تسبّب اغتيال الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني في محيط مطار بغداد الدولي مطلع العام الجاري.. سبّب إهانة كبيرة للتبجح الإيراني وضربة قاصمة لكثيرة من مخططاتها وأذرعها الخارجية عبر تصفية اللواء الذي كان الرجل الأهم – والأشهر – في الحرس الثوري خصوصًا في مجال العمليات الخارجية ومناطق النفوذ الإيرانية في الإقليم.
وجاء قرار الاغتيال عبر ضربة جوية أمريكية استهدفت سليماني مع قيادي الحشد الشعبي العراقي، أبو مهدي المهندس، بعد جهد استخباراتي خاص.. لتطلق إيران تهديدات غاضبة بالأخذ بثأر جنرالها.. الذي أرادت واشنطن من اغتياله، إنهاء دوره المحوري في المنطقة – وربما – السماح ببدء مفاوضات سياسية مع طهران بعد إزاحة الجناح المتشدد في القيادة الإيرانية الذي مثّله سليماني.. وللوصول إلى تلك المرحلة ستقع صدامات كثيرة وعنيفة، مشابهة لاغتيال قائد فيلق القدس
تهديدات ورسائل
بُعيد عملية الاغتيال، توعد مجلس الأمن القومي الإيراني بأن الرد سيشمل منطقة الشرق الأوسط بأسرها، في حين قال قائد بالحرس الثوري إنه جرى تحديد 35 هدفًا أميركيًا حيويًا في المنطقة، بالإضافة إلى إسرائيل.
ليؤكد من جهته، قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي، أن ثأر طهران لاغتيال الجنرال قاسم سليماني سيطال “المتورطين” فيه، حيث أوضحت تصريحات الحرس الثوري الإيراني، أن “الثأر لمقتل قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني ورفاقه سيكون بالوقت الذي تحدده طهران وتراه مناسبا”، مشددا على أن “إيران إذا ما تعرضت لأي هجوم فلن يكون لها أي خط أحمر بالرد”.
وقال الجنرال “سلامي” في تصريحات سابقة، نقلها موقع “سباه نيوز” التابع لحرس الثورة الإسلامية “سيد ترامب، ثأرنا لاستشهاد قائدنا العظيم هو مؤكد، جدي، وواقعي، لكننا شرفاء ونأخذ مسألة الثأر بإنصاف وعدالة”.
أما المساعد الخاص في الشؤون الدولية لرئيس المجلس الشورى الإيراني، أمير عبد اللهيان، أكد في وقت سابق، عزم إيران الجاد في “انتقام صعب لقتلة القائد اللواء قاسم سليماني”، بحسب وكالة “مهر” الإيرانية.. التي أوضحت على لسان المسؤول أنّ الثأر لمقتل قائد الحرس الثوري قاسم سليماني سيكون أكبر من مجرد ما تم من قصف قاعدة عسكرية أمريكية.
وصرح عبد اللهيان، خلال مؤتمر “المجاهدين في الغربة” الخامس، بأن “قصف قاعدة عين الأسد العسكرية الأمريكية في العراق ما كان إلا مجرد انتقام لسيارة كانت تحمل الحاج قاسم ورفاقه في ليلة اغتياله”، مشددا على أن “انتقام دم قاسم أكبر من ذلك وهذا مايعلمه الأمريكان”.
لكن الرئيس روحاني أوضح في تصريحات له أن سياسة الصبر هي ما تتبعه الحكومة الإيرانية في مسعاها للثأر.. حيث وصف الرئيس الإيراني، قبل أيام، “حكام البيت الأبيض الجدد بـ ”الشر الذي طال العالم كله”.
وكشف روحاني، خلال اجتماع الحكومة أن: “الصبر ضروري في بعض الأحيان لنصل إلى جميع الأمور المتوخاة وبطبيعة الحال ظهر في هذا الخضم شر في العالم وهم حكام البيت الأبيض، هذا الشر لم يطل شعبنا فقط بل عم العالم كله. انظروا ماذا فعلوا بأفغانستان التي قالوا بأنهم سيضمنون أمنها. بيد من شرقها وغربها، وهي اليوم تواجه ظروفا خطيرة جدا”، وفق ما نقلته وكالة “فارس” الإيرانية.
