دعمت موسكو جهود العراق لمحاربة الإرهاب ومساعي الكاظمي لتحسين الأوضاع في البلاد.. في تصريحات أطلقها وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، خلال مؤتمر صحفي مع وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، في العاصمة الروسية، موسكو..
وأكد لافروف، أن موسكو تدعم جهود الحكومة العراقية برئاسة مصطفى الكاظمي لاستقرار الأوضاع والقضاء على الإرهاب.. ومساعي تمهيد إجراء الانتخابات في وقت قريب”.
نُشير هنا أن العلاقات الخارجية العراقية شهدت تراجعًا في ظل شبه عزلة دولية في عهد حكومة عادل عبد المهدي السابقة، في حين تحاول الحكومة الحالية استعادتها مُجَدّدًا.
وفي سبيل ذلك، بدأ وزير الخارجية “فؤاد حسين” أثناء شهر سبتمبر المنصرم بجولة خارجية شملت عدة دول أوروبية، على رأسها فرنسا، بهدف تطوير علاقات العراق الخارجية.
دعوة رسمية
يوم الثلاثاء.. وصل وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، إلى العاصمة الروسية موسكو، وفق بيان رسمي للمتحدّث باسم الوزارة “أحمد الصحّاف”.
وأوضح المتحدث أن: ‘الزيارة جاءت تلبية لدعوة رسميّة من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ستستغرق عدة أيام”.. وذهب وفد مع الوزير حسين؛ ضمّ ممثلي وزارات النفط، والتجارة، وكذلك لجنة العلاقات الخارجية البرلمانية..
البيان أوضح أن “حسين”: “سيلتقي بنائب رئيس الوزراء الروسي “يوري بوريسوف”، و”لافروف”، ووزير الطاقة “نيكولاي شولغينوف”، وعدد من المسؤولين الروسيين”.
تشمل أهداف الزيارة: “لتعزيز آفاق التعاون المُشترَك بين العراق و روسيا في المجالات كافة، وكذا لبحث عدد من الملفات التي تهم البلدين” خصوصًا في مجال الطاقة والاقتصاد.. بحسب البيان.
كشف وتعليق
بيّن “لافروف” وقوع زيارة منتظرة لوزير الدفاع العراقي، جمعة عناد، إلى موسكو خلال الأيام المقبلة، بهدف “بحث التعاون العسكري والتسليح”، في تعليق خلال المؤتمر أكد فيه أن “روسيا مستعدة لتلبية طلبات بغداد فيما يتعلق بالتسليح والتعاون العسكري”.
التعارض الإقليمي الدولي وحركة الصراع الدولية حول المصالح في منطقة الشرق الأوسط، كانت حاضرة في بيان لافروف الذي أكد أن “علاقة روسيا مع العراق لا تمنع أن تكون لديه علاقات مع الغرب ودول الجوار”.
ليعلن: “نثمن تقدير العراق حول جاهزيته للمساعدة بتسوية الأزمة في سوريا، ونقدر المشاركة العراقية في مؤتمر مساعدة اللاجئين بدمشق”.
أما التواجد الأجنبي العسكري في المنطقة، قال وزير الخارجية الروسي إن “وجود القوات الأمريكية في العراق وسوريا وأفغانستان هو قرار يتعلق بسيادة الدول ذاتها”.
مشيرًا إلى أن “قرار البرلمان العراقي بإخراج القوات الأجنبية، هو السبيل الوحيد لتأمين شرعية انسحاب هذه القوات”.
أما الزيارة الحالية فأكد أن “زيارة وزير الخارجية العراقي ستساهم بتعزيز العلاقات الثنائية في شتى المجالات واستقرار أمن المنطقة”.
مؤخرًا، اعتبر السفير الروسي لدى بغداد ماكسيم ماكسيموف، في تصريحات صحافية أن العراق شريك رئيس بالمنطقة والشركات الروسية تدرس المساهمة في إعادة بنيته التحتية.
حيث أشار إلى أن “المجال الرئيس في التعاون التجاري والاقتصادي الثنائي هو قطاع النفط والغاز .. وأن إجمالي الاستثمارات الروسية في هذا القطاع تزيد على 13 مليار دولار حتى الآن”..
وأوضح السفير أن التعاون بين البلدين يتركز في الوقت الحاضر على فتح السوق العراقية للشركات الروسية المتخصصة في بناء المحطات الكهربائية والاستكشاف الجيولوجي وتصدير القمح والمنتجات الزراعية الأخرى”.
