كتب الشاب العراقي “إبراهيم” على حسابه في “تويتر”: “أحد معارفي محكوم بالإعدام بسجن الناصرية، سبب محكوميته تفجير إرهابي وقع ضحيته ناس أبرياء علما أنه كان موقوفا عند وقوع التفجير، كيف لشخص موقوف أن يقوم بعملية تفجير!، بالمناسبه والدة المتهم البريئ، المحامون أخذوا منها كل ماتملك ولم يفعلوا شيئاً وهي إمرأة كبيرة بالسن وزوجها َمتوفي”.
هذا ما ذكره الشاب العراقي في سياق الحديث عن آلاف الاعدامات التي تنفذ في العراق منذ سنوات بتهم الإرهاب، وآخرهم 50 شخصا من المقرر تنفيذ حكم الاعدام بهم يوم الاثنين المقبل، فيما شهد الأسبوع الماضي إعدام 21 شخصا، الأمر الذي اعتبره خبراء في الأمم المتحدة فعلا يأتي في سياق الاحكام الجائرة.
الخبراء المستقلون حثوا حكومة بغداد على الوقف الفوري لجميع عمليات الإعدام الجماعية، مشيرين إلى أنه تم إعدام 21 سجيناً في تشرين الأول، تلاها 21 سجيناً آخر الأسبوع الماضي في سجن الناصرية المركزي، المعروف أيضاً باسم الحوت.
وقالوا في بيان مشترك إن الموجة “تبدو وكأنها جزء من خطة أكبر لإعدام جميع السجناء المحكوم عليهم بالإعدام”، مشيرين إلى أن وجود نحو 4000 سجين، معظمهم متهمون بارتكاب جرائم إرهابية، ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام فيهم وأن المئات من عمليات الإعدام تم توقيع أوامر تنفيذها.
منذ أعوام..
قضية الاعدامات ذات التهم مسبقة الصنع، ليست جديدة على الساحة العراقية، إذ سبق لمركز جنيف الدولي للعدالة ان وثّق لدى اجهزة الأمم المتحدّة كيف أن أدلة الإدانة في المحاكم العراقية غالباً ما تعتمد على الاعترافات التي تنتزع تحت وحشية التعذيب، وأن المدانين ينحدر معظمهم من مناطق ذات مكوّن معين ضمن محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالى/ ذات أغلبية سنية/ مما يؤكد النزعة الطائفية التي تكتسيها هذه الأحكام.
يطبق القضاء العراقي عقوبة الإعدام، بحسب مركز جنيف، “ظلما” وبالاستعانة بالمادة 4، المثيرة للجدل، من قانون مكافحة الإرهاب الصادر سنة 2005 ، وتم رصد وتوثيق القضايا التي يطبق فيها الحكم بالإعدام ففي العام 2012 وثق إعدام 129 شخصا، وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2013 تم تنفيذ موجة جديدة من عمليات الإعدام في العراق، حيث أعدم 42 شخصا في غضون يومين فقط. ووصل العدد الإجمالي للأشخاص الذين أعدموا في نفس العام إلى 170، أما في الشهر الأول من عام 2014 تم إعدام 36 شخصا وهي الحصيلة المعلن عنها أما ما خفي فبالتأكيد كان أعظم.
المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، ذكرت في العام 2016 أن السلطات الحكومية نفذت أحكاماً بالإعدام بحق 236 مداناً خلال العامين 2014و 2015 ، و720 خلال العام 2016.
بالعودة إلى الدفعة الأخيرة من الاعدامات، قال محققو الأمم المتحدة الذين يركزون على التعذيب والقتل التعسفي وحماية حقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب: “نحث الحكومة العراقية بشدة على احترام التزاماتها القانونية الدولية والوقف الفوري لخطط أخرى لإعدام السجناء”.
وأضافوا أن “المحاكمات بموجب قانون مكافحة الإرهاب اتسمت بمخالفات مقلقة. كثيراً ما حُرم المتهمون من أبسط حقهم في الحصول على دفاع كافٍ ولم يتم التحقيق في مزاعمهم بالتعرض للتعذيب وسوء المعاملة أثناء الاستجواب”، فيما لم يصدر تعليق فوري من الحكومة العراقية.
المفوضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة ميشيل باشليه، في بيان صدر الأسبوع الماضي بعد إعدام 21 مداناً، السلطات العراقية إلى وقف أي عمليات إعدام أخرى. وقالت إن مكتبها وجد “انتهاكات متكررة لحقوق المحاكمة العادلة، وتمثيل قانوني غير فعال، واعتماد مفرط على الاعترافات ومزاعم متكررة بالتعذيب”.
باشليه وصفت تقارير عن إعدام 21 مدانا بتهم على صلة بالإرهاب في العراق بأنها “مقلقة للغاية”، محذّرة من مصير مماثل يتهدد مئات السجناء في البلاد، وجاء في بيان للموضية “أدعو السلطات العراقية إلى وقف أي عمليّات إعدام إضافية، وأشعر بقلق بالغ حيال مصير مئات من السجناء في العراق، الذين قد يكونون عرضة لخطر الإعدام الوشيك”.
