أثار تعهد وزير الهجرة البلجيكي ضجة كبرى في بلجيكا وأوروبا ودول العالم حيث فتح الباب عريضًا على واقع وأزمة المهاجرين عمومًا والعراقيين خصوصًا، والذين لم يشهد بلدهم بعد استقرارًا أو تنمية – رغم تعاقب الحكومات منذ الغزو الأمريكي – بشكل يسمح لهم بالعودة.
وحظيت تصريحات الوزير بأهمية خاصة كون الرجل عراقي، بل وابن لاجئ استقر والده في بلجيكا وحصل على جنسيتها ليتمتع ابنه بحقوق قد لا يحلم بها في بلده (صار وزيرًا) ليتجه في باكورة أعماله بتهديد اللاجئين بالترحيل وعلى رأسهم أبناء جلدته من العراقيين.
حرب ومشاكل
عاش العراق على موجات هروب وهجرة خارجية منذ عقود طويلة.. نظرًا لحالة عدم الاستقرار المتواصل التي شهدتها البلاد بدءً من الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات وتسببت بمقتل أكثر من مليون مواطن ونزوح عشرات الآلاف داخليًا ثم خارجيًا (عمليات استهداف الأكراد ونزوحهم شاهدة) ..
المغامرة الثانية كانت باحتلال الكويت التي غزاها صدام مطلع العقد الأخير من القرن الماضي (أغسطس آب 1990) التي انتهت بكارثة عسكرية على العراق ومن ثم سياسية اقتصادية مع الحصار الدولي والعقوبات التي أضرت بالعراقيين كثيرًا .. وحدثت بعدها الانتفاضة الشعبانية لمتمردين فشلوا فهربوا إلى مخيم رفحاء في الحدود السعودية العراقية، ليصار إلى توزيعهم لاحقًا على دول الغرب.
وجاء الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 لينهي عهد نظام صدام حسين، ويفتح الباب على حروب وقلاقل داخلية في البلاد في ظل فتنة طائفية وعرقية سببت موجات نزوح داخلي وهروب للخارج منذ تلك السنوات. تعزز مع سيطرة داعش على مناطق واسعة في البلاد في أزمة ما زال العراق يعيش على وقعها حتى اليوم.
تهديد بالترحيل
وزير الشاب (32 عامًا) مرشح الحزب (CD & V) المسيحي الديمقراطي والفلمنكي (Christian Democratic and Flemish)، وتسلّم منصبه في بداية أكتوبر تشرين أول الجاري، ضمن تشكيلة وزارية جديدة، بعد مرور سنة و4 شهور من دون حكومة رسمية في البلاد.. ليصدم العالم بأولى تصريحاته
فقد أعلن وزير الهجرة البلجيكي “سامي مهدي” خلال مقابلة إعلامية مع تلفزيون “Vtm” البلجيكي تسببت بجدل كبير.. وقال خلال مقابلته التي أثارت الجدل إنه “سيتم زيادة عدد مراكز الترحيل” لتضم المهاجرين الذين رُفضوا كلاجئين في بلجيكا، من أجل إعادتهم لبلادهم، وفق القانون.
حيث تشمل الإجراءات الجديدة ” ضمان ترحيل الأشخاص الذين استوفوا جميع الإجراءات الخاصة بطلب اللجوء وتم إخطارهم بضرورة العودة”، مع ” اتخاذ سياسات حازمة وإنسانية أيضا في مجال الترحيل، والتركيز بشكل أساسي على مسألة العودة”.
ليؤكد الوزير “مهدي” أن طالب اللجوء سيقوم بسلسلة من الإجراءات تدوم نحو ستة أشهر كحد أقصى قبل معرفة نتيجة طلبه “إن كان الرد إيجابيًا يصبح لاجئًا بشكل قانوني، وإذا كان سلبيًا سيتم إعلامه بضرورة المغادرة، إذ يُعدّ بقاؤه غير قانونيّ”. (تزامنت تصريحات مع ارتفاع حدة الشعبوية واليمين المتطرف في البلاد)
وأثارت تصريحات الوزير ردود فعل بين المتابعين العرب الذين أكدوا أنهم وجدوها صادمة “لأن والد الوزير البلجيكي مهاجر ولاجئ في الأساس”، وفق تقرير خاص لموقع “ارفع صوتك” وما نقلته وسائل إعلامية.
