تزامناً مع تصاعد معدلات الإصابة بوباء كورونا، وإحياء العالم لذكرى اليوم العالمي للقضاء على الفقر، التي تتزامن مع اليوم، السبت، تشير الإحصائيات الرسمية وتوقعات الخبراء إلى أن الأردنيين يتجهون ليكونوا أكثر فقراً خلال الأشهر المتبقية من العام الحالي، متأثرين بالتبعات الاقتصادية، التي خلفها الوباء التاجي.
وسبق لمنظمة يونسيف، أن كشفت في وقت سابق، عن تراجع كبير في مستويات 63 في المئة من الأسر الأردنية، لا سيما بالنسبة لموظفي القطاع الخاص والعمالة الحرة، خاصةً بعد فترة الإغلاقات وحظر التجول، وتعميم الحكومة السابقة، الذي منح شركات القطاع الخاص، الحق بتخفيض أجور الموظفين بنسبة تتراوح بين 30 إلى 60 في المئة.
بين الأمس واليوم.. فقر وفقر مدقع
الإحصائيات الرسمية، وبحسب ما تكشفه الأمين العام للمجلس الأردني الأعلى للسكان، “عبلة عماوي”، تقسم فئات الفقر في البلاد إلى شريحتين، الأولى هي الفقر والتي تصل إلى 15.7 في المئة من إجمالي السكان، والثانية هي الفقر المدقع، والتي تصل إلى 0.12 في المئة ، لافتةً إلى أن الإحصائيات المذكورة تتعلق بالفترة بين 2017 إلى 2018، وتشير إلى أن عدد الفقراء في الأردن وصل إلى 1.069 مليون أردني.
وسبق لدراسة نشرها مركز الفينيق الاقتصادي، أن رجحت تصاعد تراجع معدلات معيشة الأسر الأردنية بمعدل 64.7 في المئة خلال الفترة المتبقية من العام 2020، في حين كشفت تقارير أممية أن 4 عوائل من أصل 10، في الأردن غير قادرة على تأمين حاجياتها الطبية وغير الغذائية.
من جهته، يشير الباحث في سوق العمل الأردني، “غياث خوالدة” في حديث مع مرصد مينا، إلى أن الواقع الحالي لا يتوافق مع الإحصائيات الرسمية، على اعتبار أن كافة الإحصائيات المقامة على أسس علمية تتعلق بفترة ما قبل كورونا، مضيفاً: “اليوم كل شيء تغير على أرض الواقع، خط الفقر، الدخل، العجز في المدخرات، الأسعار، عادات الشراء وسلم الأولويات، وبالتالي فإنه لا يمكن حتى اللحظة إيجاد تقييم حقيقي رسمي للموقف المالي في الأردن، على مستوى المواطن”.
وكانت الحكومة الأردنية قد أعلنت نهاية العام الماضي، عن وجود مليون وتسعة وتسعين ألف فقير في إجمالي البلاد، وذلك قبل اندلاع أزمة كورونا عالمياً بأسابيع قليلة.
إلى جانب ذلك، يشدد “خوالدة” على أن نسبة الفقر بصيغة تقديرية وعملية حسابية بسيطة، قد تصل إلى 25 إلى 30 في المئة من الأردنيين، موضحاً: “في ظل موجة الغلاء الحاصلة فإن خط الفقر قد ارتفع حكماً من 100 دينار شهرياً للفرد و650 دينار للأسرة، كما هو مقدر رسمياً، إلى ما لا يقل عن 150 إلى 170 دينار أردني للفرد و900 دينار للأسرة شهرياً، كما تفرضه الظروف الحالية”.
كما يوضح “خوالدة” أنه في الحالة الطبيعية، فإن أكثر من 37.6 في المئة من الأسر الأردنية، تعيش بأقل من 650 دينار شهرياً، بحسب إحصائيات عام 2019، لافتاً إلى أن ارتفاع خط الفقر بحكم الظروف وتراجع الدخل العام للأسر إلى أقل من 400 دينار شهرياً بسبب الإغلاقات والآثار الاقتصادية، يؤكد أن الفقر في الأردن ذاهب باتجاه مستويات عالية جداً خلال الفترة المقبلة.
في ذات السياق، تشير “عماوي” إلى أن إحصائيات العام 2019، توضح أن نسبة 86 في المئة من العاملين الأردنيين دخلهم الشهري يقل عن 500 دينار، وذلك على الرغم من ارتفاع نسبة الشباب في المجتمع الأردني ضمن التركيبة الديمغرافية للبلاد.
