ذهبت معظم التوصيفات، التي أطلقت على الاتفاق الذي وقعته الحكومة الاتحادية في بغداد مع كردستان العراق، حول منطقة سنجار بأنه «تاريخي»، لأنه يقطع الطريق على أكثر من جهة دولية وإقليمية منتهكة للسيادة العراقية، الاستمرار بالانتهاكات، ووضع حدٍ للنزاع الدائر على قضاء سنجار، عبر خارطة تسوية تكون الأساس والانطلاق لإيقاف الدولة الأكثر انتهاكاً للأراضي العراقية، ونعني هنا تركيا، التي بمجرد قطع الطريق أمامها ستكون بداية حقيقية لإدارة القضاء من قبل الحكومة المركزية، إدارياً وأمنياً، والتي ستفتح أبواب العودة لأكثر من 45 ألف عائلة نازحة في المخيمات، إلى بيوتهم الذين عانوا الأمرّين منذ هجوم تنظيم «داعش» الإرهابي على مناطقهم، واختطاف وسبي آلاف النساء، ذات الأغلبية الإيزيدية، ولجوء الناجين للمخيمات في ظل ظروف حياتية ومعيشية صعبة.
بإعلان الاتفاق عملياً الذي في الأساس يجري على- وضمن- الأراضي العراقية، وعلى الرغم من تناول العديد من التقارير أنه يعزز سلطة حكومة بغداد على سنجار، فإن هذا ليس بالاستنتاج الخطير، لأن وصف الاتفاق بـ«التاريخي» لم يكن لأجل هذه النقطة؛ وإنما نزاع باقي الأطراف عليها، والتي كانت سبباً بضياع أهالي المنطقة أنفسهم وعدم معرفتهم لأيّة جهة ينتمون في ظل تواجد أربعة أطراف على أقل تقدير، وهي: (قوات البيشمركة التابعة لإقليم كردستان العراق، القوات الاتحادية التابعة لحكومة بغداد، مقاتلو حزب العمال الكردستاني التركي، وفصائل من الحشد الشعبي التابعة للميليشيات الإيرانية)، لذلك فإن النقطة الأهم في الاتفاق بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان العراق، هي إخراج مقاتلي حزب العمال الكردستاني والحشد الشعبي معاً، وإنهاء الانتهاكات التركية.
اتفاقات أبناء البلد الواحد
التوقيع على الاتفاق نقطة تسجل لرئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، خاصة وأن معظم المسؤولين الذين قبله من أعلى الهرم في العراق الرئاسة مروراً بالبرلمان، ووصولاً إلى المحافظين، لم يستطيعوا التوصل لاتفاق من هذا قبيل رغم أنه يجري بين أبناء البلد الواحد، والتي قد تكون نقطة الانطلاق لحل مشاكل مختلف المناطق المتنوّعة اثنياً ودينياً إن لم يكن جميعها، خاصة وأن اللقاءات كانت بحضور ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق، جينين بلاسخارت، التي تمنت في بيان رسمي أن يكون الاتفاق «بداية فصل جديد لسنجار تأتي فيه مصلحة أبناء سنجار في المقام الأول وأن تساعد هذه البداية الجديدة النازحين على العودة لمنازلهم وأن تسرع من وتيرة إعادة الإعمار وتؤدي إلى تحسين تقديم الخدمات العامة». ما يؤكد أهمية التفاهم والاتفاق وتأثيره على المستوى المحلي والدولي، بسبب التنوع الديني والأثني الذي تحدثنا عليه آنفاً.
إن التسوية وفق ما تحدث عنها الكاظمي، ستفتح بابا ً لفتح جميع الملفات وخاصة المختطفين، والبحث عنهم بالتواصل مع الجهات المحلية والإقليمية، ومن هذا المنطلق أكد الكاظمي أن «الحكومة الاتحادية وبالتنسيق مع حكومة الإقليم ستؤدي دورها الأساس في سبيل تطبيق الاتفاق بشكله الصحيح، لضمان نجاحه، وذلك بالتعاون مع أهالي سنجار أولاً». كما شدد رئيس الوزراء خلال التصريحات التي أطلقها عقب الإعلان عن الاتفاق على أن «العراق ترفض استخدام أراضيه من قبل جماعات مسلحة للاعتداء على جيرانه سواء الجار التركي أو الجار الإيراني وباقي جيراننا». هذا التشديد الذي كان واضحاً هدفه انتهاء وجود القوتين التي تتحجج كلاً من النظام التركي، والإيراني وجودهما وانتهاكهما للسيادة العراقية.