الوزير يوضح
بعد موجة الانتقادات الحادة، حاول الوزير ذو الأصل العراقي، ترطيب الأجواء بشأن “ترحيل العراقيين”.. وفي تصريحات إذاعية لموقع “ارفع صوتك”؛ قال وزير اللجوء والهجرة البلجيكي “سامي مهدي” إن التصريحات المنسوبة إليه بشأن اعتزامه ترحيل مهاجرين عراقيين، لا توضح صورة دقيقة لأقواله، حيث أكد أن بلاده لن ترحل أحدا “وهي تعلم أنه مهدد بالقتل”.
ليؤكد مهدي في حديثه -وفق موقع الحرّة- أن معظم ما تمّ تناقله في وسائل الإعلام لا يعكس صورة دقيقة لما قلته، فهو لم يقصد جنسية بعينها، إنما كان حديثه مرتبطًا بالمهاجرين المقيمين بشكل غير قانوني في بلجيكا”.
ليعقب على الآراء المتداولة والهجوم عليه بسبب التصريحات، قال مهدي “من المهم أن نعلم أننا لا نحصل على المعلومات الدقيقة دائماً”.
بين وزارتين
في معرض تعليقها على ما جرى تداوله.. أكدت وزيرة الهجرة والمهجرّين العراقية “إيفان فائق جابرو” أنها ترفض “أي ترحيل قسري للاجئين العراقيين”، لتوضح في بيان نشر على موقع الوزارة “نحن مع العودة الطوعية وليس القسرية، وسندعو السفير البلجيكي إلى لقاء للتباحث في هذا الملف”.
بدوره، اعتبر “مهدي” ردّ الوزارة العراقية عائدًا إلى “سوء فهم في الترجمة المتداولة للتصريحات” وهو ما “يؤدي عادة لنتائج سيئة من قبل جميع الأطراف”، وفق توصيفه.
ليؤكد الوزير البلجيكي: “نحن مستعدّون للتعاون وبناء الجسور بيننا والزملاء في العراق ومختلف الدول، من أجل حركة هجرة ولجوء منظمة وقانونية”.
حيث أضاف “مهدي” أن “الأولوية في قبول طلبات اللجوء والحماية هي للمهددين بفقدان حياتهم بسبب الحروب وغيرها من الكوارث”، ليستدرك بقوله “أما الذين يقصدون بلجيكا ويطلبون اللجوء فيها لمجرد تحسين وضعهم الاقتصادي، فأقول لهم إن وضعهم لا يمكن أن يصبح أفضل ما داموا سيعيشون بشكل غير قانوني”.
لا ترحيل للمهددين
قال الوزير ذي الأصول العراقية “سنقوم بمباحثات وعقد اتفاقيات مع حكومات الدول الديمقراطية موطن المهاجرين المقرّر ترحيلهم، ولن نرسل أي شخص لبلده ونحن نعلم أنه معرّض للقتل هناك”.
حيث تواجه دول الاتحاد الأوربي حركة لجوء ضخمة منذ سنوات طويلة، في حين تصنف بلجيكا من الوجهات المفضلة للمهاجرين.
وقال مهدي “هذا يضع ضغطاً كبيراً على عاتقنا”، مؤكدًا أن “تسريع الإجراءات في إرسال الموافقة أو الرفض، وترحيل المرفوضة طلبات لجوئهم، يتيح استمرار هذه العملية، ومنح الأولية للمهاجرين الذين يستحقون بالفعل، وهم أولئك المهددة حياتهم بالفقدان إذا بقوا في بلدانهم”.
ليبعث الوزير، برسالة تتعلق بحقيقة كون والده عراقيًا، فهي “لا تغيّر شيئًا” من وجهة نظره، لافتًا إلى عودة الكثير من العراقيين بشكل طوعي إلى بلدهم حين رُفضت طلبات اللجوء التي قدّموها، في وقت سابق.
ويوجد في بلجيكا حالياً ما بين 120 إلى 150 ألف شخص مهاجر غير شرعي، حسب منظمة منصة المواطن لدعم اللاجئين “Plateforme citoyenne de soutien aux réfugiés”.