ويبدو أن طهران تريد تجاوز قضية الانتقام عبر استخدام القواعد الأمريكية كرد وثأر (استهدفت قاعدة عين الأسد بالقصف في وقت سابق)، إلى عمليات مبرمجة تستهدف بها شخصيات أمريكية يجري اغتيالها بهدف الانتقام وفي سياق الحرب النفسية ضد الأمريكان في العالم (تناقلت تقارير تخطيط طهران لاستهداف سفيرة واشنطن في جنوب إفريقيا) وهذا ما يفسر تهديدات سابقة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، برد “أقوى بألف مرة” في حال شنت طهران أي اعتداء على بلاده.
في حين حملت تصريحات اللواء سلامي السابقة، تهديدًا بضرب من أسماهم “أولئك الذين كانوا بشكل مباشر أو غير مباشر متورطين في استشهاد هذا الرجل العظيم، وعليك أن تعرف أننا سنستهدف من تورط، كائنا من كان، وهذه رسالة جدية”.. حيث نفى برسالته استهداف السفيرة مؤكدًا بالوقت نفسه استهداف المتورطين.
تهديدات أعمق
تخطط إيران للانتقام بنفس الطريقة التي استُهدفت بها، عبر اغتيال شخصيات قيادية عسكرية في البنتاغون.
حيث ورغم أن التصريحات العدائية بين واشنطن وطهران انخفضت مؤخرًا بالتزامن مع الانتخابات الأمريكية، لكن وصلت التهديدات لـ 5 من قادة “البنتاجون” الذين قد يكون شاركوا في قرار وعملية اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني مطلع عام 2020.
وأطلق “بوب مينينديز” السيناتور الديمقراطي عن ولاية نيوجيرسي، تحذيرًا من وجود خلايا نائمة لأذرع إيران في الولايات المتحدة..
داخل وخارج أمريكا
تعرض مسؤول عسكري كبير بوزارة الدفاع، لحادثة تتبع مساء الـ 22 من سبتمبر أيلول 2020 من سيارة تحمل لوحات فيرجينيا، يقودها إيراني.. وفق ما ذكرته NBC.
وأكد تقرير المحطة الأميركية بأن التهديدات وقعت في سبتمبر/ أيلول 2020، وجرى إطلاع مسؤولي إنفاذ القانون بعمليات التهديد التي لا تزال سارية، وهي ليست على الأراضي الأميركية فحسب، بل حتى خارجها.
كما قالت المحطة في الـ 31 أكتوبر تشرين الأول 2020، إن الإفادات عرضت على مسؤولي “إف بي آي” و”سي آي إيه”، بعد حادثة التتبع المذكورة.
أفعال لا تصريحات
يريد قائد الحرس الثوري الإيراني من تهديداته، أن تحمل طابعًا جديًا، وهذا ما أكده الكشف عن تلك التهديدات التي طالت جنودًا أمريكيين مؤخرًا.. والتي جاءت بعد توعد أطلقه قائد الحرس الثوري الإيراني حسن سلامي في الـ 19 من سبتمبر أيلول 2020، بأن ثأر طهران لاغتيال الجنرال قاسم سليماني، سيطال المتورطين فيه.
حينها أكد سلامي في تصريحاته التي نقلها موقع “سباه نيوز” التابع لحرس الثورة الإسلامية: “سيد ترامب، ثأرنا لاستشهاد قائدنا العظيم هو مؤكد، جدي، وواقعي، لكننا شرفاء ونأخذ مسألة الثأر بإنصاف وعدالة”.
ليوضح سلامي في رسالته: “نحن نضرب أولئك الذين كانوا بشكل مباشر أو غير مباشر متورطين في استشهاد هذا الرجل العظيم، وعليك أن تعرف أننا سنستهدف من تورط، كائنا من كان وهذه رسالة جدية”.
“إيلي يوسف” الصحفي والكاتب اللبناني المقيم في واشنطن، وفي معرض تعليقه عن مدى جدية التهديدات التي وصلت لقادة في “البنتاجون”، قال خلال تصريحات صحفية في 31 أكتوبر تشرين الأول المنصرم: إن التهديدات الإيرانية، “تبدو جدية”.
