لا يكتمل المشهد اليمني المأساوية، بتناول التحذيرات الأممية، الصادرة قبل أيام، والتي صنفت اليمن بين أكثر أربع دول مهددة بالمجاعة القاسية، فبحسب، ما يؤكده موظفو إغاثة يمنيين، فإن البلاد دخلت فعلياً بمرحلة المجاعة، وأن الجوع بدأ يحصد الأرواح، ليس بفعل الحرب فقط، وإنما ضمن إطار سياسة ممنهجة واستهداف مباشر للأطفال، على حد تأكيدهم.
في سياق حديثهم مع مرصد مينا، يكشف عمال الإغاثة، الذين رفضوا الكشف عن هوياتهم،بسبب الخوف من الملاحقة، بأن إحصائيات الجوع الحقيقية تشير إلى أن 8 من كل 10 أطفال يمنيين يعانون من سوء تغذية، لافتين إلى أن حياة معظم أطفال اليمن باتت متعلقة بالمساعدات الإغاثية المقدمة لهم من المنظمات الدولية، والتي باتت تتراجع بشكل كبير مؤخراً.
بين الشديد والأشد.. موت بطيء يحوم في الأجواء
خلال الحديث عن الجوع وشدته، يقسم أحد أعضاء الفريق الإغاثي مستويات الجوع في اليمن إلى ما بين الشديد والأكثر شدة، موضحاً: “على الرغم من أن معظم مناطق صنعاء والحديدة وأب وتعز، تعاني من ظاهرة الجوع بشكلٍ عام، إلا أن شدة الجوع ليست واحدة في تلك المناطق، لافتاً إلى أن الحديدة وصنعاء تصنف من أكثر المناطق جوعاً بالنسبة للأطفال، خاصةً في ظل السياسات الحوثية، التي منعت تداول العملة اليمنية الجديدة في مناطق سيطرتها واحتجزت أجور الموظفين، وكانت السبب في تخفيض حصة اليمن من الإغاثة بنسبة 50”.
يشار إلى أن المدير الإقليمي لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة، يونيسف، “تيد شيبان”، قد أكد في تصريح سابق، على خطورة الأوضاع في اليمن من ناحية الأمن الغذائي للأطفال، لافتاً إلى ضرورة تقديم المزيد من المساعدات الإنسانية لأطفال اليمن، حتى يستمروا في الحياة.
ويبين العامل الإغاثي، أن معظم حالات الوفاة بين الأطفال، والتي تصل إلى المستشفيات، ناجمة عن الجوع وسوء التغذية، مشيراً إلى أن الإغاثة والمواد الغذائية توزع في مناطق الحوثي على أسس الولاءات والتبعيات، حيث يحصل موالو ومقاتلو الحوثي على الحصص الأكبر من تلك المعونات، فيما يحرم منها كل من تشكك الميليشيات بولائه، على أن ينال بقية الشعب اليمني، بقايا تلك المساعدات.
كما يشدد العامل، الذي اختار اسماً مستعاراً “أيهم”، أن جوع الأطفال وقلة التغذية، تسبب لهم بمشاكل صحية وأمراض، ساهمت في وفاة الكثير منهم، مشيراً إلى أن الموت بات الشيء الأقرب لأطفال اليمن.
يذكر أن آخر إحصائية حول عدد وفيات الأطفال اليمنيين نتيجة الجوع، كانت نهاية العام 2018، حيث ذكرت حينها منظمة أنقذوا الأطفال، الدولية، أن 85 ألف طفل يمني توفوا بسبب سوء التغذية، ومنذ ذلك الحين لم تصدر أي إحصائيات رسمية حول الأمر.
فتش عن الحوثيين.. إغاثة للبيع وسوق سوداء تستوعب كل شيء!
ما يصفه “أيهم” بـ “جرائم الميليشيات الحوثية” بحق أطفال اليمن وقوتهم وغذائهم، لا يتوقف عند حد السطو على المساعدات الإغاثية ولا التسبب بتوقف أكثر من نصفها وحسب، وإنما تمتد إلى طرحها مجدداً للبيع في الأسواق السوداء، مضيفاً: “تخيل أنهم يبيعون الناس الإغاثات، التي جاءت أساساً على اسمهم”.