قضاء سنجار جغرافياً
قضاء سنجار هي مقاطعة في محافظة نينوى العراقية، مركز المقاطعة هو مدينة سنجار والتي تعني بالكردية «شنغال»، يوجد في القضاء منطقتان فرعيتان رئيستان هما الشمال والقيروان، تتميز منطقة سنجار بأنها واحدة من اثنين من المراكز السكانية الرئيسة للإيزيديين، والأخرى التي تسمى مقاطعة شيخان. وفق كتب التاريخ التي ذكرت أنه تم إنشاء قضاء سنجار في عام 1934م بموجب مرسوم ملكي، بعد ثورة الإيزيديين عام 1935م، تم وضع المنطقة تحت السيطرة العسكرية حينها.
أما في العصر الحديث وفي ثمانينيات قرن العشرين، وتحديداً في عام 1987م ألغيت منطقة الشمال، التي تشكلت في الأصل عام 1936م، وأضيفت منطقتها إلى سنجار، تم تشكيل القيروان كمقاطعة في عام 1977، كما ألغيت في عام 1987، وأضيف إلى القضاء، وفي عام 1994م، تم ادراج الشمال والقيروان كمنطقة فرعية؛ ومنذ ذلك الوقت تعرف مدينة سنجار بأنها مركز قضاء تقع في غرب محافظة نينوى الشمالية على جبل سنجار، التي تبعد 80 كيلومتراً عن الموصل عاصمة المحافظة، وتسكنها غالبية ساحقة من الإيزيديين وأقلية من التركمان والعرب ويبلغ عدد سكانها حوالي 100 ألف نسمة، قبل هجوم تنظيم «داعش» الإرهابي عليها منتصف عام 2014 وارتكاب جرائم إبادة جماعية بحق السكان.
هل تغير مباركة الحليف المعادلة؟
أرسلت الولايات المتحدة الأميركية، إشارات إيجابية إلى الحكومة العراقية وحكومة اقليم كردستان، وباركت بعقد الاتفاق والتوصل إلى اتفاق تعاون مشترك في سنجار، موقف واشنطن جاء عبر السفارة الأميركية في بغداد التي قالت «نحن نتطلع إلى تنفيذه بالكامل ونأمل أن يؤدي هذا الاتفاق إلى أمن واستقرار دائم للشعب العراقي في شمال العراق».
تأتي التهاني الأمريكية للاتفاق بعكس حليفها «قوات تحرير شنغال» التي عملياً تتحرك بأوامر قادة الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا، وترى نفسها جزء من المنظومة ذاتها، والتي طالبت من الأهالي في قضاء سنجار الخروج بمظاهرات تنديدا بالاتفاقية التي تم توقيعها بين الحكومة المركزية والاقليم بشان أوضاع القضاء وتشكيل إدارة جديدة فيها، ورفعوا لافتات وشعارات تقول: أن «الأهالي يرفضون هذا القرار لعدم إنصافهم فيها، وعدم إشراكهم في الاتفاقية، وأنهم يرفضون تواجد قوات البيشمركة في القضاء مجدداً»، دون أيّة إشارة للحزب العمال الكردستاني التي تتحجج تركيا بالتدخل في الأراضي العراقية بسببهم.
وضع حد للتدخل التركي
وهذا ما بالذات ما تحدث عنه الخبير الاستراتيجي العراقي، طالب الأحمد، خلال تصريحات أدلى بها لـ«العين الإخبارية»، حين رأى أن «مثل هذا الاتفاق يؤكد قدرة الحكومة على تجاوز الخلافات في منطقة بالغة التعقيد، وتشهد تشابكا وتقاطع المصالح الإقليمية والدولية، لأن تركيا تبرر وجودها في العراق وشن الهجمات بذريعة مطاردة عناصر الحزب العمال الكردستاني»، مشدداً على أن «هذه التطورات من المفترض أن تلاقي صداً من قبل أنقرة، وستفرض عليها قراءة المشهد عبر المعطيات الجديدة».
كما جاءت تصريحات النائبة عن قضاء سنجار، «خالدة خليل»، للموقع ذاته، بعكس هؤلاء الذين خرجوا بمظاهرات هناك بأوامر وصفت بـ«خارجية»، إذ قالت النائبة، إن الاتفاق «يعد بمثابة تطور نوعي في مستوى العلاقة بين بغداد وأربيل، ويهيئ لتفاهمات مستقبلية أكبر بشأن الكثير من القضايا الخلافية بين الجانبين».
ورأت «خليل» أنه لا بد من «ضرورة إعادة الثقة لسكان القضاء من الإيزيديين بالحكومات المحلية والاتحادية، وتوفير الضمانات لعدم تكرار تلك الأحداث»، مؤكدة في ختام تصريحاتها أن «إخراج مسلحي العمال الكردستاني وبقية القوات غير الشرعية في القضاء، ضرورة ولا بد أن تكون هنالك خطوات عملية وقانونية لتطبيق بنود الاتفاق وبسط السلطات على القضاء، على أن يكون الحوار سيد الموقف لسحب الفصائل غير المرخصة في سنجار».