ليشار يوسف – بحسب صحيفة الاستقلال- إلى تصريحات السناتور الديمقراطي بوب مينينديز، التي تحدثت عن “معلومات استخبارية تدل على أن لحزب الله خلايا نائمة، وهو بمثابة ذراع أساسي لإيران على الأراضي الأميركية”.
أما الكولونيل ديفيد دي روش، الأستاذ في جامعة الدفاع الوطني بواشنطن، فاعتبر أن “التهديدات الإيرانية جدية للغاية، حيث يرى المتشددون في نظام طهران أن العمليات الانتقامية بعد مقتل سليماني لم تكن كافية”.
دي روش، وفي تصريح صحفي نهاية الشهر الماضي قال إن قياديين في الحرس الثوري “كانوا قد هددوا بأن الانتقام قادم، وكانت هناك مؤشرات على أنهم حاولوا استهداف السفيرة الأميركية في جنوب إفريقيا”.
مؤكد لكن مؤجل
تثير التهديدات الإيرانية المذكورة تساؤلات حول قدرة طهران الفعلية على تنفيذها، وإذا ما نُفذت فما تأثيرها على صراع الطرفين في الشرق الأوسط في ظل أزماته المعقدة..
اعتبر “مارك كاسيان” الخبير في شؤون الأمن الدولي، بمركز الدراسات الدولية والإستراتيجية ، أن إيران “لديها الدافع والوسائل والسوابق للإقدام على أمر من هذا القبيل”.
ليؤكد الخبير كاسيان، قبل أيام في تصريحات صحفية أن “قوات إنفاذ القانون الأميركية تراقب هذا النوع من التهديدات منذ وقت طويل، كما أن الإيرانيين أظهروا قدرة على تنفيذ اغتيالات في أوروبا”.
لكن الخبير في شؤون الأمن الدولي، استبعد أن ترد الولايات المتحدة الأميركية على التهديدات الإيرانية، قبل إجراء المزيد من التحقيقات والتأكد من أن هناك مؤامرة حقيقية لتنفيذ اغتيالات.
في حين يرى الكونوليل “دي روش” أن التقديرات تشير إلى أن قادة الحرس الثوري “سينتظرون إلى ما بعد الانتخابات الأميركية لتنفيذ عمليات اغتيال، كي لا يساعد نزاعهم مع الرئيس دونالد ترامب على إعادة انتخابه، إذ إنهم لا يريدون تجربة 4 سنين أخرى من سياسة الضغط القصوى”..
حيث أشار الضابط الأمريكي أن “الولايات المتحدة يعيش فيها الكثير من الإيرانيين ومن الموالين لحزب الله اللبناني”.
اغتيال السفيرة
تعتبر التهديدات الأخيرة لقيادات في البنتاغون، جزءًا من سلسلة تهديدات شبيهة طالت مسؤولين وعسكريين أميركيين منذ اغتيال سليماني..
نقلت صحيفة “بوليتيكو” الأميركية، أن إيران تدرس مخططا لاغتيال سفيرة واشنطن في جنوب إفريقيا لانا ماركس، المقربة من الرئيس دونالد ترامب.
حيث أوضحت الصحيفة في خبرها في 14 سبتمبر/ أيلول 2020، أن مخطط طهران لاغتيال ماركس يأتي ردًا على مقتل سليماني مطلع العام 2020 بضربة أميركية قرب مطار بغداد الدولي.
ليؤكد تقرير الصحيفة تورط سفارة إيران في بريتوريا في جنوب إفريقيا في مؤامرة لاغتيال سفيرة الولايات المتحدة، فيما كشف مسؤولون أميركيون عن أن إيران تدير شبكات سرية واسعة النطاق في جنوب إفريقيا.
ووضح المسؤولون: أن “الولايات المتحدة على علم بوجود تهديد قوي على السفيرة منذ الربيع الماضي، إلا أن المعلومات الاستخباراتية أصبحت مؤكدة الأسابيع الأخيرة، وماركس نفسها على علم بهذا الخطر الذي يهدد حياتها”.
حيث رجحوا أن يشكل مخطط اغتيال السفيرة واحدا من الخيارات التي تفكر فيها طهران للرد على اغتيال سليماني، وأن صداقتها الطويلة مع ترامب قد تكون السبب للانتقام من الرئيس الأميركي الذي أصدر الأوامر بقتل سليماني، كما أن ماركس كانت صديقة شخصية للأميرة الراحلة ديانا.