وتؤكد المنظمة المذكورة، وفق ما نقل موقع “DW” الألماني إن “الوضع يحتاج إلى مسؤولية أكبر من قبل الحكومة من حيث الدعم المادي وتسهيل الوصول إلى الرعاية الصحية، بالإضافة إلى تجاوز لائحة دبلن، من أجل السماح للمهاجرين خصوصا السودانيين والإريتيريين (وهم الغالبية بين طالبي اللجوء)، باستكمال إجراءات طلب اللجوء في بلجيكا”.
أرقام مفزعة
نقلت إحصائيات رسمية صادرة عن وزارة التخطيط في العراق أرقامًا تضع إشارات استفهام مع إشارتها إلى أن عدد المهاجرين من العراق المتجهين إلى بلدان أخرى ارتفع عام 2017 إلى 4.2 مليون مهاجر خارج العراق موزعين على ما يقارب 67 دولة عربية وأجنبية.
رقم كبير لأعداد المهاجرين العراقيين في حصيلة 15 عامًا تمشل الفترة الممتدة منذ الغزو الأمريكي للبلاد في عام 2003 وحتى عام 2018.
وتتواجد أكبر الجاليات العراقية متواجدة حاليًا في بريطانيا والسويد وتركيا والدنمارك والولايات المتحدة
بدوره.. الناطق الرسمي باسم وزارة الهجرة والمهجرين “ستار نوروز” أكد في حديث سابق لجريدة “البصائر” على أن الوزارة تفتقر إلى إحصائية دقيقة لأعداد العراقيين المهاجرين.
ليشير الناطق إلى أن أكبر الجاليات العراقية متواجدة حاليًا في بريطانيا والسويد وتركيا والدنمارك والولايات المتحدة، إضافة إلى بعض الدول العربية كالأردن وغيرها.
أما منظمة الهجرة الدولية فقد أشارت في تقرير سابق لها نشر نهاية عام 2017 إلى أن أعداد العراقيين الذين فروا من البلاد بسبب الحرب الأخيرة وصل نحو 1.7 مليون عراقي، اتجه معظمهم إلى أوربا وتركيا والأردن ومصر ودول أخرى.
اللافت أن هجرة العراقيين “وغيرهم” إلى الدول الأوروبية ما تزال مستمرة على الرغم من التدابير الأمنية التي اتخذتها بعض الدول كتركيا واليونان وألمانيا، بحسب المنظمة الدولية.
أما وسائل الإعلام التركية، فذكرت إلى أنه على الرغم من تراجع أعداد المهاجرين عبر تركيا في عامي 2017 و2018، إلا أن المهاجرين من سوريا والعراق ما زالوا يحاولون الوصول إلى أوربا وخاصة إلى ألمانيا.
مشاهد وقصص
تتعدد قصص وتفاصيل وأسباب هجرة العراقيين إلى المغترب والأهوال التي قاسوها وعاينوها في طريق حلمهم للوصول إلى أوروبا..
“أحمد سعيد” أحد المهاجرين العراقيين من مدينة الموصل والمقيم حاليًا في ألمانيا منذ عام 2015، ينقل في حديث لجريدة “البصائر” تجربة هجرته ووضع المهاجرين العراقيين.. موضحًا صعوبة وقساوة الرحلة
إذ يقول سعيد إن رحلة الهجرة يكتنفها الموت والمشقة في كل لحظة حتى بعد وصولهم إلى البلد المستهدف، ويضيف سعيد أن العراقيين وبسبب الوضع الأمني الذي تعيشه البلاد، باتوا يحلمون بالهجرة حتى الذين لديهم أعمال وحياة مستقرة في البلاد.
سعيد في حديثه الصحفي أوضح أن عدد المهاجرين العراقيين في ألمانيا بات يقدر بعشرات الآلاف، معظمهم ما زالوا يقبعون في المخيمات أو ما يسمى محليًا في ألمانيا بـ “الكمبات” في إشارة إلى معسكرات أو مخيمات اللاجئين.
ليبين في ختام كلامه، أن الحرب في الموصل والقصف الهمجي والبطالة، أجبرته على الهجرة مع زوجته وأطفاله، وأنه لا يعتقد أنه سيعود إلى العراق قريبًا في ظل الأوضاع المزرية التي ما زال العراق يعيشها، بحسب تعبيره.