في السياق ذاته، يشير “أحمد” أحد زملاء “أيهم” في الفريق، إلى أن كميات كبيرة من المواد الإغاثية تباع عن طريق تجار مرتبطين بالميليشيات ومدعومين منهم، وأن هذه الظاهرة لم تعد خافية أو تتم بالسر، وإنما علينةً، مشدداً على أن تلك المواد أصبحت مصدر من مصادر الثروة، التي تبنى على حساب أمعاء الأطفال الخاوية.
يذكر أن منظمة هيومن رايتس ووتش قد اتهمت قبل أشهر، الميليشيات الحوثية بوضع معوقات حالت دون وصول المساعدات الإغاثية إلى مستحقيها، في حين أعلنت مجموعة المانحين لليمن، عن تخفيض مساعداتها في حزيران الماضي، بسبب تلك العراقيل والتدخلات في توزيع الإغاثات، ما إلى خفض الحصص الموزعة على اليمنيين.
السوق السوداء للحوثيين، كما يسميها “أحمد”، باتت تتسع لكل شيء ممكن أن تجنى ثروة من خلاله، سواء الوقود أو الأغذية أو الأدوية أو الإغاثات، لافتاً إلى أنه حتى جثث المعتقلين لديها قد تدخل في وقت لاحق إلى تلك السوق من باب تجارة الأعضاء، على اعتبار أنه لم يعد يستبعد أي شي عن الحوثيين.
وكانت الأمم المتحدة قد حذرت في وقت سابق، من أن توقف برامج الإغاثة في اليمن، قد يحرم أكثر من 9 ملايين شخص من المساعدات الإغاثية المقدمة لهم، خلال الأشهر المتبقية من العام الجاري.
لسنا منهم وليسوا منا.. والأطفال في مقدمة الضحايا
اللافت في سياسات وممارسات الحوثيين، كما يرى الباحث في شؤون الميليشيات الإيرانية، “حسن صالح”، هو تركيزها على الأطفال بشكل خاص، موضحاً: “الأطفال هو أكثر الفئات استهدافاً وتضرراً من ممارسات الحوثيين، سواء قتلهم بطريقة مباشرة عبر القنص أو قتلهم من الجوع أو تجهيلهم وحرمانهم من التعليم، أو محاولة تجنيدهم”.
يشار إلى أن العديد من المنظمات الدولية والمنظمات الحقوقية قد اتهمت الحوثيين بإغلاق مئات المدارس واستهداف العشرات منها بالصواريخ، كما كان المنتدى العربي الأوروبي لحقوق الإنسان قد كشف عن تجنيد ميليشيات الحوثي ما يصل إلى 23 ألف طفل يمني في البلاد، للقتال إلى جانب قواته على جبهات المعارك.
يرجع “صالح” تلك الممارسات ضد الأطفال إلى عاملين اثنين، الأول هو نظرة الميليشيات إلى المجتمع اليمني ككل على أنه منفصل عن عقائدهم وإيمانهم وتوجههاتهم، وبالتالي يشكل عدواً في نظر الحوثيين الموالين لنظرية تصدير الثورة الإيرانية، لافتاً إلى أن قتل الأطفال في هذه الحالة، يرتبط برغبة الحوثيين بالقضاء على جيل قد يحول دون استكمال مشروعهم في اليمن، على حد وصفه.
وكانت عدة قيادات حوثية قد أكدت خلال الأشهر الماضية، ولاءها لما أسمته “ولاية الفقيه”، والمرشد الأعلى للثورة في إيران، لافتين إلى أنهم يبايعونه في اليمن.
أما العامل الثاني، فيربطه “صالح” برغبة الحوثيين باستغلال الأطفال لتجنيدهم ضمن قواتهم، وذلك من خلال الإغراءات بالمواد الإغاثية والأموال، التي تساعدهم على التخلص بشكل جزئي من البؤوس، الذي تسببت به أصلاً الميليشيات، على حد قوله، مشيراً إلى أنه في كلا الحالتين تضمن الميليشيات نشوء جيل يمني إما ضعيف غير قادر عى مواجهتها أو جيل من الموالين لها، لتثبيت حكمها.