تسعى المحادثات والحوارات الليبية الليبية التي تعقد هنا وهناك، الى الاتفاق نهائيا على وقف اطلاق النار وانهاء كل التدخلات الأجنبية في البلاد مع تصفية عمل الميليشيات والمرتزقة، حيث من المنتظر ان يتم تفعيل كل الاتفاقات السابقة التي تم التوصل اليها في ملتقى تونس الذي سينطلق يوم الاحد المقبل. ومن المنتظر أيضا ان يتم الإعلان عن موعد الانتخابات العامة في ليبيا لتنصيب حكومة جديدة يختارها الشعب الليبي دون اية ضغوطات اجنبية او اكراهات ميليشياوية.
وفي الوقت الذي تتكثف فيه مساعي إحلال السلام في المنطقة التي عانت الصراعات والحروب الداخلية لعقد من الزمن، نجد عشرات الميليشيات والكتائب تصول وتجول في ارجاء البلاد، مرتكبة اشنع الأفعال. فتارة تشتبك مع ميليشيات الطرف المقابل في النزاع الليبي ومرة أخرى تشتبك فيما بينها مخلفة فوضى عارمة واحيانا قتلى ودماء مسفوكة واعراض مهدورة.
تصفية الميليشيات
ويتساءل عدد من العارفين بالشان الليبي والمطلعين على عمل التشكيلات المسلحة، عن كيفية تطبيق الجزء الخاص من الاتفاق والقاضي بإخراج المليشيات نهائيا وتصفيتها. فهذه الأخيرة منتشرة في كل البلاد، وتبدو إمكانية لجمها ضئيلة وغير سهلة بالمرة.
وقد عبّر العديد من الليبيين عن شكوكهم في قدرة الحكومة على تصفية هذه الميليشيات أو اعتقال قادتها.
وتوجد في ليبيا عشرات التشكيلات المسلحة التي روعت المواطنين ونشرت في صفوفهم الفزع والفوضى، لا سيما وانها تملك ترسانة من الأسلحة، قد لا تملكها بعض الجيوش.
وقد شرعت حكومة الوفاق منذ مدة غير بعيدة في تنفيذ مخرجات مؤتمر برلين القاضية بتوقيف الشخصيات المطلوبة دوليا وتصفية الميليشيات المسلحة ونزع سلاحها وإعادة دمج من يتم تأهيلها. وتقديم العناصر الإرهابية والإجرامية للعدالة من ذلك ان وزير الداخلية فتحي باشاغا، حاول تعقب بعض العناصر الاجرامية المطلوبة دوليا للعدالة على غرار”البيدجا” المتهم رقم واحد في التهريب والاتجار بالبشر وغيرها من الجرائم التي وضعته على قائمة المطلوبين دوليا.
لكن رغم ذلك تبقى عملية السيطرة على كل الميليشيات، بما تملكه من أسلحة متوسطة وثقيلة، امرا بغير السهولة التي يتوقعها البعض.
نزع السلاح ..مهمة صعبة
وحول هذا الموضوع، يقول سعيد امغيب النائب بالبرلمان الليبي، أنه طالما تصدرت هذه المجموعات المسلحة المشهد في ليبيا لا يمكن أن تبني دولة أو أن ننجح في بناء دولة مدنية حقيقية. ويرى مغيب أنه التشكيلات المسلحة التي ترتكب المجازر على تخوم العاصمة تجمعت تحت مسميات وأجندات مختلفة عرقية أو مناطقية وإرهابية، ومن بينها كيانات تطمح لتحقيق أطماع سياسية كتنظيم الإخوان الإرهابي الذي يتحصل على تمويل من أطراف خارجية ويسعى لأن تكون ليبيا في قبضته. ولكنه يعتبر ان المهمة لن تكون يسيرة وانه لا بد من تظافر جهود كل مكونات المجتمع الليبي للنجاح في إيقاف نزيف الاقتتال الميليشي الذي افقد الدولة امنها وسلامتها. وقال امغيب ان التخلص من الميليشيات قد يتم على مراحل زمنية متباعدة حتى لا تكون المهمة شاقة، وأيضاً لامتصاص غضب أنصار هؤلاء المطلوبين والمعاقبين دولياً.
وتشير التقديرات إلى أن عدد الميليشيات المسلحة في ليبيا يصل إلى أكثر من 300 مجموعة مختلفة التسليح والأعداد بعضها يتبع أشخاصا والبعض الآخر يتبع تيارات متطرّفة، وأخرى تتبع مدنا ومناطق، وتتواجد أغلبها بالعاصمة طرابلس ومدن مصراتة والزنتان والزاوية وصبراتة. وعلى مرّ السنين الماضية لم تتوان في أي لحظة عن ارتكاب جميع الفظائع من الاتجار بالبشر الى النهب والسطو والخطف والقتل بحق المواطنين أو التناحر فيما بينها وهي التي دمّرت وحرقت مطار طرابلس بطائراته الرابضة فيه واستهدفت سفارات أجنبية ومقرات أممية. أما مستقبلا فهي أكبر عقبة حقيقية أمام خلق مستقبل سلمي في البلاد حيث سيكون نزع السلاح منها والذي لا يحصى ولا يعد أمرا عسيرا، باعتبار النفوذ والسلطة والنفوذ الذي تتمتّع به الآن.
وقد يبدو إيقاف الحرب الدائرة منذ سنوات والجمع بين الخصمين اللدودين، أمرا سهلا ونسير نحوه فعلا بالمقارنة مع تحدّي تطويع هذه الميلشيات وكسر شوكتها.
في الواقع لا حكومة الوفاق ولا الجيش الليبي يتألّفون من قوات مسلحة نظامية ذات إدارة مركزية، بل من العديد من الجماعات المسلحة، لكن الفرق فقط هو في الولاء والسيطرة ، فبينما تتّخذ فصائل طرابلس موقع السلطة الموازية وتحكم بأحكامها، ترضخ فصائل الشرق لسلطة الجيش، أغلب الأحيان. وفي خضم هذا كلّه فإن كل التفكير والجهد الدولي الآن سينصب على كيفية ايجاد توليفة تنهي الحكم الموازي لأي جماعات مسلّحة في كل البلاد سواء بدمجها في جيش وطني نظامي أو مجابهتها وهو خيار يذهب بالبلاد نحو منعرج خطير.
كما أن التحدي الكبير في ليبيا ليس حل هذه الميلشيات أو حتى دمجها في الجيش مستقبلا فحسب بل يتجاوزه الى جمع السلاح حيث تشير التقارير الى احتواء ليبيا على أكثر من 20 مليون قطعة سلاح. وهذا الأمر سيعيق كثيرا تنفيذ سلطة القانون تحت لواء أي حكومة مقبلة خاصة إذا ما أخذنا الطابع القبلي الذي لايزال يسيطر على ليبيا والذي هو أصلا سبب ما آلت اليه الامور من الفوضى والتناحر.