تعقيب عراقي
قال وزير الخارجية العراقي في معرض تعليقه خلال المؤتمر أنه تم التطرق مع نظيره الروسي إلى التحديات التي تواجه العراق والمنطقة والعالم، والوضع الأمني، والعلاقات مع دول الجوار.
ليوضح: “شكرنا حكومة روسيا للعمل مع العراقيين في مواجهة إرهابيي داعش”.
أما أطر التعاون بين البلدين، فأوضح حسين أن “هناك حوالي 14 مذكرة تفاهم بين بغداد وموسكو، ونحن بصدد العمل على تفعيلها وعقد اجتماع للجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي والفني بين البلدين”.
أسرار التقارب
مع بداية العام الجديد، دخلت علاقات بغداد واشنطن منعطفًا خطيرًا بعد تصفية طائرة أمريكية للجنرال قاسم سليماني في محيط مطار بغداد.. حيث يخضع العراق بشكل كبير لنفوذ الميليشيات الإيرانية ما جعل الغموض يسيطر على مستقبل العلاقات العسكرية بين العراق والولايات المتحدة.
منذ ذلك الوقت، بدأت تحركات عراقية لاستقطاب الصين وروسيا لتعزيز العلاقة معهما في تحركات حملت تساؤلات كبيرة وفق بعض المراقبين الذين اعتبروا عامل التوقيت واضحًا وحاسمًا من قبل القوى المحسوبة على إيران لإبعاد العراق عن أمريكا.
في شهر شباط فبراير الماضي، أعلنت وزارة الدفاع العراقية أن بغداد وموسكو ناقشا آفاق تعميق التنسيق العسكري بينهما، بعيد اجتماع جرى في العاصمة بغداد بين رئيس أركان الجيش عثمان الغانمي والسفير الروسي في العراق مكسيم ماكسيموف، مع ملحق دفاعي روسي وصل حينها لبغداد.
حينها، اعترف جنرال المارينز فرانك ماكنزي، أبرز قائد أميركي في الشرق الأوسط، مؤخرا بأن العلاقات مع العراق تمر “بفترة من الاضطراب”.
وفي حديث لوكالة أسوشيتد برس، قال مسؤول رفيع المستوى في المخابرات العسكرية العراقية، إن روسيا – من بين دول أخرى – تقدمت لتقديم الدعم العسكري في أعقاب العلاقات الأميركية العراقية المشحونة في أعقاب مقتل سليماني.
ليؤكد المسؤول أن “هناك دول أعطت إشارات للعراق لدعمه أو تزويده بطائرات استطلاع مثل روسيا وإيران”.. توازيًا مع تصريحات مسؤولون عسكريون عراقيون كبار لوكالة أسوشيتد برس،حينها أن العراق أبلغ جيشه بعدم طلب المساعدة من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في العمليات المشتركة التي تستهدف تنظيم داعش.
تنويع مصادر التسليح
قال الخبير العسكري العراقي أحمد الشريفي – في حديث مع الحرة – إن “مسألة تنوع مصادر السلاح مقبولة حتى من قبل واشنطن، والدليل على ذلك الجيش المصري، فمن حيث المبدأ هو حليف للولايات المتحدة لكن فيه تنوع سلاح غريب إيطالي وروسي وفرنسي وصيني وصولا إلى الأميركي”.
ليوضح الشريفي: “بالتالي إذا كان قرار تنويع مصادر التسليح يحمل أبعادا عسكرية ورفع مستوى القدرات فالأمر مقبول، وحتى الولايات المتحدة لن تعترض عليها”.
“لكن المشكلة تكمن في أن الحكومة العراقية بدأت مؤخرا تتعامل بحدية في علاقاتها الدولية، وباتت هناك رغبة واضحة تتمثل بالدخول في توازنات وتحالفات جديدة رغبة منها في إنهاء العلاقات مع الولايات المتحدة” بحسب الخبير.
ويشير إلى أن “هذه التوجهات الارتجالية تأتي نزولا عند رغبة إيران وظهرت واضحة جدًا في حكومة عادل عبد المهدي ويحاولون أن يبقوها في حكومة رئيس الوزراء المكلف بعده”.
من أجل إيران
يؤكد الخبير العسكري العراقي أن “هذه التحركات والضغوط تمارس من أجل إجبار الولايات المتحدة على التفاوض مع إيران”.
ويرى الشريفي أن “هذه الرسائل تستفز الرأي العام العراقي، لأنها تغيب المصلحة العليا للوطن، وتظهر بما لا يقبل الشك أن صانع القرار السياسي في العراق غير مهتم باستقلالية البلاد ومصالحها ومنشغل فقط بكيفية حل أزمة الصراع بين طهران وواشنطن”.
