لا يكفي اليمنيين ما قاسوه من ويلات الحرب المستمرة منذ سنوات، لتضيف الأمم المتحدة مأساةً جديدةً على مآسيهم، عنوانها الأغذية الفاسدة، وذلك بعد إعلان الحكومة اليمنية الشرعية عن تلف كميات كبيرة من المساعدات الغذائية المقدمة من المنظمة الأممية للشعب اليمني، والتي وصلت مؤخراً إلى ميناء عدن.
يشار إلى أن الأمم المتحدة كانت قد أعلنت في وقتٍ سابق، أن 80 بالمئة من الشعب اليمني يعتمد بشكل مباشر على المساعدات المقدمة له عن طريق الأمم المتحدة وجمعياتها العاملة على الأرض.
ليست المرة الأولى.. ضحايا حرب وفساد
تعليقاً على قضية الأغذية الفاسدة، يؤكد الناشط اليمني “عبد الفتاح الهلالي”، أنها ليست المرة الأولى، التي تصل فيها مساعدات إنسانية منتهية الصلاحية للشعب اليمني، مشيراً إلى أن حالة الفقر والجوع، التي يمر بها الشعب اليمني، أجبرته على قبول تلك المساعدات بعد أن أدرك عدم جدوى الاعتراضات.
يشار إلى أن وسائل إعلام يمنية كانت قد أعلنت في وقت سابق من العام الحالي، عن إتلاف مئات الأطنان من الأغذية الواصلة من الأمم المتحدة عن طريق الموانئ اليمنية، بسبب عدم صلاحيتها للاستهلاك.
كما يلفت “الهلالي” إلى أن العملية مرتبطة بشكل جذري بالفساد ولا شيء غيره، موضحاً: “العملية تبدأ منذ لحظة شراء تلك المواد، والتي غالباً ما تكون منتهية الصلاحية أو قريبة من تاريخ انتهاء الصلاحية، والتي يتم شراؤها بأسعار منخفضة”.
أما عن شحنة الأغذية الفاسدة الحالية، فيشير “الهلالي” إلى أنها كانت تضم كميةً كبيرة من السلع الأساسية من حليب أطفال ودقيق القمح وسكر، لافتاً إلى أن تلك الأغذية كانت كفيلة بإحداث عوارض صحية لدى عدد كبير من مستهلكيها المحتملين لو أنها وصلت إليهم، خاصةً بالنسبة للأطفال والنساء الحوامل.
وسبق للأمم المتحدة أن صنفت اليمن بين أكثر ثلاث دول في العالم مهددة بالمجاعة خلال الأشهر المقبلة، نتيجة استمرار الحرب وفقدان الأمن الغذائي في البلاد.
في السياق ذاته، يعتبر الناشط الحقوقي اليمني، “رياض الدبعي”، أنّ وكالات الأمم المتحدة للإغاثة، تحوّلت إلى تجّار غير أسوياء، وذلك في تناوله لقضية العثور على سلع غذائية منتهية الصلاحية في مستودعات برنامج الغداء العالمي بعدن.
يشار إلى أن السلطات القضائية اليمنية، أعلنت عن فتح تحقيقٍ في فساد محتمل لبرنامج الأغذية العالمي، كما أصدرت قرارات بمنع مسؤولين فيه من السفر، على خلفية ضبط سلع غذائية منتهية الصلاحية في مخازن البرنامج، الذي سبق له وأن حصل على جائزة نوبل للسلام، للعام الحالي.
ردة فعل ليست على مستوى الحدث وبيانات للتغطية على الفضيحة
على الرغم من حجم الفضيحة وآثارها، إلا أن ردة فعل القائمين على البرنامج الأممي، وبحسب ناشطين يمنيين، لم ترق إلى مستوى الحدث، لا سيما وأنها اقتصرت على بيانات تذكر بعمل البرنامج وما قدمه لليمنيين خلال السنوات الماضية، ما اعتبروه محاولةً من البرنامج لتغطية القضية ومحاولة التستر على ما حدث.