وبحسب الفاهيم الاقتصادية، فإن خط الفقر هو معدل لقياس حاجة الفرد نت الغذاء والحاجيات الأساسية في الحياة، مقارنة مع الأسعار في البلد الذي يعيش فيه، بحيث يقدر عدد الفقراء من خلال نسبة الناس الذين يتقاضون أجوراً أقل من ذلك المعدل.
البطالة والمديونية
الفقر وآثاره يرتبط حكماً بالحديث عن تصاعد معدلات البطالة في الأردن أو أي مكان آخر، وفقاً لما يراه الباحث الاقتصادي، “مزيد الدغمي”، مشدداً على أن ارتفاع معدلات الفقر في البلاد سيكون نتيجة منطقية لتراجع معدلات التوظيف وارتفاع معدلات البطالة، خاصة في ظل تدني نسبة مشاركة المرأة في النشاط العملي والاقتصادي مقارنة بالرجل، ما جعل الكثير من الأسر الأردنية تعتمد على الرجل فقط كمعيل لها.
كما يكشف “الدغمي” لمرصد مينا، عن وجود نحو نصف مليون عامل أردني في مختلف القطاعات الاقتصادية مهدد بالفصل من عمله، بحسب الإحصائيات الرسمية الأخيرة، ما يعني من وجهة نظره تحول أسرهم فعلياً إلى فئة الفقراء، خاصة وأن نسبة عالية من الأردنيين لا تملك أي مدخرات، أو أن مدخراتها ممكن ان تكفيها لمدة شهر أو اثنين في أحسن الأحوال.
وسبق لمركز مركز بيت العمال الأردني للدراسات، أن كشف عن ارتفاع معدلات البطالة في الأردن من 19.3 في المئة خلال الربع الأول من العام الجاري، إلى 23 في المئة، خلال الربع الثاني منه، فيما أشارت تقارير منظمة “يونسيف” إلى أن 28 في المئة من الأسر الأردنية باتت لا تملك مخزون مالي كافي لشراء حاجاتها الغذائية لأكثر من أسبوعين.
في ظل تلك الظروف، يعتبر “الدغمي” أن القروض والمديونيات ستكون خلال الأسابيع القادمة، الخيار الأخير للأردنيين لتسديد نفقات معيشتهم.
أما تناولاً لقضية تراجع معدل مشاركة المرأة الأردنية في سوق العمل، توضح “عماوي” أن نسبة البطالة لدى نساء الأردن، وفقاً لإحصائيات العام 2019، بلغت 27 في المئة بين الإناث، مقابل 17 في المئة للرجال، في إجمالي حجم بطالة وصل إلى نحو مليوني شخص.
كارثة إنسانية واقتصاد دولة يعاني
التعويل على مساعدات حكومية مالية للفئات الأكثر تضرراً من وباء كورونا، يعتبره “الدغمي” أمر غير منطقي، خاصةً وان الحكومة بحد ذاتها بحاجة إلى مساعدات اقتصادية مع ارتفاع نسبة العجز في الموازنة العامة إلى 110 في المئة، خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري، متضررة من آثار انتشار كورونا، لافتاً إلى أن طبيعة الاقتصاد الأردني مختلفة عن اقتصادات الدول الكبرى، وأنه اقتصاد غير اجتماعي، وغير قادر على تقديم المساعدات المالية للمتضررين كما هو الحال في ألمانيا مثلاً.
وكان ولي العهد الأردني، الأمير “حسين بن عبد الله”، قد أشار إلى أن جائحة كورونا فرضت على بلاده واقعاً صعباً، وانها تحاول التأقلم مع الواقع الجديد وأن الأردن اضطر لاتخاذ تدابير قاسية لمواجهة الوباء.استكمالاً للحديث عن دور المساعدات الحكومية للفئات الأردنية المتضررة، يلفت الباحث “خوالدة” من جهته، إلى أن النظرة العامة على الخسائر لكافة القطاعات الاقتصادية، تؤكد عجز الدولة عن مواجهة كل تلك الأعباء، لا سيما أن اقتصاد البلاد في أساسه قائم على المساعدات والأنشطة التجارية، بعيداً عن مداخيل الثروات الطبيعية أو النشاط الصناعي، محذراً من أن الأردن مقبل على أزمة معيشية قد تصل إلى مستوى الأزمة اللبنانية في حال استمرار الحال على ما هو.
وكانت بيانات الحكومة الأردنية، قد كشفت عن تسجيل شركات النقل الجوي خسائر تصل إلى 200 مليون دينار أردني، كما كشفت عن تأثر حركة السياحة في الأردن خلال الموسم الحالي، والتي أثرت بدورها على حركة الحجز الفندق ورحلات الطيران، مبينة أن أكثر من 21 ألف عامل أردني في مجال الفنادق والسياحة، باتو مهددين بفقدان وظائفهم، مع استمرار الوضع الراهن.