أما التفاهمات مع روسيا فيرى الشريفي أنها: “لن تنجح لأنها ستصدم بالاتفاقات المبرمة بين بغداد وواشنطن، خاصة وأن العراق ملتزم دوليا مع الولايات لمتحدة في مسألة العقيدة التسليحية والعقيدة القتالية للجيش”.
واعتبر الشريفي أن “مسألة التقارب العسكري مع روسيا يجري التلويح بها فقط لأن إمكانية تنفيذها على الأرض غير متاحة، لأنها تحتاج إلى قدرات مالية وغلى فلسفة واستراتيجيات بعيدة المدى في إدارة المؤسسة الأمنية والعسكرية”.
لذلك بحسب الشريفي فإن “هذه التحركات تخالف تطلعات الشعب العراقي، ولا تستند إلى إجماع سياسي وأيضا هي ليست منطقية لأنها ليست في مصلحة العراق الوطنية ولافي مصلحة العراق ضمن التوازنات الإقليمية والدولية”.
والمعادلة الأهم وفقا للشريفي تتمثل في أن “روسيا لا ترغب في اقتحام مجال حيوي للأميركيين كالعراق على سبيل المثال خوفًا من ردة فعل واشنطن”.
كما تحدث الشريفي عن قضية أخرى تجعل من الصعب على العراق ترك حليف استراتيجي مثل الولايات المتحدة التي “تمتلك منظومة تحالفات تمتد من العراق والخليج وصولًا الى حوض البحر المتوسط، وبالتالي هي تمتلك الجهد التقني الذي يمكن العراق أن يؤمن من خلاله مستلزمات السيادة بأبعادها الثلاث البرية والبحرية والجوية”.. بحسب الخبير.
تعاون قديم يتجدد
وصل حجم المبيعات العسكرية الروسية لبغداد قبل انهيار الاتحاد السوفيتي، ما بين 1958 و1990 نحو 30.5 مليار دولار.
حيث شملت مبيعات الأسلحة السوفيتية للعراق ما يقارب 3 آلاف وحدة من عربات المشاة القتالية، و3 آلاف ناقلة جند، و4500 دبابة و700 منظومة صاروخية لمكافحة الدبابات و300 منظومة مضادة للطائرات و348 مروحية و1000 طائرة و41 سفينة. كما حصل العراق على 60 ترخيصاً بصنع الأسلحة الروسية.
في حين وصل حجم التبادل السلعي بين البلدين عام 1989 أكثر من ملياري دولار.. ووصل الرقم قبل الغزو الأمريكي إلى 7.73 مليار دولار؛ بنسبة 15% من التبادل السلعي العراقي ككل.
كما بلغ حجم الصفقات المعقودة بهدف توريد السلع إلى العراق من روسيا ودول أخرى بوساطة روسية 1.5 مليار دولار.
ليصل عدد الشركات الروسية العاملة في العراق إلى 39 شركة روسية، وبلغت حصة الشركات الروسية في استخراج النفط العراقي 40%.
أيضا ساعد الاتحاد السوفيتي العراق في المجال العلمي والتقني، في تعاون أنجز أكثر من 80 مشروعا علميا حتى ديسمبر كانون الأول عام 1990.
بعد الغزو الأمريكي.. تم تعليق كافة العقود الروسية العراقية مع بدء العملية الحربية الأمريكية في العراق؛ حيث تكبدت الشركات الروسية خسائر كبيرة.. وانخفض التبادل السلعي بين البلدين في عام 2003 ليصل إلى 252 مليون دولار، مما يقل 8 أضعاف عما كان عليه عام 1989.
حيث انخفض وجود الشركات الروسية في العراق، بعد عدة حوادث استهدفت مواطنين روس، نتيجة تدهور الأوضاع الأمنية.
إلا أن ذلك الانكماش لم يمنع من قرار روسيا شطب نسبة 93 % من الديون الروسية لدى العراق بعد زيارة مجلس الحكم المؤقت في العراق لروسيا في ديسمبر/كانون الأول عام 2003.
وبلغ الدين الروسي لدى العراق قبل سقوط صدام حسين، 12.9 مليار دولار.. وفي العام 2004 اتخذ نادي باريس الذي تعد روسيا عضوًا فيه قرارا بشطب 80% من الدين الحكومي العراقي.
في العام 2012، وقعت روسيا مع العراق عقودا بقيمة 1,3 مليار يورو لتزويد العراق بـ 36 مروحية قتالية من طراز مي 28 و48 بطارية من بطاريات صواريخ بانتسير. كما وقع البلدان في أغسطس من نفس العام عقودا بقيمة 4,2 مليارات دولار، بعد زيارة وفد عسكري عراقي برئاسة وزير الدفاع حينها “سعدون الدليمي”.