نفي إيراني
رفضت طهران على لسان قائد الحرس الثوري الإيراني حسن سلامي، المعلومات المتعلقة باغتيال السفيرة، لينفي سلامي خلال تصريحاته التي توعد فيها بالثأر لسليماني قضية الاغتيال: “تعتقد أننا سنستهدف سفيرة في جنوب إفريقيا (ثأرا) لدماء أخينا الشهيد، لكن الثأر سيطال المتورطين”.
منتصف سبتمبر أيلول 2020، هدد الرئيس الأمريكي، إيران برد “أقوى بألف مرة” في حال شنت أي اعتداء على بلاده، وذلك في أعقاب التقارير التي تناولت تخطيط طهران لاستهداف لانا ماركس، ردًا على مقتل “سليماني”.
عائلات الجنود مستهدفة
أعقب مقتل سليماني، وصول رسائل تهديد – مجهولة المصدر – تلقتها عائلات جنود أميركيين بالكويت مجهولة المصدر في يناير/ كانون الثاني 2020، تطالبهم بالرحيل من الشرق الأوسط، وإلا سيواجهون الموت أو الاختطاف، وفق ما نشرت وسائل إعلام أميركية.
و قالت قناة “فوكس نيوز: ” إن عائلات “العسكريين المظليين” الأميركيين الذين تم نشرهم في الكويت، ، بعد تصاعد التوترات مع إيران، تلقت “رسائل تهديدية” عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
الجيش الأميركي بدوره طالب عائلات الجنود، الذين أعيد نشرهم بعد اغتيال سليماني، بأخذ الاحتياطات اللازمة..
في السياق ذاته، قال موقع “ميليتري تايمز” المختص في الشؤون العسكرية: إن “الفرقة 82 المحمولة جوا من فورت براج، نورث كارولاينا، وجهت تنبيهًا إلى عائلات العسكريين بضرورة الإبلاغ عن أي رسائل غريبة قد يتلقونها على هواتفهم، أو وسائل التواصل الاجتماعي التابعة لهم”.
حيث أشار الموقع إلى تلقي “بعض العائلات رسائل مؤيدة لإيران فيما يبدو، وتهديدات عبر إنستغرام (برنامج تواصل اجتماعي) تطالبهم بضرورة مغادرة المنطقة والعودة إلى بلادهم”.
كما نقل “ميليتري تايمز” عن الناطق باسم الفرقة، اللفتنانت كولونيل “مايك بيرنز”، قوله: “أبلغتنا عائلات عسكريين عن حالات تلقوا فيها بعض رسائل التهديد”.
ونشر الموقع بعض ما جاء في تلك الرسائل عل طى سبيل التحذير كـ : “إذا كنت تحب حياتك وترغب في رؤية عائلتك مرة أخرى، فقم بحزم أغراضك الآن واترك الشرق الأوسط.. عد إلى بلدك. أنت ورئيسك المهرج الإرهابي الذي لم يحضر سوى الإرهاب”.
ورسالة أخرى كان مفادها: “أيها الحمقى أنتم تقللون من شأن قوة إيران. الهجوم الأخير على قواعدكم كان مجرد شيء قليل من قوتنا. بقتل جنرالنا أنت حفرت قبرك الخاص.. قبل أن يكون لديك المزيد من الجثث، اترك المنطقة للأبد ولا تنظر أبدا إلى الوراء”.
جثث وضربات إلكترونية
توعد القائد الجديد لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، الجنرال إسماعيل قاآني، الولايات المتحدة، بأن تنتشر جثث جنودها في كافة دول الشرق الأوسط.. في رده بعد اغتيال سليماني، في الـ 3 من يناير كانون الثاني 2020.
وفي وقت سابق، حذرت وزارة الأمن الداخلي الأميركية من احتمال قيام الحكومة الإيرانية بهجمات إلكترونية، كرد على عملية الاغتيال.
هذا وتصر واشنطن على أحقيتها في عملية الاغتيال وتصفية سليماني الذي تتهمه بأنه كان يرعى أذرع إيران في العراق ولبنان ودول أخرى، حيث ساعد على قتل أميركيين واستهداف مصالح واشنطن وحلفائها بالمنطقة.