية أو المصابة بكورونا المستجد.
المؤشر الأكبر، الذي يعتمد عليه المصدر في تقديراته لمعدلات الإصابة ونسبتها ومستقبلها، يرجعه إلى أن المستشفيات لا تستقبل إلى المرضى، الذين يعانون من أعراض متقدمة جداً، وترفض أي مريض يعاني من أعراض خفيفة أو متوسطة، مشيراً إلى أنه وعلى الرغم من تلك الانتقائية إلا أن المستشفيات ممتلئة بالكامل، وأن منظر المرضى المكدسين أمام المستشفيات بات مظهراً اعتيادياً.
الطامة الكبرى في القطاع الصحي السوري، بحسب ما يلفت إليه المصدر، يتمثل في عدم وجود اسطوانات أكسجين كافية وعدم وجود أسرة وافتقاد الكوادر الطبية السورية للخبرات اللازمة للتعامل مع الوباء، مشيراً إلى أن النظام الصحي السوري عاجز تماماً عن تقديم أي شيء للمرضى، لدرجة أن لا فرق بين بقاء المريض في منزله أو توجهه إلى المستشفى، في حال تمكن من تأمين إسطوانة الأوكسجين اللازمة له، وهو ما يعتبر بحد ذاته تحدياً كبيراً أمام المرضى، على حد وصفه.
كما يختم المصدر حديثه مع مرصد مينا، بالتأكيد على أن كورونا أباد عوائل بأكملها، كاشفاً أن إحدى الحالات، التي تابعها، توفيت فيها الأم وتلاها ولداها، وذلك خلال ثلاثة أيام فقط، مشيراً إلى أن عجز المشافي عن استقبال المرضى وعزلهم وبقاء المصابين في منازلهم، ساهم في انتشار العدوى بشكل كبير بين الأسر، وأن رهان السوريين اليوم، بات متعلق برحمة الله وقدرتهم الخاصة والبدنية على مواجهة المرض.
وشهدت سوريا خلال الأشهر الماضية، الإعلان عن وفاة العديد من المسؤولين الحاليين والسابقين والفنانيين والمشاهير، جراء إصابتهم بالوباء، كان آخرهم، خال رأس النظام، رجل الأعمال “محمد مخلوف”، وقائد منظمة جيش التحرير الفلسطيني، للواء “طارق الخضراء”، وعدد من الوزراء السابقين.