أما نائب رئيس الجالية العراقية في السويد “بدران هاشم” أوضح في حديثه لجريدة “البصائر” أن سنوات 2006 و2007 و2008 شهدت أكبر موجة لجوء للعراقيين في السويد، ليقول إن إقبال العراقيين على اللجوء في السويد تراجع في السنوات الأخيرة بعد أن سنت السلطات مزيدًا من التشريعات التي تعرقل حصول اللاجئين العراقيين على إقامة دائمة.
حيث بيّن “هاشم” أن أقدم مهاجر عراقي في السويد كان قد وصل في عام 1960، ومنذ ذلك الحين يتدفق العراقيون على السويد كملاذ آمن تتوفر فيه فرص عمل واندماج في المجتمع السويدي.
بدوره.. روى مهاجر عراقي في السويد، معاناته في الهجرة، ففي حديثه مع ذات الجريدة، قال “خليل إبراهيم” إنه يقيم في السويد منذ عام 2014، حيث كلفته الهجرة قرابة الـ 13 ألف دولار، إلا أنه طلبه للهجرة في السويد رفض أكثر من مرة من قبل السلطات السويدية، موضحًا أنه هاجر إلى السويد منفردًا وترك زوجته وأطفاله في بغداد، أملًا منه في الحصول على إقامة رسمية في السويد ليستطيع من خلالها سحب عائلته معه.
إبراهيم، ألمح إلى أن وضع المهاجرين العراقيين صعب للغاية، حيث أن العراقي وبقية المهاجرين، لا تعترف السلطات السويدية بشهاداتهم الجامعية، مما يضطرهم للعمل كخدم ومضيفين في المطاعم والمقاهي.
أما عن دوافعه الخاصة للهجرة، فقد أشار “إبراهيم” الحاصل على شهادة في الهندسة الميكانيكية أنه اضطر للهجرة، بعد أن ضاقت به سبل العيش في بغداد، ولم يجد عملًا ثابتًا في العراق أو وظيفة حكومية، فقرر الهجرة وتحمل معاناة اللجوء والهجرة.
احصائيات وأرقام
قامت مؤسسة القمة المتخصصة بشؤون اللاجئين في اقليم كوردستان والعراق، بنشر تقرير إحصائي قبل فترة تناول عدد اللاجئين العراقيين في 35 دولة بالعالم خلال السنوات الخمس الماضية.
حيث تضمنت الاحصائية تعداد اللاجئين في تلك الدول منذ عام 2015 – 2020.
وبحسب الاحصائية فإنه في عام 2015 هاجر 186,422 شخصا 25 منهم توفوا و7 منهم مفقودون.
وفي عام 2016 هاجر 160,717 شخصا توفي منهم 78 شخصا و54 اخرين مفقودون.
وفي عام 2017 هاجر 92,691 شخصا توفي منهم 29 شخصا، و 67 اخرين مفقودون.
وفي عام 2018 هاجر 69,203 اشخاص توفي منهم 54 شخصا، 18 اخرين مفقودون.
وفي عام 2019 هاجر 53,240 شخصا توفي منهم 47 شخصا، و10 اخرين مفقودون.
وفي 2020 مستمرة الهجرة توفي الى الان 9 اشخاص، و15 اخرين مفقودون.
والمجموع الكلي للمهاجرين العراقيين طيلة الاعوام الخمسة الماضية وفق المؤسسة، بلغ 562,293 شخصا، توفي 242 منهم و171 اخرين مفقودون.
وفي عام 2018 هاجر 69,203 اشخاص توفي منهم 54 شخصا، 18 اخرين مفقودون.
وفي عام 2019 هاجر 53,240 شخصا توفي منهم 47 شخصا، و10 اخرين مفقودون.
وفي 2020 مستمرة الهجرة توفي الى الان 9 اشخاص، و15 اخرين مفقودون.
والمجموع الكلي للمهاجرين العراقيين طيلة الاعوام الخمسة الماضية وفق المؤسسة، بلغ 562,293 شخصا، توفي 242 منهم و171 اخرين مفقودون.