العراقيون الذين أعدموا كانوا قد ادينوا بموجب قانون مكافحة الإرهاب الصادر في العام 2005، لكن أي تفاصيل بشأن طبيعة الجرائم التي دينوا بها لم تعلن. وهذا ما دفع خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة لإبداء مخاوف من أن يكون لدى العراق “خطة” للتخلص من جميع السجناء المحكومين بالإعدام.
ضغوط سياسية..
تقارير إعلامية وأعضاء في لجنة حقوق الإنسان البرلمانية أشاروا إلى أن وزارة العدل خضعت لضغوط سياسية من كتل برلمانية، مشيرين إلى أن الوزارة في صدد تنفيذ عمليات إعدام لأشخاص لم ينالوا محاكمة عادلة وهناك شبهات في الأحكام التي سجلت بحقهم خلال فترة حكومتي نوري المالكي الأولى والثانية التي اتسمت بالتوظيف الطائفي الواضح في كثير من أحكام القضاء.
التقارير نقلت عن عضو في اللجنة فضّل عدم الكشف عن هويته، أنّ “الوزارة والسلطة القضائية تواجهان ضغوطاً من قبل بعض الأطراف السياسية، التي تدفع باتجاه تنفيذ الأحكام خلال الفترة الحالية، تحت مزاعم تقليل النفقات الخاصة بالسجون”، مؤكدا أن “بعض الأطراف السياسية، تسعى لتنفيذ أحكام الإعدام قبل إجراء الانتخابات البرلمانية المقررة في يونيو/ حزيران 2021، وتريد من خلال ذلك تحقيق مكاسب انتخابية؛ والوضع العراقي غير المستقر، أمنياً وسياسياً ومالياً، يمنح تلك الأطراف فرصة لتنفيذ أجنداتها بالضغط لتنفيذ الأحكام، لكن لا بدّ من إيقافها والعمل على إعادة محاكمة السجناء وتوفير حق الاستئناف لهم”.
وذكّر بأنّ الرئيس العراقي، برهم صالح، الذي صادق على أحكام إعدام يعلم مسبقاً أنّها أطلقت في ظروف غير عادلة ولم يتوفر للمعتقلين عدالة ولا محامون وانتزعت الاعترافات من كثيرين منهم تحت التعذيب”.
قوى سياسية لفتت إلى أن “حكومة مصطفى الكاظمي أقدمت على التصديق على هذه الإعدامات؛ إرضاءً لرغبات النظام السياسي القائم وتوجهاته العنصرية وأوضحت الهيئة أنّ هذا الفعل الظالم سبقه إطلاق سراح الإرهابيين الذين ارتكبوا مجزرة مسجد مصعب بن عمير في ديالى التي راح ضحيتها أكثر من 70 شخصاً، على الرغم من اعترافاتهم المصدقة قانونياً”.
ويحتل العراق بحسب تقارير إعلامية المرتبة الرابعة، من بين الدول الأكثر تنفيذا لأحكام الإعدام، بعد الصين وإيران والسعودية، بحسب تقرير سابق لمنظمة العفو الدولية.
سجن الناصرية
سجن الناصرية الواقع في محافظة ذي قار هو الوحيد في العراق الذي تُنفذ فيه عقوبة الإعدام، كما يُحتجز فيه مدانون من المسؤولين السابقين في نظام صدام حسين، تؤكد مصادر عراقية حقوقية أنه يضم نحو 13 الف نزيل منهم 5 آلاف محكوم بالإعدام لم ينفذ الحكم بهم منذ 10 سنوات.
مصدر في مفوضية حقوق الانسان تؤكد أن “هناك سجنين في الناصرية؛ الاول سجن الناصرية للاحكام الخفيفة وطاقته الاستيعابية 250 نزيلًا الا انه في الواقع يحتوي حاليًا على 875 نزيلًا وهو بالتالي يحمل ضعف طاقته ثلاث مرات ونصف، اما السجن الثاني هو سجن الناصرية للاحكام الثقيلة ويسمى بـ(الحوت) طاقته الاستيعابية تقدر بـ 4000 نزيل والموجود حاليا قرابة الـ 12 الف نزيل”.
تبلغ مساحة سجن الحوت حوالي 4 كم مربع، يوجد فيه، بحسب المفوضية، 5 آلاف سجين محكوم بالاعدام بعضهم مضى على اصدار حكم بالاعدام بحقه اكثر من 10 سنوات ولم ينفذ، مؤكدة أن العام الحالي، 2020، شهد تسجيل 62 حالة وفاة في سجني ذي قار نتيجة الامراض المزمنة، توزعت بين 54 حالة وفاة في سجن الناصرية المركزي (الحوت)، وحالة واحدة في سجن الناصرية للاحكام الخفيفة، فيما سجلت 7 حالات اخرى نتيجة عوارض صحية مفاجئة”، فيما سجلت “الاعوام الخمسة الماضية قرابة الـ200 حالة وفاة”.
وسائل إعلام عراقية أشارت مؤخرا إلى أن “سجن الحوت سجل خلال الفترة الماضية حالة مرضية نادرة تظهر بين كل مليون شخص لدى فرد واحد منهم، او لا تظهر اطلاقًا وهو مرض الاخطبوط، والذي يتمثل بتغيير جلد الجسم باستمرار، بالاضافة لامراض الجهاز التنفسي، والجرب، والامراض الجلدية، كذلك امراض شائعة كالتدرن”.