وكان البرنامج قد بدأ عمله في اليمن نهاية العام 2015، تزامناً مع اندلاع الحرب نتيجة انقلاب الحوثيين على السلطات الشرعية، بدعمٍ من الحرس الثوري الإيراني.
برنامج الأمم المتحدة، من جهته نشر بياناً على حسابه الرسمي في توتير، أشار فيه إلى أنّ الجوع وسوء التغذية يشكلان خطراً على الكثيرين في اليمن، مذكراً بأنه يسعى من خلال أنشطته بالتصدي لتلك الظواهر عبر تأمين المساعدات المطلوبة لليمنيين الأشد احتياجاً للمساعدة.
الموت جوعاً أم سماً.. رفاهية الاختيار الوحيدة لدى اليمنيين
مع تكرر حالات وصول الأغذية الفاسدة عبر منظمات الأمم المتحدة، يشير الناشط الإغاثي، “معمر”، إلى أن رفاهية الاختيار الوحيدة، التي يملكها اليمنيين اليوم، هي اختيار طريقة الموت، إما جوعاً أو سماً، مشدداً على أن تلقي الأغذية منتهية الصلاحية باتت مسألة متوقعة من قبل اليمنيين، نظراً لتكررها المستمر.
كما يوضح “معمر”، الذي تحفظ على اسمه الحقيقي، أن وصول الأغذية الفاسدة هو مرتبط بعملية فساد أكثر من كونه خطأ فردياً أو بشرياً، مشيراً إلى أن عمليات شراء المساعدات تخضع لمساومات بين بعض الجهات المسؤولة عنها في برنامج الأمم المتحدة وبين الجهات التي تبيع تلك المواد، بحيث يتم شراء أغذية قديمة مقابل عمولات وأسعار رخصية.
في السياق ذاته، يؤكد “معمر” أن العديد من المناطق اليمنية قد شهدت حالات إتلاف وإعدام لكميات كبيرة من المساعدات الإغاثية الواصلة عن طريق الأمم المتحدة، مشيراً إلى أن البيانات المتوفرة تكشف عن ارتفاع عدد الأطفال تحت سن خمس سنوات، المصابين بسوء التغذية بأكثر من 51 بالمئة، ليصل العدد الإجمالي إلى 2.8 مليون طفل من أصل 5.5 مليون طفل.
إلى جانب ذلك، تساءل “معمر” عن جدوى المساعدات الأممية في ظل وجود 500 ألف طفل مصاب بسوء التغذية الحاد، يتوفى طفل منهم على الأقل كل عشر دقائق، معتبراً أن تلك الإحصائيات تؤكد على عدم نجاح برنامج الأمم المتحدة في اليمن.
فشل على فشل .. ومعارك الجوع مستمرة
الحديث عن المساعدات الإنسانية وتحديداً الغذائية منها، تقود طبيباً في إحدى مستشفيات مدينة الحديدة، إلى الحديث عن ارتفاع معدلات الإصابة بسوء التغذية حتى بالنسبة للبالغين وليس للأطفال فقط، مشدداً على وجود أكثر من مليون ومئتي ألف سيدة تعاني من مشكلات صحية بسبب قلة الغذاء في شتى أنحاء اليمن، ما يعني أن أزمة المساعدات الغذائية أزمة عامة في اليمن وليس فقط في مدينة عدن، على حد قوله.
ويؤكد الطبيب على أن معدلات المرضى الواصلين إلى المستشفى بشكلٍ يومي، والمصابين بمشكلات صحية مرتبطة بسوء التغذية لا تزال آخذة بالصعود، لافتاً إلى أن العديد منهم وصل إلى المستشفى بسبب تناوله لأغذية منتهية الصلاحية.
في السياق ذاته، يشير الطبيب إلى أن المساعدات الغذائية الواصلة إلى ميناء الحديدة، تقسم إلى قسمين، الأول صالح للاستهلاك، وهو ما تصادره ميليشيات الحوثي، المشرفة على ميناء الحديدة، الذي تصل المساعدات إليه، والثاني هو الفاسد غير الصالح للاستهلاك، وهو ما يتم توزيعه على اليمنيين، معتبراً أن صحة اليمنيين باتت ضحية ثنائية فساد حوثي – أممي.