أما عام 2014، بلغت قيمة الواردات العسكرية الروسية إلى العراق حوالي 1.7 مليار دولار أمريكي، شملت 10 طائرات من طراز “سو – 25” و12 منظومة قاذفة لهب ثقيلة و6 مروحيات من نوع “مي-28” و10 مروحيات من نوع “مي-35” إلى العراق، إضافة إلى ذلك بدأ تسليم بغداد منظومات دفاع جوي أرض – جو من نوع “بانتسير اس1”.
وأشارت بيانات مصلحة التعاون العسكري الروسية، أن العراق يحتل مكان ثاني أكبر مشتر للأسلحة الروسية، بنسبة 11%.
أطماع النفوذ ومكاسب الطاقة
تسعى روسيا عبر مساعداتها للعراق لتحقيق نفوذ فعلي هناك.. كما تعتبر الطاقة مدخلًا رئيسًا لنفوذ موسكو في العراق.
واكتسبت صفقات الطاقة الروسية في بغداد طابعًا أكثر استراتيجية عام 2017.. عندما أقرضت شركة الطاقة الروسية العملاقة روسنفت 3.5 مليار دولار لحكومة إقليم كردستان ووقعت اتفاقية تجمع حزمة من عقود الطاقة الإضافية.
خطوة سمحت لشمال العراق بزيادة القدرة على مواجهة نفوذ بغداد التي تريد السيطرة على مبيعات نفطها، فأصبح عليها التعامل مع شركة “روسنفت” بشأن هذه المسألة.
وفي 2018، اشترت روسنفت أكبر حصة في خط أنابيب النفط الذي تملكه حكومة إقليم كردستان والرابط بين الإقليم وتركيا ووافقت على بناء خط أنابيب غاز مواز.
وبحسب تقرير لـ “العرب” بلغ في العام الماضي، إجمالي الاستثمار الروسي في قطاع الطاقة العراقي 10 مليارات دولار..
حيث تجسّد الطاقة أداة للسياسة الخارجية، فتنجرّ عن السيطرة على خط الأنابيب آثار جيو – سياسية طويلة الأمد تتجاوز مجرد الربح المادي. (وهذا هو سبب اهتمام موسكو بالسيطرة على موارد الطاقة العراقية).
إن علاقات موسكو بالعراق تتجاوز الطاقة،وبحسب السفير الروسي في العراق، مكسيم ماكسيموف، سجّل البلدان 60 زيارة بين المسؤولين العراقيين والروس في 2019، أي بمتوسط خمسة وفود كل شهر.
علاقات عسكرية ميليشاوية
ترتبط موسكو بعلاقات فعلية مع الميليشيات العراقية الموالية لإيران، إلا أن الكرملين عمل جاهدًا على إخفاء علاقاتها مع الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، والتي يتخوف أن تكون سببا لقلق واشنطن، نظرًا لشراكة روسيا مع إيران في الشرق الأوسط.
في نيسان أبريل 2012.. نقلت قناة RT أن ممثل مقتدى الصدر، الشيخ مهند الغراوي، كان يزور موسكو. وواجه الصدر وميليشياته مقاومة شرسة للجهود الأميركية في العراق.
ليسافر أعضاء من ميليشيات الحشد الشعبي المرتبطة بإيران إلى موسكو في سبتمبر 2019.. وحسب ما ذُكر، التقى السفير الروسي ماكسيموف مع زعيم الحشد الشعبي فالح الفياض في آب أغسطس.. وبحسب العرب، يتزايد حديث كبار السياسيين العراقيين، في السرّ، عن علاقات الحشد مع موسكو.
إلى ذلك.. تعمل موسكو بهدوء على تعزيز نفوذها في القطاعات الرئيسية ويدعم القوى المعادية لأميركا في العراق.. في ظل منافسة شديدة جعلت الكرملين يفهم أهمية الصراع الجيو سياسي بالنسبة للعراق الذي شهد تناقص التزام واشنطن تجاهه.
سيقوم العراق بانتخابات برلمانية مبكرة في الصيف أو الخريف عام 2021، فإذا فازت القوى الموالية لإيران بالمزيد من المقاعد، فسيسمح ذلك لموسكو بزيادة نفوذها في العراق بشكل أكبر ما قد يسبب صدامًا محتملًا مع واشنطن وما بنته خلال سنوات من نفوذ في العراق.